ذات النطاقين مشرف عام
تاريخ التسجيل : 03/06/2010
| موضوع: تابع................ شهـــــــــــــــــادات وردود الجمعة يوليو 09, 2010 12:55 am | |
| شبهة أن الرسول يقر العبودية والرق
العبودية قبل بعثة الرسول يُثير البعض شبهة أن رسول اللهيُرَغِّبْ في مِلْكِ اليمين، وقد أقرَّ رسول الله عندما سمح لجنوده باسترقاق مَنْ يُؤْسَرَ في الحرب.
والحقيقة التي لا جدال فيها أنَّ رسول الله يُعْتَبَر المحرِّر الأوَّل للعبيد؛ وقبل الحديث عن جهد الرسول في تحرير العبيد لا بُدَّ أن نعرف مدى ترسخ هذا الأمر في الجزيرة العربية وفي العالم قبل مبعث رسول الله، لنعلم أنه لم يكن من الممكن أبدًا أن يصدر رسول الله قانونًا مفاجئًا يمنع به شيئًا انتشر لهذه الدرجة ولعدة قرون.
ففي الجزيرة العربية: ما فَتِئَت الحرب تشتعل بين حين وآخر بين القبائل العربية بدافع العصبية والقَبَليَّة، ومما لا شَكّ فيه أنّه كان لهذه الحروب المستمرَّة نتائج وَبِيلَة على الفريق المنهزم؛ وذلك لما يترتّب على الهزيمة من سبي النساء والذريَّة والرجال إن قُدِر عليهم، وقد يتم قتلهم، أو استرقاقهم وبيعهم عبيدًا، ولم يكن هناك ما يُسَمَّى بالمنِّ عليهم أو إطلاق سراحهم دون مقابل، وكانت الحروب تمثل أَحَدَ الروافد الأساسيَّة لتجارة العبيد التي كانت إحدى دعامات الاقتصاد في الجزيرة العربية.
أمَّا الدولة الرومانية فلم يكن العبيد فيها بأفضل حال لدرجة أن الفيلسوف أفلاطون نفسه صاحب فكرة المدينة الفاضلة كان يرى أنه يجب ألا يُعطَى العبيدُ حقَّ المواطنة.
أما الدولة الفارسية فكان المجتمع مقسمًا إلى سبع طبقات أدناهم عامة الشعب، وهم أكثر من 90% من مجموع سكان فارس، ومنهم العمال والفلاحين والجنود والعبيد، وهؤلاء ليس لهم حقوق بالمرة، لدرجة أنهم كانوا يربطون في المعارك بالسلاسل؛ كما فعلوا في موقعة الأُبلَّة[1] أولى المواقع الإسلامية في فارس بقيادة خالد بن الوليد.
خطوات الرسول نحو إلغاء العبودية
هكذا كانت مشكلة العبودية قبل الإسلام، وعندما جاء رسول اللهبرسالة الإسلام الخاتمة وضع مبدأين مهمَّيْن لإلغاء العبوديَّة والرقِّ، هما: تضييق الروافد التي كانت تمدُّه وتُغَذِّيه وتضمن له البقاء، وتوسيع المنافذ التي تؤدِّي إلى العتق والتحرُّر.
وكانت سيرة رسول الله خير تطبيق لهذين المبدأين؛ حيث بدأ رسول الله حثَّ المجتمع الإسلامي الناشئ على تحرير العبيد واعدًا إيَّاهم بالجزاء العظيم في الآخرة، فعن أبي هريرةعن رسول الله أنه قال: "مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنَ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ"[2].
كما حثَّ رسول الله على عتق العبيد تكفيرًا عن أي ذنب يأتيه الإنسان؛ وذلك للعمل على تحرير أكبر عدد ممكن منهم، فالذنوب لا تنقطع، وكل ابن آدم خطَّاء، فيقول: "أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ؛ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فَكَاكَهُ مِنَ النَّارِ؛ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فَكَاكَهَا مِنَ النَّارِ؛ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهَا"[3]. وكان الرسولالقدوة في ذلك؛ حين أعتق مَنْ عنده من العبيد.
وصايا رسول الله بالعبيد
بل وكانت وصاياه الإنسانيَّة بالعبيد مِفتاحًا من مفاتيح تأهيل المجتمع لتقَبُّل تحريرهم وعتقهم، فحضَّ رسول الله أوَّلاً على المعاملة الحسنة لهم، حتى لو كان ذلك في الألفاظ والتعبيرات، فترى الرسول يقول: "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي. كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلاَمِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي"[4]. بل وأوجب الرسولإطعامهم وإلباسهم من نفس طعام ولباس أهل البيت، وألاَّ يُكَلَّفوا ما لا يطيقون، فيَرْوِي جابرُ بن عبد الله فيقول: كان النبييوصي بالمملوكين خيرًا، ويقول: "أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِنْ لَبُوسِكُمْ، وَلا تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللهِ "[5]. وغير ذلك من الحقوق التي جَعَلَتْ من العبد كائنًا إنسانيًّا له كرامة لا يجوز الاعتداء عليها.
ثم ترتقي وصاياه لتنقل المجتمع إلى مرحلة التحرُّر الواقعي، فجعلعقوبة تعذيبهم وضربهم العتق والتحرُّر، فيُرْوَى أن عبد الله بن عمر كان قد ضرب غلامًا له، فدعاه فرأى بظهره أثرًا، فقال له: أوجعتُك؟ قال: لا. قال: فأنت عتيق. قال: ثمَّ أخذ شيئًا من الأرض، فقال: ما لي فيه من الأجر ما يزن هذا، إنِّي سمعتُ رسول اللهيقول: "مَنْ ضَرَبَ غُلاَمًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ، أَوْ لَطَمَهُ؛ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ"[6].
وجعل رسول الله أيضًا التلفُّظ بالعتق من العبارات التي لا تحتمل إلاَّ التنفيذ الفوري، فقال: "ثَلاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ: الطَّلاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعِتَاقُ"[7].
كما جعله الشرعُ وسيلة من وسائل التكفير عن الخطايا والآثام، مثل وجوب العتق بسبب القتل الخطأ، وكذلك الحنث في اليمين، والظِّهَار، والإفطار في رمضان عمدًا، وغير ذلك، ثم جاءت سيرته خير تطبيق لهدي الشرع، فعن أبي هريرةأنه قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ، فقال: هلكتُ يا رسول الله. قال: "وَمَا أَهْلَكَكَ؟". قال: وقعتُ على امرأتي في رمضان. قال: "هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟". قال: لا. قال: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟". قال: لا. قال: "فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟". قال: لا. قال: ثمَّ جلس، فَأُتِيَ النَّبِيُّبِعَرَقٍ[8] فِيهِ تَمْرٌ. فقال: "تَصَدَّقْ بِهَذَا". قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟! فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا[9] أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّحَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"[10].
بل وأكثر من ذلك؛ حيث جعل عتقهم من مصارف الزكاة؛ لقول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60]. ولننظر ماذا فعل رسول الله مع سلمان الفارسي؛ لندرك عظمة تطبيقه لهذا المبدأ الإسلامي، فها هو ذا سلمان الفارسي يُعْلِنُ إسلامه أمام النبي، فيقول له: "اذْهَبْ فَاشْتَرِ نَفْسَكَ". فيقول سلمان الفارسي: فَانْطَلَقْتُ إلى سيِّدي، فقلتُ: بِعْنِي نَفْسِي؟ قال: نعم، على أن تُنْبِتَ لي مائةَ نخلةٍ، فإذا أنْبَتَتْ جئني بوزن نواةٍ من ذَهَبٍ. فَأَتَيْتُ رسول الله، فأخبرتُه، فقال لي رسول الله: "اشْتَرِ نَفْسَكَ بِالَّذِي سَأَلَكَ، وَائْتِنِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ الَّذِي كُنْتَ تَسْقِي مِنْهَا ذَلِكَ النَّخْلَ". قال: فدعا لي رسول اللهفيها، ثمَّ سَقَيْتُهَا، فَوَاللهِ لَقَدْ غَرَسْتُ مِائَةَ نَخْلَةٍ، فَمَا غادَرَتْ مِنْهَا نَخْلَةٌ إِلاَّ نَبَتَتْ، فَأَتَيْتُ رسول اللَّه، فأخبرتُه أنَّ النَّخل قَدْ نَبَتْنَ، فَأَعْطَانِي قِطْعَةً مِنْ ذَهَبٍ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَوَضَعَ فِي الْجَانِبِ الآخَرِ نَوَاةً، فَوَاللهِ مَا اسْتَقَلَّتِ قِطْعَةُ الذَّهَب مِنَ الأَرْضِ، قال: وجئت رسول اللهفأَعْتَقَنِي[11].
ومكَّن الإسلامُ العبيد من استعادة حُرِّيَّتهم بالمكاتبة، وهي أن يُمْنَح العبدُ حُرِّيَّته مقابل مبلغ من المال يتَّفق عليه مع سيِّده، وأوجب أيضًا إعانته؛ لأن الأصل هو الحرِّيَّة، أمَّا العبوديَّة فطارئة، فكان الرسولالقدوة في ذلك؛ حيث أدَّى عن جُوَيْرِيَة بنت الحارث ما كُوتبت عليه وتزوَّجها، فلمَّا سمع المسلمون بزواجه منها أعتقوا ما بأيديهم من السبي، وقالوا: أصهار رسول الله. فأُعتق بسببها مائة أهل بيت من بني المصطلق[12].
ورغَّب رسول الله في عِتق الأَمَةِ وتزوُّجها، فيُروى عن أبي موسى الأشعريأنه قال: قال رسول الله: "أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ"[13]. لذلك نجد رسول اللهيعتق السيدة صفيَّة بنت حُيَيِّ بن أخطب، ويجعل عتقها صداقها[14].
الاسترقاق في الحرب
أمَّا الاسترقاق عن طريق الحرب التي يثيرها أعداء الإسلام فقد ضيَّق النبي مدخل الاسترقاق عن طريق الحرب فوضع نظامًا للأسرى لم يُعرف من قبل إلاَّ في الإسلام؛ فاشترط لاعتبار الأسرى أرقَّاء أن يَضْرِب الإمامُ عليهم الرقَّ، وقبل أن يضرب الإمام عليهم الرقَّ يمكن أن تتمَّ نحوهم التصرُّفات التالية: تبادل الأسرى؛ وذلك بِرَدِّ عدد من الأسرى مقابل عدد من أسرى المسلمين، أو قَبُول الفداء؛ وذلك بإطلاقهم نظير مقابل مادِّيٍّ أو أدبي كما فعلفي أسرى بدر؛ فأطلق بعضهم مقابل مال، وجعل إطلاق بعضهم نظير تعليمهم لبعض المسلمين القراءة والكتابة.
رغم أن الاسترقاق في الحرب كان عرفًا عامًا في كل الحروب، فكان الأعداء يسترقون المسلمين إذا وقعوا في أسرهم، لقد حدث ذلك مثلاً مع زيد بن الدثنة وكذلك مع خبيب بن عدي[15]، ولو لم يقابل الإسلام أعدائه بمثل ما يفعلوه لاجترءوا عليه، ومع ذلك فالإسلام يقبل أن تتفق كل الأطراف المتصارعة على عدم الاسترقاق، فلا تفعله في نظير ألا يفعلوهم كذلك.
وهكذا كان الإسلام في قضية تحرير العبيد حكيمًا ومتوازنًا في تشريعه، فبقدر ما ضيَّق منافذ الاسترقاق بقدر ما وسَّع منافذ التحرير بأسلوب متدرِّج يناسب الواقع الذي ظهر فيه الإسلام.
العالم وحاجته لهدي الرسول
سؤال وحيرة !! أكرم الله البشرية جميعًا بالرسالة الخاتمة التي بعث بها نبيَّه محمدبشيرًا ونذيرًا للناس كافة، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها.
يجب أن نقف وقفة متأنية مع أنفسنا، ونتساءل قائلين: لماذا يحارب البعض من غير المسلمين الإسلام؟ رغم قيمه الرائعة وإنسانيته العظيمة، ورغم الأدلَّة الباهرة على صدق نبوة محمد r، وهؤلاء لا يكتفون بمجرَّد التكذيب والإنكار بل يتجاوزونها إلى مرحلة سبٍّ وقذفٍ وطعنٍ وتجريح!
ويقف المسلم أحيانًا حائرًا مدهوشًا أمام هذه التيارات المهاجمة للإسلام، والطاعنة في خير البشر، وسيد ولد آدم، ويتساءل متعجبًا: كيف لم تَرَ أعينهم النور الساطع؟! وكيف لم تدرك عقولهم الحقَّ المبين؟!
وإن هذه الحيرة وتلك الدهشة لتزول، ويتلاشى معها العجب والاستغراب عندما ننظر في أحوال هؤلاء المنكرين المكذبين الطاعنين اللاعنين..
إنهم ما بين حاقد وجاهل..
أمَّا الأول: فلا ينقصه علم ولا دراية؛ إنه رأى الحقَّ بوضوح، ولكنه آثر -طواعيةً- أن يتَّبع غيره، أمَّا لماذا خالف وأنكر فلأسباب كثيرة: فهذا محبٌ لدنياه، وذاك مؤثرٌ لمصالحه، وهؤلاء يتبعون أهواءهم، وأولئك يغارون ويحسدون. إنها طوائف منحرفة من البشر لا ينقصها دليل، ولا تحتاج إلى حجة، وفيهم قال ربنا I: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14].
وهذه الطائفة -التي تقاتل الدين عن رغبةٍ وقصد، وتحارب الفضيلة والأخلاق عن عمدٍ ودراية- قليلة بالقياس إلى الفريق الثاني (عموم الناس)، الذين لم يعرفوا الدين من مصادره الصحيحة، إنما صُوِّر لهم على أنه بدعٌ منكرة، أو تقاليد بالية، إنهم فريق الجُهَّال الذين ينقصهم العلم، أو البسطاء الذين يفتقرون إلى شرحٍ وتوضيح، أو حتى العقلاء الذين يحتاجون إلى دليلٍ وبرهان.
إن هذا الفريق الثاني يحتاج ببساطة إلى (العلم)؛ ليعرف حقيقة الإسلام كما عرفه شعب فارس وشعوب الشام ومصر وشمال أفريقيا، بل نصارى الأندلس والأناضول وشرق أوربا، وشرق وغرب أفريقيا، وإندونيسيا وأرض الملايو والهند وغيرها، ويحتاج أن نعرض عليه رسالة الإسلام التي أنزلها الله I على محمد، وأن نشرح أحوال وأخلاق وطبائع النبي العظيم رسول الله؛ فيكون هذا سبيلاً لهداية السواد الأعظم من الناس.
فما أحوج العالم في ظلِّ ما يعانيه من مشكلات رهيبة وضلال مبين إلى هدي رسول الله الرباني، وخاصة أن عالمنا اليوم شبيه كل الشبه بما كان عليه العالم وقت بعثته، وإنه ما من شكٍّ أن منهج الرسول r سيُخْرِجنا من ظلمات الجهل والغفلة إلى نور الإسلام، كما أخرج العالم من قَبْلُ ممَّا يعانيه، كما أن الإنسان في عصرنا الحاضر فَقَدَ القدوة والمَثَل، بل وفقد إنسانيته وأصبح يعيش لاهيًا عابثًا بلا هدف؛ لذلك فهو دائم البحث عن المَثَل الأعلى والقدوة الحسنة، ولن يجد ذلك إلاَّ في رسولنا، وليس عجيبًا أن يدرك ذلك عظماء الغرب، فها هو ذا برنارد شو وجوته.. وغيرهما يتَّخذون من النبي القدوة والمثل؛ لأن رسول الله كان كذلك.
كيف نصحح رؤية العالم للإسلام؟
ولكن العالم لن يفهم ويدرك عظمة الإسلام إلاَّ إذا قمنا بتصحيح رؤيته لنا، ولا نعني بكلامنا هذا أن نتنازل عن ثوابت الإسلام وقيمه من أجل ذلك، ولكننا نعني بذلك أن نبذل الجهد والطاقة في سبيل تقديم قيم الإسلام وحضارته لكل العالمين، وهناك وسائل عديدة:
أوَّلها: أن نعمل على فتح آفاق الحوار البنَّاء مع المنصفين من مفكري وعلماء الغرب، بل شعوبه التي لا تعرف شيئًا عن الإسلام، ومحاولةِ إقناعهم بالحُجة العقلية والبيان الواضح الهادئ، والسلوك القويم الرائع.
وثانيها: أن ننفق الأموال في إنشاء وتطوير المؤسسات الإعلامية التي تَصِلُ بالإسلام إلى كل العالم، وكذلك استغلال كل المنافذ المتاحة من فضائيات وإنترنت وصحافة لنشر قيمنا وحضارتنا وتعريف العالم برسولنا محمد، ووضع منهجية ملائمة للخطاب الإسلامي الموجَّه للشعوب الغربية والآسيوية والأفريقية وغيرها، وأن تكون هذه السياسة مبنية على دراسات واقعية تتمُّ لهذه المناطق؛ لنَعْلَم مواطن الشبهات، ومواطن الاتفاق والاختلاف، ومتابعة ما تُثيره وسائل الإعلام عن الرسولمن أقوال منافية للحقيقة، والردّ السريع عليها بأسلوب حاسم دون فحش في القول، أو تعدٍ في الأسلوب.
أمَّا ثالثها: وهو من الأهمية بمكان فيتعلَّق بالمؤسسات والجامعات الشرعية، التي يجب عليها أن تُخْرِج لنا علماء ودعاة عصريين، وذلك بتغيير النمطية التي تُدَرَّس بها العلوم الإسلامية، لتناسب العصر الحديث، وتتناغم مع أسلوب الحياة، وذلك من باب خاطبوا الناس على قدر عقولهم، بل ويجب علينا تغيير مناهج التعليم في مدارسنا؛ حتى ينشأ الطفل والشاب وهو يدرك عظمة الإسلام وعظمة رسوله، فيتحرَّك بهذه المبادئ والقيم ناشرًا للإسلام في صورة حية حركية، وتحميس هؤلاء الشباب لقراءة حياة نبينا محمد، ولعل مثل هذه المسابقة تكون فاتحة خير تُشَجِّع القادرين ماديًّا وعلميًّا لدعم مثل هذه المسابقات على مستوى العالم الإسلامي.
ورابعها: إنشاء مؤسسات للترجمة إلى كل لغات العالم الحية؛ حيث نترجم الكتب التي تشرح الإسلام بطريقة سهلة ميسرة، بل وإرسال دعاة يتحدثون بهذه اللغات إلى بلاد العالم أجمع.
أمَّا خامسها: فيتعلق بالجاليات الإسلامية في الخارج، التي يجب عليها أن تعمل معًا على تحقيق أهداف مُوَحَّدة تخدم فيها الإسلام؛ تنشر صورته الرائعة ومبادئه الراقية، كما يجب على العالَمِ الإسلامي أن يُنْشِئ أوقافًا لدعم هذه الجاليات الإسلامية في العالم أجمع؛ مادِّيًّا بتوفير المبالغ التي تساهم في تبوُّأ المسلمين للمناصب العلمية المؤثِّرة داخل هذه المجتمعات لتقديم صورة رائعة عن الإسلام، وعلميًّا عبر تقديم المراجع المهمَّة والضرورية التي تُقَدِّم الحضارة الإسلامية للغرب تقديمًا بحسب عقليته وخلفياته.
هذه بعض الأفكار لتحسين صورة الإسلام ورسوله في الغرب، التي لا يتسع المجال للإسهاب والتفصيل فيها، ولكن ينبغي التنبيه على أن ذلك لن يجدي في تغيير صورة الإسلام في الغرب إذا لم نُعِدْ بناء بيتنا من الداخل؛ بتصحيح المفاهيم الأساسية لَدَيْنَا؛ والاتجاه نحو الوسطية والاعتدال؛ مصداقًا لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]. ثم السير قُدمًا نحو تحقيق دعائم الاستخلاف الحضاري، وتنمية المجتمعات الإسلامية تنميةً قائمةً على مبادئنا وأهدافنا، والأخذ بأسباب القوة بالتقدم المعرفي والعلمي والتقني، وتطوير المنظومة التربوية والتعليمية.
فلو لم نعش الإسلام بقيمه الإنسانية في العدل والحرية والمساواة، وانعكس ذلك في ضروب سلوكنا الاجتماعي والسياسي والثقافي لدى الشعوب والحكام؛ فسنكون فتنة لغيرنا من غير المسلمين ولندعو الله جميعًا قائلين: {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [الممتحنة: 5].
وَصَلِّ اللهم وسَلِّم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين.
دكتور راغب السرجانى | |
|
ابراهيم عيسى إدارة عامة
تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: تابع................ شهـــــــــــــــــادات وردود الجمعة يوليو 09, 2010 10:54 am | |
| | |
|
ذات النطاقين مشرف عام
تاريخ التسجيل : 03/06/2010
| موضوع: رد: تابع................ شهـــــــــــــــــادات وردود الجمعة يوليو 09, 2010 11:05 pm | |
| | |
|