ابراهيم عيسى إدارة عامة
تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: المحن ليست مقصودة لذاتها الثلاثاء يوليو 06, 2010 4:32 pm | |
| رؤية من الداخل المحن ليست مقصودة لذاتها؛ فما أغنى الله سبحانه عن تعذيب خلقه، و لكن كم هي الفوائد و التربية التي حصلتها الأمة أفراداً و جماعات إلى يومنا هذا، تلك التي تجعل للابتلاء قيمة و مغزى يدركه المؤمن جيداً حال تعرضه له!! و هذا لا يعني قطعاً أن يتمنى المرء الابتلاء أو يسعى إليه حتى يثبت لنفسه مدى قوته و صدق قناعته في جانبٍ ما. و قد نهانا الرسول -صلى الله عليه و سلم- عن تمني لقاء العدو؛ فهو فتنة كبيرة لا يدري المرء حينها هل سيقوى على مواجهة هذه الفتنة و الثبات عندها أم لا، و لذا ورد الدعاء بسؤال المولى –سبحانه- العفو و العافية في الدنيا و الآخرة. و الصحابة -رضي الله عنهم و أرضاهم- حين نتوقف عند أعمالهم و نتأملها، و نستلهم منها العبر و المواعظ لا ننسى أنهم في النهاية بشر غير معصومين، و هذا لا يمس بحال كونهم أفضل القرون، و أننا لن نبلغ أعمالهم و لا صدقهم، و لكن حين يأتي النقد بأيدينا لا بأيدي آخرين، لعمل أحدهم، فهو للعمل لذاته و ليس لشخص الصحابي الذي له عندنا أجل التقدير و الاحترام. و النقد للعمل إنما يأتي بناء على قواعد أرساها لنا الرسول -صلى الله عليه و سلم- و ليس لهوى أو وجهة نظر بدت لنا، و في ذلك قطع للطريق لمحاولات غير محمودة و لا متجردة و لا موضوعية حين تتصيد مثل هذه الوقائع، متسللة عبر بوابة النقد، و لا نجني من ورائها سوى انتقاص للإسلام و تشويه لصورته و حقيقته. لذا فلعل موقف عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- حين عد عيشه آمناً مطمئناً في جوار الوليد بن المغيرة، في حين يلقى أصحابه و أهل دينه من البلاء و الأذى ما يلقون، أن هذا نقص كبير في نفسه؛ فرد جوار الوليد بن المغيرة علناً، و دخل في جدال مع شاعر من شعراء قريش و هو لبيد بن ربيعة حتى اشتد النقاش بينهما، فقام رجل من كفار قريش فلطم عين عثمان فاخضرّت، و كان الوليد بن المغيرة قريباً يرى ما بلغ من عثمان، فقال الوليد له: "أما والله يا ابن أخي إن عينك لغنية عما أصابها، و لقد كنت في ذمة منيعة"!! فقال عثمان: "و الله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله، و إني لفي جوار من هو أعز منك و أقدر يا أبا عبد شمس، وعرض عليه الوليد الجوار مرة أخرى فرفض رضي الله عنه". قد يكون هذا الموقف لشدة و قوة و جدها في نفسه و رغبة مخلصة صادقة لمشاركة أصحابه إحساسهم بالألم، لكن لا يمكن تعميم هذا النموذج و الخروج به من كونه حالة خاصة ليصبح مثلاً يُحتذى؛ فالمسلم لا يسعى للابتلاء و لا يتمناه، و لكن إن كُتِبَ عليه فعليه أن يصبر و يحتسب. و أي صحابي لن يكون اتقى لله و لا أشد ورعاً من الرسول صلى الله عليه و سلم، و الذي عند عودته من الطائف طلب الجوار من الأخنس بن شريق، إلاّ أنه كان في حِلف مع قريش، و حفظ العهود من شيم الرجال، فيطلبه من سهيل بن عمرو، و لكنه أخبر أن بني عامر لا تجير على بني عدي، فكان جوار مطعم بن عدي و ولده الذين تهيؤوا بالسلاح لحماية الحبيب صلى الله عليه و سلم و هو يصلي عند الركن. و كذلك صدّيق هذه الأمة و الذي يعدل إيمانه نصف إيمان هذه الأمة، أبو بكر -رضي الله عنه و أرضاه- لم يردّ جوار ابن الدغنة ذلك الرجل الجاهلي الذي أجار أبا بكر عندما أخرجه قومه و أراد الهجرة إلى الحبشة، فلم يرض أن يخرج أبو بكر من مكة، و عدّ هذا عاراً على العرب. و حين يأتي النقد لفعل عثمان -رضي الله عنه- لا لشخصه الكريم لا يكون هذا رداً لما ما ورد في البخاري حول الرؤية التي رأتها إحدى النساء لعثمان أن له عيناً تجري، فجاءت رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فأخبرته، فقال: ذلك عمله، وعمله يشمل الكثير؛ من دخوله في الإسلام و صبره على أذى قومه بني جمح له، و كان أشدهم عليه أمية بن خلف، و استجابته للرسول -صلى الله عليه و سلم- بالهجرة إلى الحبشة، رضي الله عنه. تاريخ أمتنا بحاجة إلى نقد هادف بنّاء، و تمحيص بأيدي علماء مخلصين صادقين، لا بأيدي مستشرقين و لا مستغربين! | |
|