ذات النطاقين مشرف عام
تاريخ التسجيل : 03/06/2010
| موضوع: من اجلك بنى ........................... الإثنين يونيو 21, 2010 2:00 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
يجب على كل أبٍ ومربٍ أن يتيقن تمام اليقين أن كل ما يعمله من عمل صالح أو غيره سيبقى أثره أول ما يبقى في أولاده وذريته , ولقد أرشدنا إلى ذلك المولى الكريم في كتابه أننا إذا ما أصابنا القلق والخوف على أودنا من بعدنا فما علينا إلا أن نخلص العمل ونحسن التقوى والمراقبة وأن لا نفعل ولا نقول إلا ما يرضى الله تعالى , قال سبحانه :" وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (9) سورة النساء . كما ذكر لنا القرآن الكريم طرفاً من قصة العبد الصالح مع نبي الله موسى عليه السلام حينما نزلا إلى قرية وطلبا من أهلها الضيافة , لكن أهل القرية كانوا بخلاء أشحاء فضنوا عليهما حتى بشربة ماء , ومع هذا حينما وجد العبد الصالح جداراً أوشك على السقوط شمر عن ساعد الجد وقابل البخل بالكرم والمعروف وأعاد بناء هذا الجدار , ولما سئل في ذلك قال بأن الجدار كان لغلامين يتيمين في المدينة وأن هناك كنزاً تحت هذا الجدار , وأن أبويهما صالحان , فأبقى الله تعالى أثر صلاح الوالدين في أولادهما , قال سبحانه : " "وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82) سورة الكهف . قال الرازي : " كان ذلك الجدار مشرفاً على السقوط ولو سقط لضاع ذلك الكنز فأراد الله إبقاء ذلك الكنز على ذينك اليتيمين رعاية لحقهما ورعاية لحق صلاح أبيهما فأمرني بإقامة ذلك الجدار رعاية لهذه المصالح. تفسير الرازي 10/343. قال ابن كثير : "وقوله: { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم. تفسير ابن كثير 5/185. كان الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عندما يصلي من الليل، وابنه الصغير نائم بجواره، ينظر إليه قائلاً: من أجلك يا بني! ويتلو وهو يبكي قوله تعالى "وكان أبوهما صالحاً " . وحكي أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود باع دارًا بثمانين ألف درهم فقيل له: اتخذ لولدك من هذا المال ذخرًا. فقال: أنا أجعل هذا المال ذخرًا لي عند الله عز وجل، وأجعل الله ذخرًا لولدي، وتصدق بها. فالأب حينما يترك الصلاة ويتكاسل عنها أمام أولاده يعطيهم رسالة غير مباشرة بأن الصلاة والعبادة ليست من الأهمية بمكان في حياتهم , وحينما يكذب أمامهم يتعلمون منه أن الكذب ليس كبيرة من الكبائر , فالابن يقلد أباه في كل ما يقول وفي كل ما يفعل , وقديماً قال الشاعر :
مَشَى الطاووسُ يومًا باعْوجاجٍ * * * فقلّدَ شكلَ مشيتهِ بنوهُ فقالَ: علامَ تختالونَ؟ فقالوا: * * * بدأْتَ به ونحنُ مقلِدوهُ فخالِفْ سيركَ المعوجَّ واعدلْ* * * فإنا إن عدلْتَ مُعَدِّلُوه أمَا تدري أبانا كلُّ فرعٍ* * * يجاري بالخُطى من أدّبوه؟ وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا* * * على ما كان عوَّدَه أبوه
فالتربية بالقدوة لها أثرها الكبير في إصلاح الولد أو إفساده روى أبو نعيم في الحلية قال : أدخل الشافعي يوما إلى بعض حجر هارون الرشيد ليستأذن على أمير المؤمنين ومعه سراج الخادم فأقعده عند أبي عبدالصمد مؤدب أولاد الرشيد فقال سراج للشافعي يا أبا عبدالله هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهو مؤدبهم فلو أوصيته بهم فأقبل الشافعي على أبي عبدالصمد فقال له ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك فان أعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تركته علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه ولا تتركهم منه فيهجروه ثم روهم من الشعر أعفه ومن الحديث أشرفه ولا تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يحكموه فان ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم . حلية الأولياء 9/147. ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والنموذج الأسمى في القدوة الصالحة للناس تصديقاً لقول الله تعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) سورة الأحزاب . وطبق ذلك عملياً لأصحابه فحينما فرغ صلى الله عليه وسلم من قضية كتابة صلح الحديبية قال لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا"، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا. وروى الإمام البخاري عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب رضي الله عنهما بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. فلقد كانت العرب تكره البنات فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغير هذه النظرة السيئة إلى البنات بالتربية العملية، فحمل ابنة ابنته رضي الله عنهما على عاتقه الشريفة أثناء الصلاة. وهكذا المربي يجب أن يكون قدوة ونموذجاً عملياً في الاستقامة والصلاح لكل من حوله وبخاصة أبناءه وتلاميذه . | |
|