للقلوب ثلاثة أقسام
من أهم الأمور معرفتها و هي :
القسم الأول : القلب السليم
وهو أشرفها وخيرها ، وهو الذي لا نجاة إلا به
كما قال تعالى ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتى الله بقلب سليم )
قال ابن القيم : هو الذي سلم من كل شبة تخالف خبره ومن كل شهوة تعارض أمره
فسلم من عبودية ما سواه وسلم من تحكيم غير رسوله صلى الله عليه وسلم
فأخلص عبوديته لله تعالى إرادة ومحبة وتوكلا وإنابة وخشية ورجاء ،
وخلص عمله لله ، فإن أحب أحب لله ، وإن أبغض أبغض لله ، وإن أعطى أعطى لله ،
وإن منع منع لله ، ثم أسلم قياده للشرع الحنيف ، حكما وتحكيما ،
فلا يفتر عن ذكره ، ولا يسأم من خدمته .
وهو بهذا يحصل سعادته التامة ، فلا نعيم للقلب ولا سرور إلا في رضا ربه ومولاه ،
فذكره قوته ومحبته غذاؤه والشوق إليه حياته والرجوع إليه دواؤه .
قال ابن القيم : في القلب فاقة لا يسدها شيئ سوى الله ، وفيه شعث لا يلمه إلا الإقبال عليه ،
وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له .
**
علامة القلب السليم :
للقلب السليم علامات ولحياته دلالات ومن أهمها :
1/ ينتفع بالتذكير ، فالقلوب الصادئة كمثل صفوان عليه تراب أصابه وابل فتركه صلدا
لا ينتفع بموعظة ولا يتأثر من آية ولا يتحرك من حديث قال تعالى ( لينذر من كان حيا ) أي بقلبه حياة .
ولذا جاء وصف القران لأصحاب القلوب الشفافة ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا )
وإنما انتفعوا بالوحي لأنهم أعظم الناس إيمانا به كما قال تعالى ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )
2/ أنه يشتاق للعبادة ويحن إليها بينما أهل القسوة يضيقون بها ذرعا
كما قال تعالى ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى )
أما هم فحالهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ( ورجل قلبه معلق بالمساجد ) متفق عليه .
3/ سروره في الصلاة والسر في ذلك ؛ لأن حقيقة الصلاة صلة القلب بالرب ،
ولا أحب لهذا القلب من الله ، فوقت اتصاله بمحبوبه ألذ أوقاته وأسعدها
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وجعلت قرة عيني في الصلاة ) أخرجه أحمد
وعنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ( أرحنا بها يا بلال ) وكان إذا أهمه صلى الله عليه وسلم أمر فزع إلى الصلاة أخرجه أبو داود .
4/ التفكر المقرون بالتذكر ، فالكون كتاب منظور يقرأ سليم القلب في كل سطر من سطوره
وحرف من حروفه عظمة الخالق وحكمته وقدرته ورحمته
قال تعالى ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي اللباب )
وقال ( قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون )
**
القسم الثاني : القلب المريض
فهذا القلب له حياة ، وبه علة ، وفيه من الإيمان بالله ومحبته والإخلاص له والتوكل عليه ،
ولكن فيه من حبه للشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر
والعجب وحب العلو والرياسة ، فهو ممتحن بين داعيين داع يدعوه إلى الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة ، وداع يدعوه إلى الدار العاجلة ،
وهو إنما يجيب أقربهما منه بابا ، وأدناهما جوارا .
في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى يصير على قلبين ، قلب أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض ، والآخر أسود مربد كالكوز مجخيا ، لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ) .
**
القسم الثالث : القلب الميت
الذي لا حياة فيه ، إذ هو يسير مع شهواته وملذاته ، بل هو واقف معها ،
ولو كان فيها سخط الله وغضبه ، فهو متعبد لغير ربه حبا وخوفا ورجاء ورضا وسخطا ،
إن أحب أحب لهواه ، وإن أبغض أبغض لهواه ، وإن أعطى أعطى لهواه ،
وإن منع منع لهواه ، فالهوى إمامه ، والشهوة قائده ، والجهل سائقه ، والغفلة مركبه ،
فهو في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور ، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور ،
الدنيا تسخطه وترضيه ، والهوى يصمه عما سوى الباطل ويعميه ،
فهو للدنيا كما قيل في ليلى :
عدو لمن عادت وسلم لأهلها ومن قربته ليلى أحب وأقربا
**
علامة فارقة في طب القلوب
وههنا علامة فارقة وحد فاصل بين هذه الأقسام لمن تدبره يشير إليه ابن القيم فيقول :
كلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الدار الآخرة وقرب منها حتى يصير من أهلها ،
وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها حتى يصير من أهلها ..
ياصاحب الذنب لاتأمن فتنة الذنب وعاقبة الذنب، ولتتبعك الذنب أعظم من الذنب إذا عملته:
وقلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال ،وأنت على الذنب أعظم من الذنب
، وضحكك وأنت لم تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب
،وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب
وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب
،وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب