* * * *
بسم الله الرحمن الرحيم
فكـذلك إذا
أخي الكريم .. أدعوك دعوًة صادقة، مليئة بالحب، مفعمة بالشفقة، خالصة القصد لئلا تقع في براثن السوء، ومستنقع الرذيلة، وهاوية الفاحشة.
دعوة: لك أنت ليبقى وجهك مضيئًا، وضيئًا لم تطفئ الفاحشة نوره([1]).
أحذرك لتبقى شريفًا عفيفًا طيب السيرة، لتبقى حرًا لم يتدنس عرضك بالمعصية.
حديثًا صادقًا: إلي روحك التي رضيت باستسلامها لله وحده سبحانه وتعالى وعدم انقيادها للهوى والشيطان، إلى نفسك المليئة بالخير والصلاح والعطاء والشمم.
إلى جوارحك التي ترفعها لله والتي ستشهد لك أو عليك في ذلك اليوم الرهيب: }حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{[فصلت: 20]، }يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا{[المزمل: 17].
إلى عقلك الواعي قبل أن تغتاله نشوةُ اللذة، وحمأة الخطيئة، وسلطان المعصية.
إنني أخاطب فيك كل أحاسيسك .. وأنت المسلم الذي يخشى ربه، ويخاف عقابه، ويعلم أن الله مطلع عليه في كل لحظة من لحظات حياته، وأن الله يراه ويسمعه، ويعلم ما يجول في خاطره فهو سبحانه: }يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ{[غافر: 19]. إلى شهامتك ومروءتك وحيائك، أهدي إليك هذه الكلمات.
المؤلف
* * * *
تحذيرات
أخي الحبيب: قال الله تعالى محذرًا من هذا السبيل القذر الموبوء: }وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا{[الإسراء: 32]، ووصف المؤمنين الصادقين المتقين بقوله: }وَلَا يَزْنُونَ{[الفرقان: 68]، وبقوله: }وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ{، وكان العهد الذي بايع عليه الرسول r النساء: }وَلَا يَزْنِينَ{[الممتحنة: 12]، وأخبر عليه الصلاة والسلام بأنه ليلة أسري به رأى أناسًا يوقد عليهم في التنور وأخبر بأنهم «الزناة والزواني».
وبعد: فلا إخالك إلا رجلاً عاقلاً امتلأ قلبك خوفًا من الله فآثرت مرضاة الله جل وعلا ورسوله r على ما في نفسك من شهوة، وآثرت حب الله على حب الزنا والفاحشة وتركت ذلك الأمر خوفًا من الله سبحانه وتعالى، فأبشر .. فـ «فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه»([2])، وقال عليه الصلاة والسلام: «إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير منه»([3]).
قال الشاعر:
أخي: إن عقلت عنك عيون البشر
فلن يغفل عن رب البشر
وقال آخر:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة
والنفس داعية إلي الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يراني
واسمع يا أخي كيف تنجي الأعمال الصالحة لمن تركها لله سبحانه وتعالي في قصة الثلاثة الذين آووا إلي الغار وانطبقت عليهم الصخرة؛ في حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلي غار، فدخلوه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم..» الحديث، وفيه: «فقال الثاني: اللهم كانت لي ابنة عم، وكانت أحب الناس إلي»، وفي رواية: «كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها ...» وفي رواية: «فلما قعدتُ بين رجليها قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فانصرفتُ عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة ...» الحديث، وفي آخر الحديث أنهم خرجوا يمشون بعد أن انزاحت عنهم الصخرة.
فانظر – يا رعاك الله – كيف أنقذهم الله بسبب ترك أحدهم الفاحشة – بعد أن حصل عليها وتمكن منها – ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى وخوفًا منه؟
* * * *
مواقف
أخي الفاضل.. ربما يدور في نفسك سؤال وأنت تشاهد ما يثيرك من هذه، أو يغريك من تلك، وتشرع أن نار الهوى تتأجج في نفسك وتدفعك إلي الفاحشة دفعًا فتقول: ما العمل؟ .. فنقول:
أولاً: تذكر مراقبة الله لك، واطلاعه عليك، ورعايته لك، وقدرته عليك، وأنه يفعل ما يريد، }إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{[مريم: 35]، ولا تخفى عليه خافية.
ثانيًا: من يضمن لك حياتك حتى تنتهي من هذه الفاحشة؟ قد يفاجئك الموت وأنت تمارس هذه الخطيئة، ويأتي من يراك على هذه الحال ثم ينقل الحدث لتكون فضيحة في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم القيامة.
ثالثًا: عليك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فهو الذي أوقعك في هذا السبيل القذر والطريق السيئ، ثم تغض بصرك وتتذكر ما أعده الله لك في الجنة من الحور العين: }كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ{[الصافات: 49]، }كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ{[الرحمن: 58]، }فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ{[الرحمن: 56].
رابعًا: لتكن همتك همة الرجال الذي يرفعون أنفسهم عما يدنس أعراضهم وسيرتهم وشيمهم حتى لا تتذكر يومًا ما أنك قد سودت صحيفتك بهذا الفجور، قال ابن أبي حازم رحمه الله:
وإني ليثنيني عن الجهل والخنا
وشتم ذوي القربى خلائق أربع
حياء وإسلام وتقوى وإنني
كريم ومثلي قد يضر وينفع
خامسًا: تذكر أنك مسلم.. وما يصيب المسلمين من سوء أو أذًي فأنت مسؤول عنه، وينبغي عليك أن تدافع عن أعراض إخوانك المسلمين، فكلهم إخوانك أو على الأقل أنت مسلم ترفض أن تمارس الفاحشة في أسواق وبلاد المسلمين، فأنت تملك حارسًا ذاتيًا يقظًا يردعك.
سادٍسًا: تذكر العاقبة السيئة لهذا العمل، فربما تحرص على هذا ويأتي من يدنس الطهارة في بيتك وكما يقال: «أسرع دين يقضى دين الزنا»، وفي المثل: «من دق أبواب الناس دقوا بابه»، وأيضًا: قول الشافعي رحمة الله تعالي عليه:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم
وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته
كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يَزني يُزني به ولو بجداره
إن كنت يا هذا لبيبًا فافهم
سابعًا: تذكر انتشار الأمراض المستعصية بسبب العلاقة غير الشرعية والتي لم يتوصل إلي علاج يقضي عليها مثل: الإيدز والهربس والزهري والسيلان وغيرها – أجلَّك الله-، وربما يقول البعض: فلان يمارس العلاقة غير الشرعية ولم يصب بشيء مما تقولون .. ما يدريك؟!.
لقد ذكر أحد الدعاة: أن رجلاً حدثه أن شابًا مارس هذه العادة وأصيب بأمراض حول قبله وأخذ يصيح ويئن حتى مات.
بل ربما دفعك الفضول للمرور من أمام باب عيادة الأمراض التناسلية فتجد شخصًا تعرفه جيدًا يأخذ الممر جيئة وذهابًا في خطوات سريعة انتظارًا لدوره في الدخول على الطبيب، وعندما تسأله: خيرًا إن شاء الله .. يجيبك بأن الدكتور صديق له ويريد زيارته فقط، وإلا فهو – ولله الحمد – بخير ويتمتع بصحة جيدة، وتكشف لك الأيام أن هذا الرجل جاء ليعالج مرضًا خطيرًا من تلك الأمراض السابقة، ولو تتبعنا الإحصاءات لوجدنا أمرًا عجبًا، فقد بلغ عدد الذين يحملون فيروس «الإيدز» أكثر من 34 مليون إنسان ([4])، ولا توجد دولة في العالم خالية من هذا المرض.
وأذكر لك بعض القصص التي راح أصحابها ضحية لمرض الإيدز جراء العلاقات غير الشرعية:
1- شاب جامعي في ربيع العمر – 21 سنة – تم إقناعه من قبل زملائه في الدراسة بالسفر إلى إحدى دول شرق آسيا في رحلة صيفية، وفي إطار الترف واللعب والترفيه والتسلية عرض على هذا الشاب فعل الفاحشة، وتم إقناعه بعملها وعاد المسكين ولم يعلم أنه عاد ومعه ذلك المرض الخبيث «الإيدز»، وأصبح يصاب بإرهاق متكرر وتعب عام وإسهال متكرر، وعندما تم فحصه وجد أنه مصاب بذلك المرض، وأصيب بالتهابات رئوية وجرثومية حتى أصبح في السنتين الأخيرتين من عمره يقضيها في المستشفي أكثر من قضائها في البيت، وأصبح هزيلاً تعبًا قد أنهكه المرض إلى أن توفي – رحمه الله -، وكان يقول ويكرر أسفه للأطباء على حماقته وعلى تصرفه الذي ارتكبه من التصرفات الخبيثة ([5]).
2- شاب بعد أن أتم دراسته الثانوية فذهب إلى الولايات الأمريكية لإكمال تعليمه وحصل على الشهادة هناك ثم عاد وحصل على وظيفة مرموقة وتزوج، فكان يعيش في سعادة، وبعد مرور أربع سنوات على الزواج شعرت الزوجة بالتعب والإرهاق وتكرر الالتهاب الرئوية، فتم إدخالها إلى المستشفى، وبعد فحصها تبين إصابتها بفيروس «الإيدز»، واستدعى الفريق الطبي الزوج لفحصه فتبين إصابته بـ «الإيدز»، وقام بالاعتراف لأحد الأطباء بارتكابه بعض الممارسات الجنسية أثناء دراسته في الخارج، وقد كان الزوج شديد التأثر بما جرى له ولزوجته، وكان تأثره لما حصل لزوجته أشد، حيث كان لا يعلم بأنه مصاب، ولو كان يعلم ذلك لما تزوجها، فهي لا ذنب لها، ومع مرور الوقت ازدادت حالة الزوجة سوءًا فتعرضت لأورام ليمفاوية سرطانية نتيجة نقص المناعة، وتوفيت متأثرة بمرضها، وحزن عليها زوجها الذي لم يلبث إلا عدة أشهر حتى لحق بها – رحمهما الله - ([6]).
3- رجل أعمال في الستين من عمره متزوج وله أولاد وكان يسافر في فترات متفاوتة في السنة لدول عربية ودول شرق آسيا، وقد حول هذا الرجل إلي المستشفى لاشتباه وجود ورم في بطنه، وبعد الفحوصات اكتشف أنه مصاب بمرض الدرن «السل» وفي نفس الوقت عمل له فحوصات لفيروس الإيدز فوجد أنه مصاب به، وبعد عدة أسئلة قال إنه له ممارسات جنسية أثناء سفره، ومع الأسف فقد انتقل هذا المرض لزوجته ولابنته المولودة مؤخرًا، واستغرق المريض مدة سنتين منذ تشخيصه إلي أن توفاه الله – نسأل الله له الرحمة - ([7]).
ثامنًا: إن حب الحرام من صفات النفوس الضعيفة، أو قل: النفوس التي انطوت على السوء، وتربت على المنكرات والسيئات، فهي نفوس لا تقيم وزنًا للقيم ولا للدين والخلق والمثل العليا، بل منغمسة في وحل الإثم العدوان، وأما النفوس الطيبة الواعية فإنها تبحث عن الحلال وحب الخير، فهي نفوس شريفة فاضلة تعشق المعالي من الأمور والطيب من القول والعمل.
تاسعًا: هل فكرت أخي المسلم كم ستدوم هذه اللذة؟ إنها لا تدوم أكثر من دقائق فقط، ثم تعقبها حسرة وندامة وتفريط في جنب الله جل وعلا، وبحث آخر عن شهوة محرمة بين نفس أمارة بالسوء، وشيطان يزين الإثم والفحشاء، فهلا تركت لذة دقائق لتفوز بلذة قريبة إن شاء الله، وربما يعطيك الله في الدنيا ما هو خير لك من الحرام }لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ{[ق: 35]. أي: في الجنة.
عاشرًا: لست بالأول ولا بالآخر؛ فهل ترضى أن ترد ماء ولغ فيه الصحيح والسقيم، الخبيث والأخبث، اللقيط والزنيم، السيئ والأسوأ؟!
* * * *
الحد والعقوبة
أنت تعلم – يا رعاك الله – أن جريمة الزنا هي أشد أنواع الحدود في الشريعة عقوبة، إنها – حماك الله – رجم بالحجارة حتى الموت ليتأثر كل جزء في البدن، فكما تلذذ جميع البدن بهذه الفاحشة فإن العقوبة تكون كذلك: «فالجزاء من جنس العمل»، رجمًا بالحجارة: فواحدة تقع في الرأس، والأخرى في العين، والثالثة في الدماغ، والرابعة في الظهر، وهكذا .. هذا بالنسبة للمحصن الذي سبق أن تزوج حتى وإن كان قد طلق زوجته أو ماتت، أما إذا كان شابًا لم يسبق له الزواج فإنه يُجلد أمام الناس مائة جلدة لأنه زان، ويغرب عن بلده سنة كاملة لعل أحواله تصلح ولا يعود لتلك الفاحشة مرة أخرى.. هذا كله في الدنيا؛ أما في الآخرة فإن النبي r ليلة أسري به قال: «فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارًا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عُراة، فقلت: من هذا؟...» وفي آخر الحديث أخبره جبريل بقوله: «والذي رأيته في الثقب فهم الزناة»([8])، وغيرها من الأحاديث..
* * * *
أحداث مؤلمة
القصة الأولي: حدثني صاحبي أنه جاءه زميل له يحمل في يده مظروفًا، وعرض عليه مشكلة ذلك المظروف الذي وصفه بأنه يحمل المعاناة! ويحمل الهم! ويحمل العار أيضًا! فتح المظروف وأخرج منه صورة وناولني إياها، يقول صاحبي: أمسكت بالصورة بين يدي وقلت: هل هذا أخوك؟ بل ولقرب الشبه كأنه هو لولا فارق العمر، فهز رأسه بالرفض، قلت له: ابن أخيك، ابن عمك؟ فكان يجيب وملامح الألم تبدو في تقاسيم وجهه، ودمعة سقطت فانتفضت من الداخل، وفهمت أن في الأمر شيئًا لم يخرج حتى الآن، اعتدلت وسألته: إذن من هو، فأنا أعلم أنك لم تتزوج، وإلا قلت أنه ولدك؟ أشاح بوجهه ومسح عينيه التي انسابت منها الدموع ثم قال: هنا المصيبة، هنا الألم، هنا الجرح الذي لا يمكن أن يندمل مدى الحياة، هنا المعاناة والعناء.. قلت: قف! فلا بد أن هناك حديثًا لم يبث بعد. قال: نعم! ثم صمت فترة قال بعدها: سافرت إلى الخارج بحثًا عن المتعة مع بعض أصدقاء الرذيلة ووصلنا إلى هناك فوجدنا ما كنا نريد من عبث ولهو وفسق، غرقنا في ذلك المستنقع الوحل، ثم عدنا بعد أن قضينا ما كنا نظن أنه متعه، ومرت الشهور وإذا المظروف يصلني ومعه هذه الرسالة تبين فيها قصة هذه الصورة، ولعلك تلاحظ الشبه بيني وبين صاحب هذه الصورة، فهل أجد لديك الحل؟ قال صاحبي: فما مني إلا أن ضربت بكفي على جبيني ودارت في ذاكرتي صور مفزعة وتولدت منها أسئلة كثيرة: ما هو مصير هذا الطفل؟ لمن ينتسب هذا الوالد؟ عندما يعلم أن الشرع يمنع أن ينتسب ابن الزنا.. كيف تكون حياته عندما يعلم عن هذه الحادثة بعد أن يكبر ويصبح رجلاً يبحث عن انتماء؟. ماذا لو وضعت هذه النطفة في حلال ثم جاءه مثل هذا الولد الكثير الشبه به، وأصبح ابنًا بارًا يخدمه في حياته ويدعو له بعد مماته؟.
أسئلة متعددة دارت خلال ثوان، ثم التفتُ إليه وقلت له: بما أن وجود هذا الولد جاء نتيجة لممارسة خاطئة فليس لك فيه أي علاقة ولا نسب ولا يجوز أن تنسبه إليك وكأنه لم يكن، ولا تُمت له بعلاقة .. طأطأ رأسه وأخفى غصة تصعد وتهبط في حلقه .. ثم أدار لي ظهره وتركني..
القصة الثانية: أورد أحد الدعاة هذه الحادثة قائلاً: كان هناك شباب يسافرون إلي بلاد مملوءة بالمتع الحرام، وفي سفرة من سفراتهم تعرف أحدهم على فتاة واستمرت العلاقة حتى سافر إلى بلده، وبعد فترة رجع هذا الشاب مرة أخرى إلى ذلك البلد وطلب أن تستقبله تلك الفتاة في المطار، وانتظرها، ولكنها لم تحضر، وأحضروا إليه غيرها، لكنه لم يقبل، وبعد بحث طويل عنها طلبوا منها أن تحضر إلى المطار، أو إلى مكان آخر لأجل هذا الشاب وبعد إقناع حضرت وما أن رآها هذا الشاب حتى هوى إلي الأرض ساجدًا، وكانت منيته إذ قضى نحبه وهو على ذلك السجود فمات مرتدًا، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا من أثر غلبه الهوى والعشق وحب الفجور..
القصة الثالثة: يرويها أحد الكتاب كما في كتاب «عدالة السماء» بأن رجلاً أرسل ابنه إلى بلد للتجارة وأمره أن يحفظ نفسه حتى يُصان أهله وشدد في ذلك، وكان يوجد لديهم ساق للماء منذ ثلاثين يحضر لهم الماء، ولم يعلموا عنه إلا كل خير، وذات يوم وأثناء سفر الابن قبل الساقي ابنة صاحب البيت وهرب، ولم يعد إليهم ثانية، وأخبرت البنت أباها، فأظلمت الدنيا في عينيه وانتظر حتى يحضر ولده، وعندما حضر لم يسأله عن الربح ولا عن المال بل سأله ماذا فعل من أفعال؟ فأنكر الابن في البداية ثم اعترف أنه قبل امرأة، فقال له والده: دقة بدقة، وإن زدت زاد السقا...
القصة الرابعة: يخبرني رجل كبير السن وقد أحيل على التقاعد بأنه في صغره اطلع فجأة فإذا رجل يريد أن يقبل امرأة وهي تمانع، يقول صاحبي: فوالله إنها لم تغرب شمس ذلك اليوم حتى رأيتُ رجلاً يقبل امرأته وهي راضية .. ولولا الإطالة وأمور أخرى لذكرنا المزيد من تلك القصص ولكن الحر تكفيه الإشارة..
وتعلو النفوس بحياة القلوب
* * * *
العلاج
أخي الكريم.. تعال معي نبحث سويًّا عن العلاج الحاسم – إن شاء الله – لعل الله أن يعصمني وإياك من الزلل والخطأ:
أولاً: اللجوء إلي الله جل جلاله، وسؤاله أن يعصمك من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يطهر قلبك، ويحصن فرجك، ويغفر ذنبك.
ثانيًا: عليك بالصوم فإنه وجاء وعلاج طيب للشهوة، والحمد لله للصيام فوائد دينية وفوائد دنيوية يعرفها من جربها، وصفه لنا حبيبنا محمد r.
ثالثًا: غض البصر، وهو عنصر أساسي؛ لأن البصر النافذة التي تطل على القلب، وهي الوسيلة التي تنقل، وهي القنطرة التي تعبر منها الإثارة والشهوة، وهي حزام الأمان أو مفتاح من مفاتيح الشر، وأنت المؤمن المخاطب بقوله عز وجل: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ{[النور: 30].
رابعًا: الزواج لمن يقدر على ذلك، إما التعدد لمن كان متزوجًا، أو الزواج للشاب غير المتزوج.
خامسًا: الابتعاد عن البيئات التي تثير النفوس لاقتراف الإثم من أسواق ومنتديات ومحطات ونوادي ومجالس وغيرها مما يكون التواجد فيها يشكل ضررًا على الإنسان في دينه وسيرته وأخلاقه.
سادسًا: عدم مصاحبة الأشرار وأهل النفوس الضعيفة الذين لا يقيمون للأخلاق والشرف والغيرة والمروءة وزنًا ولا بالاً، وما أكثرهم، وعدم الاستماع إلي حيلهم وزخرفهم من القول، وتحسين القبيح من فجور وخنا، واقتراف معاص، وتزيين الباطل، وتقبيح الحسن من طاعة وعمل صالح وحفظ الجوارح.. إلخ.
سابعًا: عدم السفر إلى البلاد التي تغشى فيها الكبائر علانية، أو يسمح بممارسة المنكرات فيها.
ثامنًا: الابتعاد عما يقرب من هذه الجرائم كالاستماع إلى ما يثير الغرائز من ألحان وكلمات وصور.
تاسعًا: المحافظة على الأذكار في الصباح والمساء ودوام ذكر الله في كل وقت وحين، فإنها من العواصم بإذن الله وهي حصن حصين وسد منيع.
عاشرًا: كثرة قراءة القرآن واستماع الأشرطة وحضور مجالس الذكر، ومجالسة الصالحين.
* * * *
بشري
أخي الكريم.. استمع لهذا الحديث فإن فيه بشري أوردها البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح تحت عنوان (باب فضل من ترك الفواحش): عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..» وذكر منهم: «شاب نشأ في عبادة الله»، وذكر: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلي نفسها قال: إني أخاف الله» ([9])، كما أن رسول الله r تكفل لمن حفظ نفسه عن هذا المستنقع الآسن أن يضمن له الجنة فعن سهل ابن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال النبي r: «من توكل لي ما بين رجليه وما بين لحييه توكلت له الجنة» ومعني: «توكل» تكفل وحفظ كما في رواية أخرى، وفي لفظ للبخاري عنه قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما رجليه أضمن له الجنة».
وختامًا: إليك هذه الوصية الربانية في قوله تعالي: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{[التحريم: 8].
هذه سطور كتبتها لك على عجل جهدتُ أن تكون نابعة من قلب صادق، لعلها تجد قلبًا مليئًا بالتقوى والخوف من الله فتدخله ويكون ثمرتها الابتعاد عن كل ما يشين النفس ويسقطها:
صن النفس واحملها علي ما يزينها
تعش سالمًا والقولُ فيكَ جميل
أسأل الله أن يبيض وجهي ووجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه... وأن يعصمنا وإياكم من معاصيه، إنه جواد كريم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.