أهدي هذا المجهود الذي خطته أناملي.. إلى كل وجه حزين في الدنيا.. إلى كل عين ذرفت دموع القهر.. إلى كل مظلوم.. مستهان بحقه.. إلى كل كف ربتت على رأس يتيم.. وكل إصبع مسح دمعة جريح.. وكل لسان نطق بكلمة تشفي قليل قلب أم ثكلى..
آلاء
أخي الحبيب.. أكرهك!
ولدت وتركت بيتي الصغير.. تركت رحم أمي.. فبكيت على تركة.. لكن لا جدوى من البكاء.. فأنا أبكي ومن حولي يضحك.. يهللون ويكبرون فرحا بي.. أما أنا الطفل الرضيع أبكي بحرقة.. ترعرعت في بيت دافئ.. أم حنون.. أب مثقف.. أخ.. أخ!.. ماذا اصف أخي الأكبر.. أخي الذي سلب مني كل شيء من صغري وحتى كبرت.. سلب حب أمي.. تأيد أبي المستمر.. أعجاب الجميع به وبذكائه.. رغم أنه لم يكن ذكيا جدا.. كما أنني لم أكن غبيا أيضا.. كان الكل يقارن بيننا.. والكل يصدقه ويكذبني.. أذكر منذ سنوات عندما أحضر والدي لنا الألعاب.. كان يخبئ ألعابه.. ومن حبي له.. أو بمعنى اصح من غبائي.. كنت ادعه يلعب معي حتى تتلف لعبي.. فيخرج لعبة ولا يدعني ألعب.. ويبكي.. ويقول لأبي.. فيرمقني بنظرة.. ويقول: (( لماذا لا تكون كأخاك وتحافظ على ألعابك؟ )).. كنت أحاول أن أرد.. ولكن ابتسامة أخي المنتصرة كانت تخرسني.. ذلك شيء طبيعي بين أي طفلين أخوين.. كبرت وكبرت المأساة معي.. دخلت المدرسة.. والأساتذة يتعجبون عندما يعرفون أننا أشقاء.. وإلى الآن لا اعرف لماذا؟.. كنت أبذل قصار جهدي في الاستذكار.. ولكن درجاتي متوسطة.. أما أخي الذي لا يكلف على نفسه أكثر من المرور الكريم على الكتب.. كان من الأوائل دائما.. غبطته بشدة.. تمنيت لو أن الحظ يباع لاشتريته!.. لا أنكر أننا كنا نحب بعضنا كثيرا.. وكنا كشخص واحد.. لكن ما لفائدة؟.. فإعجاب الجميع ومدحهم له.. زرع في نفسي نقصا وخجلا لا يليق بذكر.. كبرنا وكبرت المسافة بيننا.. تباعدنا لاختلاف الميول والأفكار.. فرحت له كثيرا.. عندما عرفت أنه سيسافر لاكتساب اللغة في الخارج.. وبعد شهرين عاد.. وعلى شرفه أقام أبي حفلة استقبال.. الأضواء مسلطة عليه.. أما أنا منعزل في أحدى زوايا الفندق.. وبعد عام أي لما صار عمري في عمر أخي عندما سافر للخارج.. ذهبت لأبي .. أخبرته برغبتي في السفر.. رمقني بنظرة.. قال لي: (( عزيزي أنت لا تحسن التصرف لوحدك.....)).. جررت قدماي إلى داخل الغرفة.. فلا أريد أن اجرح أكثر.. غرقت وسادتي بالدموع تلك الليلة.. زاد اهتمامهم بأخي عندما أصبح في الثانوية العامة.. وبالطبع كانت العلاقة عكسية.. فاهتمامهم به يزيد.. ويقل اهتمامهم بي.. رضيت بنصيبي.. تأقلمت على الوضع.. كل شيء له فقط.. مرت السنة سريعا.. أصبحت في الثانوية العامة.. اكذب إن قلت أنهم لم يهتموا بي.. لا لقد اهتموا بي كثيرا.. ولكن قلوبهم منشغلة بأخي الذي يدرس بالخارج.. تخرجت من الثانوية بنسبة ممتازة جدا.. أهلتني لدخول الجامعة ودراسة الطب البشري.. فرحت لوحدي.. لأن لا أحد أعجبه أن ادرس داخل المملكة.. يريدونني كأخي.. ولكني صرخت يومها: (( لا.. يكفي عليكم أخي أفخروا به كما شئتم.. أما أنا.. لا )).. كانت المرة الأولى التي اصرخ بها في وجة أبي.. مما أدى إلى كبر المسافة بيننا.. لكن لن أتراجع أبدا.. فأنا اعرف نفسي أكثر منهم.. لا أستطيع العيش بعيدا عن محبوبتي.. نعم محبوبتي.. أحببت سارة بكل معنى الكلمة.. هي من كانت تسمعني.. تفهمني.. أحببت من بنيت معها بيوتا من الرمل.. أحببت مرحها.. حبها للحياة.. كانت تحب ما أحب.. وتكره ما اكره.. قد تكون صدفه.. ولكن ما أجملها من صدفه.. فرحت كثيرا عندما اختارت الطب لتدرسه.. كنت أخجل من أن أصارحها بحبي.. الكل يعرف بعلاقتنا البريئة.. أمي.. أبي.. أمها.. أباها.. لم يعارض أحد.. لا أعرف لماذا؟.. بالرغم من أن عاداتنا لا تسمح بذلك.. حتى ولو كنت أبن خالها.. كانت أطهر علاقة.. لكني لا أعرف إن كانت تحبني أو لا.. سمعت أمي تقول لأمها يوما: (( أنهم كالأخوة )).. أخوة!.. رنت هذه الكلمة في أذني.. هل يعقل أنها وجدت فيني الأخ المناسب؟.. الأستاذ المناسب؟.. أعدت في ثواني شريط مكالماتنا.. لا يوجد شيء يدل على أنها تحبني..تتصل بي لتسألني عن أحدى الدروس.. كانت بسيطة.. عادية.. جريئة.. هذا ما أحببني بها.. قطع علي حبل تفكيري صوت أمي وهي تقول: (( حمدا لله على سلامتك يا ولدي.. )).. نعم لقد عاد أخي من البعثة الدراسية.. نظرت إليه بنظرة فاحصة.. كان وسيما جدا.. عانقني بقوه.. نثر دمعه على كتفي.. وقال: (( لقد اشتقت لك يا أخي )).. سألت نفسي وقتها.. هل اشتقت له؟.. كان الجواب.. لا.. لقد ارتحت منه لمدة ست سنوات.. من التفرقة.. من غروره.. أما هو فقد اشتاق لي!.. لماذا؟.. هل يحبني؟.. نعم أنه يحبني.. لمحت ذلك في عينية الغارقتين بالدموع عندما قال: (( أتذكر عندما أحطم ألعابك ولا أدعك تلعب بألعابي؟ لقد كنا صغار )).. وأخذنا نتسامر حتى منتصف الليل.. لم يترك شيئا إلا واحضره لي.. لقد أحسست كم هو رائع.. سمعت أبي يقول لأحد أصدقائه يوما: (( لا لدي ولدان )).. يا لسخرية الأقدار.. لم أتعجب أبدا.. لان والدي لا يتحدث إلا عن أخي.. عن تفوقه.. وشهادته.. أما أنا لاشيء.. رغم أنني طبيب يشهد له بالبنان.. دخلت يوما البيت.. فقالت لي أمي بفرح: (( عقبى لك يا ولدي، لقد وافقت سارة ابنة عمتك على أخيك زوجا لها )).. دارت بي الدنيا وقتها.. اقترب أخي مني وقال لي: (( أليس هناك ؟، فبعد اشهر سأتزوج التي أحببتها وأحببتني دوما )).. أحبته؟.. هل كانت تحبه إذا؟.. حتى أنت يا سارة؟.. فضلت أخي علي.. سمعت صوت هاتفي الخلوي.. نظرت إليه لأرى من المتصل.. تعجبت عندما وجدت أسم- محبوبتي سارة-.. ماذا تريد؟..حاولت أخفاء نبرة الحزن في صوتي..سمعت صوتها الأنثوي الناعم وهي تقول: (( أهلا.. أهلا يا حماي العزيز، ففي الغد كنت أخي وأستاذي واليوم حماي )).. أخي.. نعم صدق ما قالته أمي..سألتها: (( أتحبينه؟ )).. جاوبتني: (( أكثر من نفسي )).. رميت الهاتف من يدي.. تذكرت قطعة الشوكولاتة التي يأخذها أخي من يدي.. مفتاح السيارة التي يسحبه أيضا من يدي ليقود بدلا عني.. والنقود الذي يمد يده إلى جيبي ليأخذها على أساس أنها دين.. واليوم يسلب مني محبوبتي.. من أحببتها في طفولتي.. مراهقتي.. شبابي. عندما تنتهون من قرأت هذه الأسطر.. سأكون تحت التراب.. نعم .. ميت.. مت بعد أن أصابني مرض أودى بحياتي.. فلم أستطع العيش أكثر من ست شهور وأنا أفكر بحبي الوحيد.. حبي المسلوب.. وأحب أن أقول شيئا لم أتشجع على قوله في حياتي: سارة.. احبك من أخمص قدمي حتى رأسي. أبي.. أمي.. سامحكما الله. أخي الحبيب.. أكرهك!.
أتمنى من صميم القلب أن تنال هذه الأسطر إعجابكم تقبلوا خالص الأمنيات مني أنا