الفوائد المتبادلة 2010
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى يجمع علومك ليبلغها و يجمع علوم غيرك لتتعلمها
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولمركز تحميل لرفع الصور

 

 الوجيز فى أحكام أهل الذمة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم عيسى
إدارة عامة
إدارة عامة
ابراهيم عيسى


تاريخ التسجيل : 18/03/2010

الوجيز فى أحكام أهل الذمة Empty
مُساهمةموضوع: الوجيز فى أحكام أهل الذمة   الوجيز فى أحكام أهل الذمة Emptyالسبت يوليو 17, 2010 2:25 pm


الوجيز فى أحكام أهل الذمة

مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وبعد
فلقد عزمت أن أتناول في هذا البحث جملة من أحكام أهل الذمة ، حيث إن هذه الأحكام أصبحت غائبة عن سياق الواقع فوجدت من الضرورة بمكان أن يتعرف المسلم على هذه الأحكام ليستشعر واقع التقصير والعجز في مجتمعاتنا اليوم وليشحذ همته في استعادة ما درس من آثار الإسلام في حياتنا اليوم، هذا بالإضافة إلى أن من الناس اليوم من يقوم بلبس الحق بالباطل وذلك باستعمال مصطلحات وأسماء شرعية وتنزيلها على غير مقصود الشرع منها إيهاماً للناس وتلبيساً عليهم بأن هذا من الشرع والدين، فكان من المهم أن نحرر هذه المسميات الشرعية حتى نعلق الآثار الشرعية لها بمدلولها الصحيح.
ولقد جاء البحث في ثلاثة مباحث تناولت في الأول منها عقد الذمة وتعريفه وأركانه، وتناولت في المبحث الثاني واجبات وحقوق أهل الذمة وأحكام تعامل المسلمين معهم، وفي الثالث تعرضت لذكر نواقض عقد الذمة وذيلت بالخاتمة.
والله أسأل التوفيق والسداد فيما كتبت وأن يوفقنا للعمل بما علمنا كيما نورث علم ما لم نعلم، وأسأله تعالى أن يعفو عما زل به القلم إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.

المبحث الأول : عقد الذمة:

إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا بد لنا قبل الخوض في تفصيل أحكام أهل الذمة من أن نعرف المقصود بأهل الذمة ونلم بالغاية من تمييز هذا الصنف من الكفار بأحكام ومعاملات خاصة، وفيما يلي بيان ذلك بعون الله وتوفيقه.

المطلب الأول: تعريف عقد الذمة :

العقد لغةً من عَقَدَ الحبل والبيع والعهد يعقده : شدَّه، والعقد الضمان[1]، واصطلاحاً : ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول شرعاً[2]، والذمة لغة بكسر الذال المعجمة العهد والكفالة، وأذمَّ فلاناً أجاره[3]، وهو أهل لكذا أي مستوجب له[4]، وقال الجرجاني: الذمة لغة العهد لأن نقضه يوجب الذم[5]، وأما في الاصطلاح فعقد الذمة : (التزام تقرير الكفار في ديارنا وحمايتهم والدفاع عنهم ببذل الجزية والاستسلام من جهتهم)[6]، أو ( إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة)[7]، وأما الجزية فقد عرفها ابن قدامة فقال وهي الوظيفة المأخوذة من الكافر لإقامته بدار الإسلام في كل عام )[8]، والأصل في كل ما تقدم قوله تعالى :" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"[9]، وفي الحديث الصحيح جواب المغيرة لعامل كسرى وفيه:" فأمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية"[10]، وحكى ابن قدامة رحمه الله تعالى الإجماع على جواز أخذ الجزية في الجملة[11].
وإذا تمحض أن الجزية عقد وجب النظر فيه من جهة أركانه وشروطه وآثاره المترتبة عليه ونحوه، ولسوف أبين القدر اللازم من ذلك كله مما له علاقة ببحثنا حتى يكتمل تصور أهل الذمة فنفرع عليه أحكامهم.

أولاً: من يجوز له عقد الذمة:
لقد تقدمت معنا آية الجزية وفيها ذكر أهل الكتاب، كما تقدم حديث المغيرة وهو يخاطب عامل كسرى وهم من المجوس، قال ابن حجر رحمه الله :"وفيه إخبار المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المجوس حتى يؤدوا الجزية"[12]، وفي الباب :" ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هَجَر)"[13]، ولقد نقل ابن رشد رحمه الله الإجماع على جواز أخذ الجزية من أهل الكتاب العجم وكذلك المجوس[14]، وقال ابن قدامة رحمه الله :"ولا تقبل الجزية إلا من يهودي أو نصراني أو مجوسي إذا كانوا مقيمين على ما عوهدوا عليه"[15]، وكذا حكى الإمام ابن قيم الجوزية اتفاق الفقهاء على أخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس وذكر اختلافهم في أخذها ممن سواهم من الكفار على قولين أحدهما الجواز لظاهر حديث بريدة عن أبيه قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه ..." وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:" ... فإن هم أبوا [ أي الإسلام] فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.."[16] قال الإمام النووي :" هذا مما يستدل به مالك والأوزاعي وموافقوهما في جواز أخذ الجزية من كل كافر عربياً كان أو عجمياً، كتابياً أو مجوسياً أو غيرهما"[17]، واستثنى أبوحنيفة عبدة الأوثان من العرب[18]، والثاني من الأقوال هو اختصاص أخذ الجزية بأهل الكتاب والمجوس ومن في حكمهم[19] وهو قول الشافعي رحمه الله وأبو ثور،وحكى هذه الأقوال ابن رشد في بداية المجتهد[20]، قلت: والراجح والله أعلم أن الجزية تقتصر على أهل الكتاب والمجوس والدليل على ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد توقف في أخذ الجزية من المجوس حتى سمع حديث عبد الرحمن بن عوف فلو كان المفهوم من ظاهر حديث بريدة جواز أخذ الجزية من عموم الكفار لما توقف رضي الله عنه في أخذ الجزية من المجوس لأنهم داخلون في عموم الكفار، فدل توقفه رضي الله عنه في ذلك على أن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا تخصيص آية الجزية لعموم الكفار، وأن ما سوى أهل الكتاب والمجوس يبقون على الأصل من الخيار بين الإسلام والقتال كما شهدت بذلك نصوص القرآن والسنة، والله تعالى أعلم. ثم إن نصوص الشريعة دالة على تخصيص أهل الكتاب بجملة من الأحكام، كما أن لتخصيص أهل الكتاب بالجزية حكمة في إبقاء حجة الله على عباده من جهة شهادة القوم على إرسال الله الرسل حيث قال الله تعالى:" وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"[21]، ولقد نبه على ذلك ابن قيم الجوزية وتكلم كلاماً نفيساً ذكر فيه أن ( ..هذه الحكمة تختص بأهل الكتاب دون عبدة الأوثان فبقاؤهم من أقوى الحجج على منكر النبوات والمعاد والتوحيد) ... (وهذه الحكمة منتفية في حق غيرهم فيجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله)[22].

ثانياً: من يحق له إبرام عقد الذمة:
اتفق الفقهاء على أن عقد الذمة لا ينعقد إلا من قبل الإمام أو من ينوب عنه، (لأن ذلك يتعلق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة، ولأن عقد الذمة عقد مؤبد فلم يجز أن يفتأت به على الإمام)[23] وحكى ابن قدامة عدم علمه بالخلاف في ذلك، وكذا قال الإمام الحجاوي: "ولا يعقدها إلا إمام أو نائبه"[24]، قلت: وفي حديث بريدة عند مسلم وحديث المغيرة عند البخاري وقد تقدم كلاهما ما يشير إلى ذلك حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمراء الجيش بعرض الجزية وعقدها ولم يجعله أمراً عاماً لكل أحد من المسلمين خلافاً للأمان الذي يعطيه أفراد المسلمين لأفراد الكفار، والفرق واضح بين الحالتين كما تقدم من جهة المصلحة العامة والمصلحة الخاصة والله تعالى أعلم.

ثالثاً: صيغة العقد:
وصيغة عقد الذمة (إما لفظ صريح يدل عليه مثل لفظ العهد والعقد على أسس معينة، وإما فعل يدل على قبول الجزية)[25] ، والأول ظاهر فيمن عقد له الإمام أو نائبه الذمة بالحرب، ومثال الثاني من يبلغ من صبيان أهل الذمة في دار الإسلام فتضرب عليه الجزية بالفعل.
وعقد الذمة عقد مؤبد، ويشترط لصحته شرطان هما :
1- التزام أهل الذمة إعطاء الجزية عن من تجب عليه في كل حول ( وهو كل ذكر بالغ عاقل حر مستطيع على تفصيل بين أهل العلم)
2- التزامهم أحكام الإسلام وذلك بقبول ما يحكم به عليهم من أداء حق أو ترك محرم.[26]

المطلب الثاني : ما يترتب على عقد الذمة:
عقد الذمة من العقود اللازمة للطرفين بحيث تترتب على كل طرف من أطراف العقد جملة من الالتزامات وهي :

أولاً : التزامات الإمام:

فإنه يلتزم باعطائهم الأمان ما داموا ملتزمين بما عليهم، ودليل ذلك من الكتاب آية الجزية المتقدمة حيث قال تعالى :" حتى يعطوا الجزية "[27] فجعل غاية قتالهم إذعانهم بالجزية، وكذلك من السنة حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم :" من قتل معاهداً لم يرُح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً"[28] قال ابن حجر رحمه الله: وفي لفظ النسائي من طريقه (من قتل قتيلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة) فقال من أهل الذمة ولم يقل معاهداً وهو بالمعنى"[29]، وقال ابن قدامة:" وإذا عقد الذمة [أي الإمام] فعليه حمايتهم من المسلمين وأهل الحرب وأهل الذمة لأنه التزم بالعهد حفظهم"[30]، وهذا مما اتفق عليه الفقهاء في الجملة[31].

ثانياً: أهل الذمة:

فيلتزمون بأحكام الإسلام فيهم وبما اتفقوا عليه من شروط جائزة في عقد الذمة، كما جاء في الشروط العمرية:" ...ضمنا لك ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكيننا، وإن نحن غيرنا أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا وقد حل لك منا ما حل لأهل المعاندة والشقاق"[32]، قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :" هذا اللفظ صريح في أنهم متى خالفوا شيئاً مما عوهدوا عليه انتقض عهدهم كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء"[33]، وهذا الالتزام ينفسخ بأحوال منها ظهور بطلان العقد أصلاً (كأن يدعي هؤلاء أنهم أهل كتاب ثم يتبين أنهم ليسوا كذلك)، ومنها إسلام الذمي أو تحوله عن دينه من اليهودية إلى النصرانية أو العكس أو أن ينتقض العهد بسبب من أسباب نقضه التي نتعرض لها في موضع لاحق إن شاء الله بعد استعراض أحكام أهل الذمة لأن في نواقض عهد الذمة إحالة على بعضها.

المبحث الثاني: أحكام أهل الذمة:
يمكن تقسيم أحكام أهل الذمة إلى ما يتعلق بحقوهم وما يتعلق بواجباتهم وما يتعلق بمعاملتهم وفيما يلي بيان ذلك.

المطلب الأول : حقوق أهل الذمة:

تقدم معنا أن عقد الذمة يترتب عليه التزام الإمام بأمانهم وأنه تثبت لهم جملة حقوق نبينها فيما يلي :
1- إذا أعطوا الجزية فإنه يحرم قتالهم وذلك لأن آية الجزية جعلت إعطاء الجزية غاية لقتالهم، فمتى بذلوها لم يجز قتالهم، يقول ابن قدامة رحمه الله في المغني:"إذا بذلوا الجزية لزم قبولها وحرم قتالهم لقول الله تعالى:" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله" إلى قوله تعالى "حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"[34]، ولقد تقدمت معنا النصوص الدالة على ذلك، وأحب أن أنبه في هذا المقام إلى أن حقن دماء الذميين ليس إقراراً منا لهم على دينهم وإنما هو فرصة لهم ليطلعوا على الإسلام ومجتمع الإسلام حيث يرجى بذلك إسلامهم، ولهذا كان قبول الجزية منهم على وجه فيه نوع إذلال وصغار ليُنبهوا بالصغار في الدنيا على ما ينتظرهم من ذل وصغار وعقوبة في الآخرة إذا ما هم ماتوا على كفرهم وضلالتهم.
2- جواز بقائهم في بلاد الإسلام وتقريرهم على ذلك باستثناء الأماكن التي لها أحكام خاصة تمنع من بقاء الكفار فيها كالحرم المكي والجزيرة العربية، والدليل على ذلك قوله تعالى:"يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء والله عليم حكيم"[35] ، ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لأخرجنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً"[36]، وللفقهاء أقوال في حدود الأرض التي يمنعون منها وفي حدود ما يسمح لهم بدخل هذه الأرض لغير الإقامة كتجارة ورسالة ونحوها ليس هذا مقام تفصيلها ولقد فصل القول فيها الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه القيم أحكام أهل الذمة.[37]
3- وجوب الكف عنهم وحمايتهم : لأنهم يصبحون جزءاً من الدولة الإسلامية ويتكفل المسلمون بأمنهم وحمايتهم ، قال ابن قدامة رحمه الله:" وإذا عقد الذمة فعليه حمايتهم من المسلمين وأهل الحرب وأهل الذمة لأنه التزم بالعهد بحفظهم، ولهذا قال علي رضي الله عنه: إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا، وقال عمر رضي الله عنه في وصيته للخليفة بعده: وأوصيه بأهل ذمة المسلمين خيراً أن يوفي لهم بعهدهم ويحاط من ورائهم"[38]، ولا ينسى التاريخ موقف أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه حين رد الجزية لأهل حمص لأنه خشي ألا يستطيع أن يحميهم وذلك قبل أن يستقر فتح بلاد الشام.
4- عدم التعرض لكنائسهم ولخمورهم ولخنازيرهم ما لم يُظهروها[39]، ولكن هذا القول ليس على إطلاقه لأن القول في الكنائس فيه تفصيل؛ فبالنسبة للكنائس الموجودة في الأمصار التي مصروها – أي الكتابيين – ثم فتحت عنوة فإن الصحيح عدم التعرض لها وهذا هو فعل الصحابة والخلفاء بدليل بقاء هذا الكنائس إلى يومنا هذا، وقد حكى ابن قدامة الإجماع على ذلك [40]، وأما إذا فتحت الأرض صلحاً فبحسب الاتفاق في الصلح، وأما الأمصار التي مصَّرها المسلمون كالبصرة والكوفة وبغداد فلا يجوز إحداث الكنائس فيها ولو وجدت وأُحدثت وجب هدمها حتى لو اختار الإمام أن يقر أهل الذمة فيها، فلو أقرهم مع الذمة (على أن يحدثوا فيها بِيعة أو كنيسة أو يظهروا فيها خمراً أو خنزيراً أو ناقوساً لم يجز، وإن شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان الشرط والعقد فاسداً ، وهو اتفاق من الأئمة لا يعلم بينهم فيه نزاع)[41] وهذه هي فتوى ابن عباس حيث روى عنه عكرمة قال : قال ابن عباس : "أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة ولا يضربوا فيه ناقوساً ولا يشربوا فيه خمراً ولا يتخذوا فيه خنزيراً" واحتج بهذا الإمام أحمد[42]، ويستثنى من هذا ما لو كانت هناك كنيسة قديمة في القرى ودخلت هذه القرى في بناء المصر الجديد كما في كنيسة الروم في بغداد فهذه كانت في قرى أهل الذمة فأقروا عليها.[43]

المطلب الثاني : واجبات أهل الذمة:

يترتب على عقد الذمة مجموعة من الواجبات التي يلتزم بها أهل الذمة ولا يجوز لهم مخالفتها، ولقد جاءت هذه الأحكام مستوفاة مفصلة في الشروط العمرية كما نقلها غير واحد من العلماء ونقلها ابن قيم الجوزية في كتابه النفيس أحكام أهل الذمة، ويمكننا تلخيص هذه الواجبات فيما يلي :
1- دفع الجزية: وهي تجب على كل رجل بالغ عاقل مرة في العام، (ولا جزية على صبي ولا زائل العقل ولا امرأة)[44] ، (ولا عبد ولا فقير يعجز عنها)[45]، ويمتهنون عند أخذها لقوله تعالى :"حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"[46]، قلت: ولا يعني ذلك الاعتداء عليهم ولا إيذائهم بضرب أو شتيمة، وإنما يراد به أن تكون حالهم وصفتهم عند إعطاء الجزية على وجه يستشعرون به الصغار كأن يجر من يده وأن لا تقبل منهم إذا أرسلوها بل لا بد من أن يأتوا ويقدموها بأنفسهم ويطال وقوفهم مثلاً أو نحو ذلك من الهيئات التي يستشعر بها هذا الهوان، والغاية من هذا تنبيههم بالصغار والهوان الحاصل في الدنيا لكفرهم على الذل والهوان الأعظم الحاصل في الآخرة إذا ما هم ماتوا على هذا الكفر، فهذا الصغار المفروض عليهم في الدنيا هو في حقيقته رحمة بهم. وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في مقدار الجزية وهل هي مقدرة بالنص أم عائدة إلى اجتهاد الإمام، فقد حكى ابن رشد عن مالك أن القدر الواجب هو ما فرضه عمر رضي الله عنه وذلك على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعون درهماً، وقال الشافعي : أقله محدود وهو دينار وأكثره غير محدود بحسب ما يصالحون عليه، وقال غيره كالثوري أنه مصروف إلى اجتهاد الإمام، وقال أبوحنيفة وأصحابه الجزية اثنا عشر درهما وأربعة وعشرون درهما وثمانية وأربعون، فلا ينقص الفقير من اثني عشر درهما ولا يزال الغني على ثمانية وأربعين درهماً، والوسط أربعة وعشرون، وأما أحمد فقال : دينار أو عدله[47]، قلت: فهذه خمسة أقوال في المسألة، وسبب الاختلاف في المسألة –كما قال ابن رشد – اختلاف الآثار في ذلك، وقد حكى الخلاف الإمام ابن قدامة في المغني أيضاً.
2- ضيافة المسلمين ثلاثة أيام إذا مروا عليهم: وقد جاء هذا منصوصاً عليه في الشروط العمرية حيث جاء :"... وأن نضيف كل مسلم عابر سبيل ثلاثة أيام ونطعمه من أوسط ما نجد"[48]، والشروط العمرية حجة لأنها سنة عمرية من ضمن السنن التي أمرنا أن نتمسك بها.
3- دفع عُشر ما يتجرون به في غير بلادهم التي يسكنونها[49]:قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :"ويؤخذ منهم العشر في جميع أموال التجارة "[50] ، ولا يكون التعشير إلا مرة في العام ، وللإمام أن يخفف عنهم العشر أو يضعه إذا كان للمسليمن حاجة بتجارتهم ليكثر على المسلمين. وللفقهاء أقوال وتفصيلات في مقدار ما يؤخذ وممن يؤخذ ليس هذا مقام تفصيله.
4- ألا يبنوا كنيسة ولا بيعة: قال الإمام الحجاوي :"ويمنعون من إحداث كنائس وبيع وبناء ما انهدم منها"[51] ولقد جاء في الشروط العمرية :" أنا شرطنا لك على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا كنيسة ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب من كنائسنا ولا ما كان منها في خطط المسلمين"[52]، قلت: والمعنى في عدم جواز تجديدها واضح وهو أن الله تعالى قد نهانا عن التعاون على الإثم والعداون، وليس كل ما جاز إقراراه استصحاباً جاز ابتداؤه، فإنه قد يجوز تبعاً ما لا يجوز أصلاً، هذا وقد تقدم الكلام على أحكام الكنائس بحسب الأمصار.
5- أن لا يظهروا شعائرهم بين المسلمين: أي شعائرهم الدينية كالصليب أو المباحات في دينهم المحرمة في ديننا كالخمر والخنزير، فلقد جاء في الشروط العمرية :"ولا نظهر عليها صليباً ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا في القراءة في كنائسنا فيما يحضره المسلمون، وألا نخرج صليباً ولا كتاباً في أسواق المسلمين وألا نخرج باعثواً – قال والباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى والفطر – ولا شعانين ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين وألا نجاورهم بالخنازير ولا ببيع الخمور ولا نظهر شركاً"[53]، قلت: وهذا هو مقتضى الصغار الذي وصف الله تعالى به حال أهل الذمة حين تضرب عليهم الجزية.
6- أن يتميزوا عن المسلمين ولا يتشبهوا بهم: بحيث يعرف أهل الذمة ويسهل تمييزهم عن المسلم وهذا ما جاء في الشروط العمرية حيث قالوا:" وأن نلزم زينا حيثما كنا، وألا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة أو عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا في مراكبهم ولا نتكلم بكلامهم ولا نتكنى بكناهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا ولا نفرق نواصينا، ونشد الزنانير على أوساطنا ولا ننقش خواتمنا بالعربية ولا نركب السروج"[54]، قلت: والأصل في هذا كله حديث النبي صلى الله عليه وسلم :"بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم"[55]، وقد ذكره البخاري من قوله :"وجعل رزقي تحت رمحي.." معلقاً بصيغة التمريض[56]، قال ابن قيم الجوزية:" فأهل الذمة أعظم خلافاً لأمره وأعصاه لقوله، فهم أهل أن يُذلوا بالتغيير عن زي المسلمين الذين أعزهم الله بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم من الذين عصوا الله ورسوله فأذلهم وصغّرهم وحقّرهم حتى تكون سمة الهوان عليهم فيعرفوا بزيهم"[57] ولقد روى الإمام أحمد في مسنده عن تميم الداري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر" وكان تميم الداري يقول :قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية"[58].
7- ألا يرتفعوا على المسلمين ببناء ولا بركوب : وهذا قريب في معناه من الواجب السابق، ولكن فيه معنى آخر من جهة عدم رفع بنيانهم على بنيان المسلمين غير منعهم من الاستعلاء المعنوي ألا وهو عدم تمكينهم من كشف عورات بيوت المسلمين لأنهم غير مؤتمين عليها. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:" فأما حكم أبنيتهم ودورهم فإن كانوا في محلة منفردة عن المسلمين لا يجاورهم فيها مسلم تركوا وما يبنونه كيف أرادوا، وإن جاوروا المسلمين لم يمكنوا من مطاولتهم في البناء سواء كان الجار ملاصقاً أو غير ملاصق بحي يطلق عليه اسم الجار قرُب أو بعُد." ثم قال :" وهذا المنع لحق الإسلام لا لحق الجار"[59]
8- ألا يؤذوا المسلمين ولا يضروهم في شيء: ومن ذلك غشهم وإيواء الجواسيس والإعانة عليهم، فقد جاء في الشروط العمرية:" وألا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل أو النهار، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً وألا نكتم غشاً للمسلمين .."[60]، ويدخل في الأذى والضرر الممنوع شتيمة المسلمين، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن يهودي قال : هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب يتعصبون علينا وكان قد خاصمه بعض المسلمين، فأجاب رحمه الله تعالى:" إذا كان أراد بشتمه طائفة معينة من المسلمين فإنه يعاقب على ذلك عقوبة تزجره وأمثاله عن مثل ذلك، وأما إن ظهر منه قصد العموم فإنه ينتقض عهده بذلك ويجب قتله"[61]، وعلى هذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وسلم في بني قينقاع حيث أجلاهم لما اعتدوا على المرأة المسلمة بكشف عورتها في سوقهم، وفي بني النضير لما تآمروا لقتله صلوات الله وسلامه عليه وفي بني قريظة لما ظاهروا الكفار على المسلمين يوم الأحزاب.
9- ألا يسبوا الله تعالى ولا أحداً من أنبيائه ولا يطعنوا في القرآن ولا في معتقد المسلمين ولا يتعرضوا للقرآن ولا للرسول صلى الله عليه وسلم بسوء: بل إن هذا مما ينتقض به عهده ويستباح به دمه كما نص على ذلك العلماء، والأصل في ذلك قوله تعالى:" وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون. ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين"[62]، قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:"فجعل همهم بإخراج الرسول موجباً لقتالهم لما فيه من الأذى له، ومعلوم قطعاً أن من سبه أعظم أذى له من مجرد إخراجه من بلده ولهذا عفا صلى الله عليه وسلم عام الفتح عن الذين هموا بإخراجه ولم يعف عمن سبه، فالذمي إذا أظهر سبه صلى الله عليه وسلم فقد نقض عهده وفعل ما هو أعظم من الهم بإخراج الرسول وبدأ بالأذى فيجب قتاله."[63]
10- ألا يمنعوا أحداً من من أقربائهم من الدخول في الإسلام: وقد جاء هذا منصوصاً عليه في الشروط العمرية حيث قالوا:" وألا نمنع أحداً من أقربائنا أرادوا الدخول في الإسلام"[64]، قلت: بل إن هذه هي الغاية من عقد الذمة أصلاً أعني أن يطلعوا على الإسلام فيدخلوا فيه فينجوا، فإذا أبحنا لبعضهم منع بعضهم الآخر من ذلك كان نقيض المقصود من العقد وهذا يكون كمن باع غيره ثم لم يمكنه من السلعة أو أجَّر غيره ثم لم يمكنه من الانتفاع فإن ذلك في غاية البطلان، فتأمل.
11- إجراء أحكام الإسلام عليهم في المعاملات والعقوبات الجنائية كتحريم الزنا[65]: ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم اليهودي واليهودية في الزنا، وفي الزاد :" ويلزم الإمام أخذهم بحكم الإسلام في النفس والمال والعرض وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه دون ما يعتقدون حله"[66]، فمثال الأول الزنا ومثال الثاني شرب الخمر،وذلك ما لم يترافعوا إلينا فإن ترافعوا إلى القاضي المسلم حكم بحكم الإسلام بغض النظر عن حل الفعل أو حرمته في دينهم.
هذه جملة موجزة حول أهم الواجبات التي على أهل الذمة الالتزام بها، وأود أن أنبه على أن لهذه الواجبات أصولاً في نصوص الشرع وأن منها ما هو اجتهاد وسنة عمرية أقره عليه الصحابة الكرام حتى صار إجماعاً، فضلاً عن أننا مأمورون باتباع هذه السنة كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه وفيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ"[67]، فلا يؤبه لقول المغرضين الذين يطعنون في حجية الشروط العمرية، قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:" وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم ، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها"[68]

المطلب الثالث : أحكام التعامل مع أهل الذمة:
وهذا باب مهم لما فيه من أحكام تتعلق بالتعامل اليومي مع هؤلاء ، ويمكن تقسيم هذه الأحكام باعتبار ما يتعلق بالعقيدة وما يتعلق بالمعاملات كما يلي:
أولاً: معاملة أهل الذمة فيما يتعلق بالعقيدة:
إن أهل الذمة كفار ويجب ألا يغفل مسلم أو يحتار في أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى كفار، والدليل على ذلك قوله تعالى:" لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم"[69]،وقوله تعالى:" لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"[70]، وقوله تعالى:" وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلَّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدنَّ كثيراً منهم ما أُنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً"[71]،وإن ما ورد في بعض آيات القرآن الكريم مما فيه مدح بعض أهل الكتاب كقوله تعالى :"لتجدنَّ أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى.."[72] هو في من آمن وأسلم منهم كعبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب الذين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلا يجوز أن يُقتطع مثل هذا النص من سياقه الكامل الذي يدل على أن الممدوح منهم من استجاب للحق وآمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كما تدل عليه بقية الآية والآية التي تليها حيث قال تعالى:" ..ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أُنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين"[73]. وإن ما تقدم من دخول أهل الذمة من أهل الكتاب في عموم الكفار لا يمنع أن يخصهم الله تعالى ببعض التشريعات ولذلك فإن أهل الذمة صنف خاص من الكفار باعتبار ما يختصون به من معاملات وأحكام فقهية لا أنهم ليسوا كفاراً. والدليل على ذلك ما تقدم من آيات صريحة في كفرهم وقوله صلى الله عليه وسلم :" والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهوديولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"[74] فدل على أنهم مع ما لهم من أحكام فقهية خاصة لا يزالون مخاطبين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأن من مات منهم على عقيدته من يهودية أو نصرانية فإنه في النار، قال الإمام النووي رحمه الله:" وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على من سواهما وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى"[75] وبناء على ذلك تتفرع الأحكام العقدية التالية:
1- وجوب البراء من أهل الذمة: إن عقيدة التوحيد عند كل مسلم تستلزم منه أن يتبرأ إلى الله تعالى من كفر اليهود والنصارى وأن يبغض ما هم عليه من كفر ويبغضهم لكفرهم بغضاً شرعياً لا بغضاً شخصياً لمجرد دواعي الهوى، أي أنك تبغضه لمجرد كفره لا لأنه حرمك أو ظلمك في مصالحك الشخصية، والدليل على وجوب ذلك قوله تعالى :" قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء "[76]، وقد بينت الآية الأخرى أن استثناء إبراهيم لأبيه كان لشبهة فلما زالت عاد إلى أصل البراءة من الكفار ، قال تعالى:" وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه فلما تبين أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم"[77]، فالبغض والعداء في الدين من أركان التوحيد، فلا يجتمع حب الله وحب عدو الله قال تعالى:" لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم "[78]، وهذا في حب الطاعة والتولي والإعجاب ولا يدخل فيه الحب الطبعي الجِبلّي – كحب الأم لأنها أم أو الابن لأنه ابن - فهذا مغتفر إن شاء الله لأنه غير مقدور للمرء تغييره ولأنه يدخل في باب التعامل بالمعروف دون المداهنة في الدين، كما قال تعالى في الأبوين المشركين:" وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً"[79].
2- وجوب تبليغ دعوة الإسلام إليهم: إن البغض والعداء الديني ليس مبرراً للعدوان والإجحاف بحقوق الناس، وأول حق لأهل الكتاب علينا هو تبليغ رسالة الإسلام، وإن الضابط والمعيار الصحيح لكون بغضهم في الله هو أن نحب لهم الهداية والخير كما نحبه لأنفسنا، وأن نحرص على أن ندلهم على الخير كما نحرص عليه لأحب الناس إلينا، قال تعالى:"قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون"[80]، وقال تعالى:" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون"[81]، ولقد جاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم :"والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"[82]، قال الإمام النووي رحمه الله :" ويضع الجزية فالصواب في معناه أنه لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلا الإسلام ومن بذل منهم الجزية لم يكف عنه بها بل لا يقبل إلا الإسلام أو القتل"[83]، قلت: فهذا صريح في أن ضرب الجزية وعقد الذمة ليس تقريراً لهم على الكفر وإنما قهرهم على النزول على حكم الله في الدنيا وتمكينهم من الدخول تحت مظلة حكم الإسلام فيطالعوا من أحوال المسلمين من يدفعهم للإيمان والنجاة من النار.
3- حرمة موالاتهم: إن لازم البغض والعداء في الله تحريم تولي أعداء الله، قال تعالى:" يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين"[84]، فمن تولى اليهودي فهو يهودي ومن تولى النصراني فهو نصراني، ومعنى التولي الحب والمودة والإعجاب والنصرة والمظاهرة – أي المساعدة – على المسلمين وحب الاقتداء بهم وحب رياستهم وفعل ذلك كله مما هو مبسوط في مقالات أهل العلم ومجمع عليه بينهم.
4- إن تهود النصراني أو العكس لم يقر[85]: والنكتة في ذلك أننا أعطيناه الذمة لبقاء الشبهة في قلبه على كون دينه صحيحاً فلما بدل دينه فكأنما (انتقل إلى دين باطل قد أقر ببطلانه أشبه المرتد)[86]، وعليه فإنه لا يقبل منه حينئذً إلا الإسلام أو دينه[87]
فخلاصة أحكام هؤلاء في مجال العقيدة إذاً هو اعتقاد كفرهم وبغضهم لذلك، واعتقاد توجه الدعوة إليهم وحب ذلك لهم، وتحريم توليهم ومداهنتهم في الدين، ووجوب التبرؤ منهم ومن كفرهم من أجل سلامة التوحيد في قلوبنا. ولقد استطردت قليلاً في بيان هذه المسألة لما نعاينه اليوم من تشويشها عند كثير من المسلمين الذين التبست عليهم نصوص الوفاء بعقد الذمة فظنوها إقراراً علىالكفر وقبولاً به بل إني سمعت بأذني من ينازع في كون أهل الكتاب وأهل الذمة كفاراً ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانياً: معاملة أهل الذمة في مجال المعاملات:
سوف أوجز في هذا المقام إن شاء الله جملة من أحكام التعامل مع أهل الذمة لا سيما فيما تدعو الحاجة إليه مما يخص التعامل مع الأفراد وما يواجهونه في حياتهم اليومية. والأصل في منهج التعامل معهم قوله تعالى:" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"[88]، وفيما يلي بيان هذه الأحكام:
1- التحية والسلام : الأصل في جواز التحية والسلام عموماً قوله تعالى:"وإذا حُييتم بتحية فحيُّوا بأحسن منها أو ردوها "[89]، ولكن هذا بالنسبة لأهل الذمة ينضبط بأمور منها ألا يكون المسلم مبادراً بالتحية والسلام[90] لا سيما على وجه التكريم والاحتفاء لقوله صلى الله عليه وسلم :" لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم فيطريق فاضطروه إلى أضيقه "[91] فالمقصود بالاضطرار إلى أضيق الطريق النهي عن التوسعة على وجه التكريم وليس المقصود أن تدفعه دفعاً وهذا يفسر لنا المقصود من عدم الابتداء بالسلام، فالنهي عنه أشد ما يكون إذا قُصد منه تكريمهم والحفاوة بهم. فإذا سلم الكتابي فيرُدّ عليه بالمثل فقط ولا يزيد، وإذا استخدم لفظ "السلام عليكم" أو " السلام عليكم ورحمة الله" فلا يخلو أن يكون قاصداً التحية فيرد عليه بالمثل أيضاً فتقول : وعليك السلام ، أو أن يكون مستهزئاً أو شاتماً فترد عليه بقولك : "وعليكم" فقط ( أي ما ذكرتم من الاستهزاء أو الشتيمة) بدليل قوله تعالى في طائفة من اليهود :" وإذا جاؤوك حيَّوك بما لم يحيِّك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير"[92]، وبدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم :" إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم. فقولوا: وعليكم"[93]
2- النداء والألقاب : لا يصح نداء وخطاب أهل الذمة بأي لفظ أو لقب يوحي بتعظيمهم، كقولك : يا سيدي أو يا سيدتي، أو نحو ذلك، بدليل قوله تعالى واصفاً المؤمنين الذين يحبون الله ويحبهم الله :" فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين"[94]، ولا يجوز إظهار أي نوع من الخضوع أو الانكسار في مخاطبتهم وندائهم لنفس الدليل، ويجوز إسناد ما لهم من ألقاب بين قومهم أو ألقاب علمية على سبيل حكاية الواقع لا على سبيل الإقرار لهم بعز ولا مكانة، بدليل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم : "من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم" فذكر عظمته نسبةً إلى قومه ولم يقل صلوات الله وسلامه عليه : إلى هرقل العظيم! وهذا أصل عام في منع كل ما يدل على تعظيمهم والخضوع لهم كما قال تعالى:" ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً"[95]. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله:" وأما أن يخاطَب بسيدنا ومولانا فحرام قطعاً"[96]
3- الأعياد : تحرم تهنئة أهل الذمة بأعيادهم والحرمة أشد في الأعياد الدينية مثل الكريسماس، وعيد الفصح وعيد بعض القديسين وعيد الشكر وغير ذلك ويحرم حضور الاحتفال بهذه الأعياد أو المشاركة فيها بالمال أو التحضير أو الزينة أو العون أو مجرد الحضور، والدليل قوله تعالى واصفاً عباد الرحمن :"والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً"[97]، ولحديث ثابت بن الضحاك قال :" نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحرإبلاً ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة. فقالالنبي صلى الله عليه وسلم:" هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟" قالوا : لا . قال:"هلكان فيها عيد من أعيادهم؟" قالوا : لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أَوف بنذرك فإنهلا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم "[98]. أما التهنئة بغير الأعياد والمناسبات الدينية أو المحرمة فلا بأس إن شاء الله بالتهنئة بالمناسبات الاجتماعية والإنسانية كولادة مولود أو ترقي في وظيفة أو قدوم من سفر إذا خلا من محذور وكان سبيلاً إلى تألفهم والتمهيد لدعوتهم إلى الحق، (ولكن ليحذر الوقوع مما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه)[99].
4- عيادة مريضهم : ويسلك في هذا المجال مسلك التفصيل؛ فتجوز عيادة مريضهم – أي زيارته – إذا كانت تألفاً لقلوبهم وإظهاراً لأخلاق الإسلام وسماحته دون مداهنة في الدين أو إقرار لهم على باطل، ولا شك أن الهدي الأكمل في ذلك يتمثل في دعوتهم إلى الإسلام صراحةً لا سيما في مرض الموت كما كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم فعن أنس رضي الله عنه قال :كان غلام يهودي يخدم النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فمرضفأتاه النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلىأبيه وهو عنده فقال له أطع ‏ ‏أبا القاسم ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأسلم فخرجالنبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو يقول : "الحمد لله الذي أنقذه من النار‏"[100]، فهذه الزيارة لمرضى أهل الذمة مشروعة بلا ريب، أما إذا كانت عيادتهم وزيارتهم من باب التزلف والتودد والحب لهم دون دعوة إلى الإسلام أو عزم على ذلك أو تألُّف قلوبهم تمهيداً لذلك فلا. وإذا أراد أن المرء أن يعرف تحقق ما تقدم في نفسه فلينظر إلى من يعزم عيادته من مرضى أهل الكتاب؛ فإن كان يهوى عيادة المرضى مِن علية القوم ورؤساء العمل وذوي الجاهة والمنصب ويعزف عن المساكين والبسطاء منهم فليعلم أن هذا ما هو إلا لحظ النفس ولا خير فيه البتة، وأما إذا كان منصب وجاه المريض عنده سيان وكان يعوده دون نظر إلى مصلحة دنيوية مع خلو القلب من الإعجاب بهم والركون إلى كفرهم فلا بأس إن شاء الله على أن يقتصر على القدر الكافي لتحقيق ما تقدم. ثم ليُعلم أنه إن كان يزور ويعود مرضى أهل الكتاب وليس لمرضى المسلمين من عيادته نصيب أنه ليس على شيء، لأنه لو كان متبعاً للشرع في عيادة أهل الكتاب لكان لعيادة المسلمين أشد حباً والتزاماً، والله تعالى أعلم.
5- تعزيتهم وحضور جنائزهم : قال الله تعالى :" ولا تُصلِّ على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون"[101]، فتحرم المشاركة في الصلاة على الميت الكافر أو المشاركة في أي من طقوسهم وشعائرهم الدينية في الجنائز والدفن، وللمسلم أن يواري قريبه الكافر ما لم يتضمن ذلك محظوراً كشهود أي من المحرمات أو ممارسة طقوس وشعائر غير شرعية، أما مجرد تعزية الكافر من أهل الكتاب بوفاة أحدٍ له فيراعى فيه ما تقدم من ضوابط عيادة مرضاهم، فقد نقل ابن قيم الجوزية قول الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله كيف يعزى النصراني ؟ قال : لا أدري ، ولم يعزه. وقال حرب: حدثنا إسحق حدثنا مسلم بن قتيبة حدثنا كثير بن أبان عن غالب قال : قال الحسن : إذا عزيت الذمي فقل : لا يصيبك إلا خير"[102] قلت: كأنه يدعو له بالهداية إلى الإسلام، والله تعالى أعلم.
6- أكل طعامهم : يحل للمسلم أكل طعام وذبائح أهل الكتاب مما هو جائز لنا مثله – كالبقر والدجاج ونحوه – ويحرم كل ما هو حرام في ديننا – كالخنزير والخمر – والدليل قوله تعالى:" وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌ لكم وطعامكم حِلٌ لهم"[103]، ويُشترط أن تذبح وتذكى ذكاةً صحيحة ولا حاجة للسؤال عن ذلك إذا كان غالب وظاهر حالهم أنهم يذبحون ذبحاً صحيحاً، ويُشترط أيضاً ألا يكون ذُبح لمناسبة دينية أو لعيد أو في كنائسهم وبِيَعهم على أنصابهم، لقوله تعالى :" إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهلَّ به لغير الله "[104]، ويستوي في تحريم هذا النوع ما كان ذبيحة وغيره كطعام أُعد لمناسبة دينية كالذي يسمونه عيد الفصح أو الكريسماس فيحرم الأكل منه.
7- مناكحتهم : يحرم على المسلمة أن تتزوج من كتابي يهودي أو نصراني ولا يحل لها أن تنكح غير المسلم، بدليل قوله تعالى :" ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا "[105]وهذا عموم غير مُخصَّص، أما المسلم فيجوز له الزواج من كتابية يهودية أو نصرانية بشرط العفة والإحصان على الصحيح إن شاء الله بدليل قوله تعالى:" والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان"[106]، وهذا مما تختلف فيه الكتابية عن الكافرة غير الكتابية التي يحرم على المسلم الزواج منها.
8- البيع والشراء : الأصل في المعاملات الحل، فلا بأس في البيع والشراء من الكتابي ما لم يكن شيئاً محرماً – كلحم خنزير أو خمر أو إنجيل محرف – أو يُفضي إلى محرم كبيعهم السلاح في وقت الفتنة بحيث قد يستعملونه ضد المسلمين ، والدليل على ذلك عموم قوله تعالى :"وأحل الله البيع "[107]، فلا يستثنى إلا ما دل الشرع على استثنائه أو تحريمه كما بينا فلا يجوز بيعهم الخمر أو الخنزير أو شراؤه منهم ولا يجوز بيع الصلبان والتماثيل لهم ولا بطاقات أعيادهم ولا يجوز بيع أو شراء منهم إذا أدى إلى حرام.
9- مداهنتهم وارتكاب المحرمات إرضاءً لهم : وهو حرام إذ أن ارتكاب المحرمات في حد ذاته مصيبة لما فيه من مخالفة أمر الله تعالى وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن أن يرتكب المحرم إرضاءً وتزلفاً وتودداً لأهل الكتاب ورغبة في الظهور بمظهر المتحرر والمتحضر وأنه غير متعصب ولا متذمت وأنه متفتح على الحضارة وما إلى ذلك من سفه ومروق فإنه الطامة الكبرى ، بل إنه مورد الشرك – شرك الطاعة – والعياذ بالله ، بدليل قوله تعالى:" ولا تأكلوا مما لم يُذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون"[108]
10- لا يُعان الذمي على أي قول أو فعل منكر سواء أكان من جهة العقيدة أو العبادات أو المحرمات، وذلك بدليل النهي العام عن ذلك حيث قال تعالى:" ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"[109]، ومن أمثلة ذلك معاونتهم على إقامة شعائرهم الدينية وتوصيلهم بالسيارة لذلك وإبداء المشورة في ذلك والسماح لهم بإظهار معالم كفرهم – كالصلبان وغيرها – بين المسلمين ، وتوزيع كتبهم ومنشوراتهم وأشرطتهم أو دعوتهم لإلقاء محاضرات عن دينهم وإرشادهم إلى أماكن المجون والفجور والخمور، أو تمكينهم من أي وضع يفتنون به عامة المسلمين في دينهم وغير ذلك مما يصعب حصره.
11- لا يستخدم الذمي في شيء من ولايات المسلمين ولا يؤخذ بأقوال أهل الكتاب في الأمور الدينية : فقد نهى عمر رضي الله عنه عن استخدام أهل الذمة في ولايات وأمور المسلمين العامة[110]، وهذا متفرع على عدم توليهم من جهة وعلى عدم تمكينهم من غش المسلمين لأنهم غير مؤتمنين على الدين، فعلى سبيل المثال لا يترخص المريض مثلاً في شيء من الرخص الدينية – كالإفطار أو التيمم أو عدم القيام في الصلاة – لمجرد رأي طبيب من أهل الكتاب إذا وُجد الطبيب المسلم الحاذق في مهنته ، لأن أهل الكتاب لا يؤتمنون على الدين، وهم ليسوا بعدول ، وقد اشترط الله تعالى العدالة في الشهود وفيمن يؤخذ برأيهم وأقوالهم في أمور الدين بدليل قوله تعالى:" يحكم به ذوا عدلٍ منكم"[111]، أما إذا عدم الطبيب المسلم الحاذق وخشي المريض على نفسه الضرر فيعمل برأي الأمثل ( أي أقرب أهل المهنة إلى الصدق والعدل لتعذر غيره ) وعليه أن يحتاط لدينه قدر الإمكان ويستشير أهل العلم والله تعالى أعلم.
وبعد، فهذه طائفة من أحكام التعامل مع الذميين ولم أستوفها في الحقيقة إذ لا يزال هناك كلام في التوارث وحقوق الزوجين ومسائل آثرت الاكتفاء بما تقدم منها خشية الإطالة، وأنبه على أن إن المسلم قد يستثقل بعض ما ذكرت، ولكن لو تذكر معنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه عز وجل قال : قال الله : "كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً ، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفئاً أحد"[112] ثم لو سأل أحدنا نفسه: لو أن أحداً شتمك أو شتم والديك فهل كنت تتحفظ في شيء من هذه الضوابط لحظةً واحدة؟ فلا يكن حظ الله تعالى منك ومن نفسك أقل من حظ نفسك وأمك وأبيك، والإسلام لا يدعونا لظلم أحد ولا الجور على أحد، وإنما هي المعاملة بالمثل وتقديم حق الله على حظ النفس والهوى، فتأمل.
المبحث الثالث: نواقض عقد الذمة:
تقدم معنا أن الذمة عقد فيه طرفان وصيغة، وتقدم معنا أنه تترتب على هذا العقد جملة من الالتزامات على الطرفين، وأرى أنه من المهم في خاتمة هذا البحث أن نعرج ولو بالتعداد على نواقض هذا العقد، وفيما يلي ذكرها موجزة:
1- امتناع الذمي عن بذل الجزية
2- امتناع الذمي عن التزام أحكام الإسلام وعن جريان أحكامنا عليه إذا حكم بها حاكم.
3- الاجتماع على قتال المسلمين.
4- التعدي على مسلمة بالزنا ولو باسم النكاح
5- فتنة المسلم عن دينه والترويج لدين الذمي.
6- قطع الطريق على المسلمين
7- إيواء الذمي للجاسوس المشرك
8- معاونة المشركين على المسلمين بكشف عوراتهم ومواطن ضعفهم وغيره.
9- ذكر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو كتابه أو دينه بطن أو سوء أو شتم أو انتقاص، وقد تقدم بيانه.[113]
ولا يلزم من انتقاض عهد ذمي لواحد أو أكثر مما سبق أن ينتقض عهد أهله لأن النقض وجد منه فلا يتحمل تبعته غيره، ويحل قتاله ودمه وماله إذا ما انتقض عهده[114]، وهي نواقض لا يعني نقضها إلا شيئاً واحداً إلا وهو العداء للإسلام.
الخاتمة:
هذا ما تيسر لي بفضل الله تعالى من عرض لأهم أحكام أهل الذمة،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ذات النطاقين
مشرف عام
مشرف عام
ذات النطاقين


تاريخ التسجيل : 03/06/2010

الوجيز فى أحكام أهل الذمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز فى أحكام أهل الذمة   الوجيز فى أحكام أهل الذمة Emptyالسبت يوليو 17, 2010 2:45 pm

جعله الله فى ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابراهيم عيسى
إدارة عامة
إدارة عامة
ابراهيم عيسى


تاريخ التسجيل : 18/03/2010

الوجيز فى أحكام أهل الذمة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الوجيز فى أحكام أهل الذمة   الوجيز فى أحكام أهل الذمة Emptyالسبت يوليو 17, 2010 4:41 pm

الوجيز فى أحكام أهل الذمة 2007-01-22-02_44_1919
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الوجيز فى أحكام أهل الذمة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عقد الذمة
» أحكام القرآن
» أهم أحكام التعزية في الشريعة
» أحكام التجويد والحكم
» أحكام الأضحية ومشروعيتها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الفوائد المتبادلة 2010 :: اسلاميات :: الدعوة و التوعية-
انتقل الى: