blue]er]{لقد رأى من آيات ربه الكبرى}
البيت المعمور
الملائكة
سدرة المنتهى
الأنهار التي في السماء
البيت المعمور:
أخرج البخاري عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه.. وقال فيه:".. فلما خلصت، فإذا بإبراهيم. قال: هذا أبوك فسلم عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نيقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة. قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان، فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور.." الحديث. وقال البخاري في موضع آخر: حدثنا هدبة بن خالد: حدثنا سعيد وهشام قالا: حدثنا قتادة حدثنا أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة.. وقال فيه:" فأتينا السماء السابعة قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: من معك؟ قيل: محمد. قيل: وقد أرسل اليه؟ مرحبا به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على إبراهيم، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من ابن ونبي. فرفع لي البيت المعمور. فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا اليه آخر ما عليهم.." الحديث.
وقال البخاري في آخره: وقال همام عن قتادة عن الحسن: عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:" في البيت المعمور". قال الحافظ رحمه الله: يريد ـ يعني البخاري ـ أن هماما فصل في سياقه قصة البيت المعمور، من قصة الإسراء، فروي أصل الحديث عن قتادة عن أنس، وقصة البيت عن قتادة عن الحسن. وأما سعيد ـ وهو ابن عروبة وهشام ـ وهو الدستوائي ـ، فأدرجا قصة المعمور في حديث أنس. والصواب رواية همام وهي موصولة هنا عن هدبة عنه. ووهم من زعم أنها معلقة، فقد روى الحسن بن سفيان في " مسنده" الحديث بطوله عن هدبة، فاقتص الحديث الى قوله:" فرفع لي البيت المعمور" قال قتادة: فحدثنا عن أبي هريرة أنه ( رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون فيه). وأخرجه الاسماعيلي عن الحسن بن سفيان وأبي يعلى والبغي وغير واحد، كلهم عن هدبة به مفصلا.
وعرف بذلك مراد البخاري بقوله:" في البيت المعمور". وأخرج من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:" البيت المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة، لو خر اخر عليها يدخله سبعون ألف ملك كل يوم، إذا خرجوا منه لم يعودوا".
وهذا وما قبله يشعر بأن قتادة كان تارة يدرج قصة البيت المعمور في حديث أنس، وتارة يفصلها. حين يفصلها تارة يذكر سندها وتارة يبهمه. وقد روى إسحاق في "مسنده" والطبري وغير واحد من طريق خالد بن عرعرة عن علي: ( أنه سئل عن السقف المرفوع قال: السماء) وعن البيت المعمور قال: بيت في السماء بحيال البيت. حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون اليه) وفي رواية للطبري: أن السائل عن ذلك هو عبدالله بن الكوا.
ولابن مردويه عن ابن عباس نحوه، وزاد: ( وهو على مثل البيت الحرام، لو سقط لسقط عليه) من حديث عائشة. ونحوه بإسناد صالح.
ومن حديث عبدالله بن عمرو نحوه بإسناد ضعيف. وهو عند الفاكهي في "كتاب مكة" بإسناد صحيح عنه، لكون موقوفا عليه. وروى ابن مردويه أيضا وابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة مرفوعا نحو حديث على وزاد: ( وفي السماء نهر يقال له: نهر الحيوان، يدخله جبريل كل يوم، فينغمس، ثم يخرج فينتفض فيخر عنه سبعون ألف قطرة، يخلق الله من كل قطرة ملكا فهم الذين يصلون فيه، ثم لا يعودون اليه) وإسناده ضعيف. وقد روى ابن المنذر نحوه بدون ذكر النهر من طريق صحيحة عن أبي هريرة، لكن موقوفا.
وجاء عن الحسن ومحمد بن عباد بن جعفر: أن البيت المعمور هو الكعبة والأول أكثر وأشهر. وأكثر الروايات أنه في السماء السابعة. وجاء من وجه آخر عن أنس مرفوعا أنه في السماء الرابعة، وجزم شيخنا في "القاموس". وقيل: هو في السماء السادسة، وقيل هو تحت العرش. وقيل: إنه بناه آدم لما أهبط الى الأرض، ثم رفع زمن الطوفان. وكأن هذا شبهة من قال: إنه الكعبة ويسمى البيت المعمور. الضراح والضريح.
واستدل منه على أن الملائكة أكثر المخلوقات لأنه لا يعرف من جميع العوالم ما ينجرد من جنسه في كل يوم سبعون ألف غير ما ثبت عن الملائكة في هذا الخبر.
سدرة المنتهى:
ذكرنا ما أخرجه البخاري من حديث مالك بن صعصعة في سدرة المنتهى في شواهد الباب وشواهد البيت المعمور. وضبط قوله: "رفعت" مرة بفتح العين وسكون التاء، ومرة بسكون العين وضم التاء.
قال الحافظ رحمه الله: ويجمع بين الرواتين، بأن المراد انه رفع اليها: أي ارتقى به وظهرت له. والرفع الى الشيء يطلق على التقريب منه. وقد قيل في قوله تعالى:{ وفرش مرفوعة}: أي تقرب لهم.
ووقع بيان سبب تسميتها سدرة المنتهى في حديث ابن مسعود عند مسلم ولفظه: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:" انتهى بي الى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة، واليها ينتهي ما يعرج من الأرض، فيقبض منها، واليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها". وقال النووي: سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي اليها ولم يتجاوزها أحد الا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قلت: وهذا لا يعارض حديث ابن مسعود المتقدم. لكن حديث ابن مسعود ثابت في الصحيح، فهو أولى بالاعتماد. قلت: وأورد النووي هذا بصيغة التمريض فقال: وحكى عن ابن مسعود أنها سميت بذلك.. الخ. هكذا أورده، فأشعر بضعفه عنده، ولا سيما ولم يصرح برفعه، وهو صحيح مرفوع.
وقال القرطبي في "المفهم" ظاهر حديث أنس انها في السابعة، لقوله بعد ذكر السماء السابعة:" ثم ذهب بي الى السدرة". وفي حديث ابن مسعود أنها في السادسة، وهذا تعارض لا شك فيه، وحديث أنس هو قول الأكثر، وهو الذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي اليها علم كل نبي مرسل، وكل ملك مقرّب، على ما قاله كعب. قال: وما خلفها غيب لا يعلمه الا الله، أو من أعلمه. وبهذا جزم إسماعيل بن احمد.
وقال غيره: اليها منتهى أرواح الشهداء. قال: ويترجح حديث أنس بأنه مرفوع، وحديث ابن مسعود موقوف. كذا قال، ولم يعرج على الجمع، بل جزم بالتعارض قلت: ولا يتعارض قوله: أنها في السادسة ما دلت عليه بقية الأخبار، أنه وصل اليها بعد أن دخل السماء السابعة لأنه يحمل على أن أصلها في السماء السادسة، وأغصانها وفروعها في السابعة، وليس في السادسة منها إلا أصل ساقها.
[وفي] حديث أبي ذر: فغشيها ألوان لا أدري ما هي وبقية حديث ابن مسعود المذكور: قال الله تعالى:{ إذ يغشى السدرة ما يغشى} قال: فراش من ذهب كذا فسر المبهم في قوله:{ ما يغشى} بالفراش. ووقع في رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس:" جراد من ذهب". قال البيضاوي: وذكر الفراش وقع على سبيل التمثيل، لأن من شأن الشجر أن يسقط عليها الجراد وشبهه، وجعلها من الذهب لصفاء لونها وإضاءتها في نفسها. انتهى. ويجوز أن يكون من الذهب حقيقة، ويخلق فيها الطيران، والقدرة صالحة لذلك وفي حديث أبي سعيد وابن عباس:" يغشاها الملائكة" وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي:" على كل ورقة منها ملك" ووقع في رواية ثابت عن أنس عند مسلم:" فلما غشيها من امر الله ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها" وفي رواية حميد عن أنس عند ابن مردويه نحوه، لكن قال:" تحولت قوتا" ونحوذلك.
قال ابن دحية: اختيرت السدرة دون غيرها، لأن فيها ثلاثة أوصاف: ظل ممدود وطعام لذيذ، ورائحة زكية، فكانت بمنزلة الايمان الذي يجمع القول والعمل والنية. والظل بمنزلة العمل، والطعم بمنزلة النية، والرائحة بمنزلة القول.
الأنهار التي رآها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
ورد ذكرها فيما أخرجه البخاري من حديث قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة وفيه:" قال: هذه سدرة المنتهى. وإذا بأربعة أنهار: نهران ظاهران ونهران باطنان. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، واما الظاهران فالنيل والفرات".
وفي لفظ آخر عن مالك:" في أصلها ـ يعني سدرة المنتهى ـ أربعة أنهار..." الحديث.
ووقع في رواية شريك:" فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات، عنصرهما. ثم مضى في السماء فإذا بنهر ىخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر.
قال ما هذا يا جبريل؟ قال: الكوثر الذي خبأ لك ربك.." الحديث.
قال الحافظ رحمه الله:" ووقع في صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة:
أربعة أنهار في الجنة: النيل والفرات وسيحان وجيجان" فيحتمل أن تكون سدرة المنتهى مغروسة في الجنة، والأنهار تخرج من تحتها، فيصح أنها من الجنة.
قال ابن أبي جمرة: فيه أن الباطن أجل من الظاهر، لأن الباطن جعل في دار البقاء، والظاهر جعل في دار الفناء، ومن ثم كان الاعتماد على ما في الباطن كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" إن الله لا ينظر الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم.".
[و] وقوله:" وأما الظاهران فالنيل والفرات": وقع في رواية شريك: أنه رأى في السماء الدنيا نهربن يطردان، فقال له جبريل : هما النيل والفرات عنصرهما ـ والعنصر، بضم العين والصاد المهملتين بينهما نون ساكنة: هو الأصل ـ والجمع بينهما، أنه رأى النهرين عند سدرة المنتهى، مع نهري الجنة، ورآهما في الدنيا دون نهري الجنة، وأراد بالعنصر عنصر امتيازهما بسماء الدنيا. كذا قال ابن دحية.
ووقع في حديث شريك أيضا:" ومضى به يرقى السماء، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده، فإذا هو مسك أذفر. فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك". ووقع في رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس عند ابن أبي حاتم: أنه بعد أن رأى إبراهيم قال:" ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى الى نهر عليه خيام اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعليه طير خضر، أنعم طير رأيت. قال جبريل: هذا الكوثر الذي أعطاك الله، فإذا في آنية الذهب والفضة يجري على رضراض من الياقوت والزمرد، ماؤه أشد بياضا من اللبن. قال: فأخذت من آنيته، فاغترفت من ذلك الماء، فشربت، فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك.".
وفي حديث أبي سعيد:" فإذا فيها عين تجري، يقال لها السلسبيل، فينشق منها نهران: أحدهما الكوثر، والآخر يقال له: نهر الرحمة". قلت: فيمكن أن يفسر بهما النهران الباطنان المذكوران في حديث الباب. وكذا روى عن مقاتل قال: الباطنان: السلسبيل والكوثر.
وأما الديث الذي أخرجه مسلم بلفظ:" سيحان وجيجان والنيل والفرات من أنهار الجنة"، فلا يغاير هذا، لن المراد ان في الأرض أربعة أنهار أصلها من الجنة، وحينئذ لم يثبت لسيحون وجيجون أنهما ينبعان من اصل سدرة المنتهى، فيمتاز النيل والفرات عليهما بذلك. وأما الباطنان المذكوران في حديث الباب، فهما سيحون وجيجون، والله أعلم.
قال النووي: في هذا الحديث ان أصل النيل والفرات من الجنة، وانهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى، ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان الى الأرض، ثم يخرجان منها، وهذا لا يمنعه العقل، وقد شهد به ظاهر الخبر، فليعتمد. وأما قول عياض: إن الحديث يدل على أن أصل سدرة النتهى في الأرض، لكونه قال: إن النيل والفرات يخرجان من أصلها، وهما بالمشاهدة يخرجان من الأرض، فيلزم منه أن يكون أصل السدرة في الأرض، وهو متعقب: فإن المراد بكونهما يخرجان من أصلها غير خروجهما بالنبع من الأرض.
والحاصل أن أصلها في الجنة، وهما يخرجان أولا من أصلها، ثم يسيران الى أن يستقراا في الأرض، ثم ينبعان. واستدل به على فضيلة ماء النيل والفرات لكون منبعهما من الجنة، وكذا سيحان وجيجان.
قال القرطبي: لعل ترك ذكرهما في حديث الاسراء، لكونهما ليسا أصلا برأسهما وإنما يحتمل أن يتفرعا عن النيل والفرات. قال: وقيل: إنما أطلق على هذه الأنهار أنها أنهار تشبيها لها بأنهار الجنة، لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة.[/center]