هل يمكن أن تكره حكومة شعبها؟ وإذا كرهته الحكومة هل يكرهه نوابه؟ كراهية الشعب لا تحدث إلا إذا كان الشعب مقاوما لحكامه. والشعب المصري والحمد لله ترك كل الحكومات تجرب فيه خططها، حتي فشلت في إنقاذه من الفقر والمرض والجهل فابتعدت عنه، واختارت للطبقة الجديدة التي بشرتنا بها وأنها هي المنقذة لمصر من خلال الاقتصاد الحر، اختارت لهذه الطبقة التجمعات الخاصة البعيدة عن أنظار الشعب حول المدن الكبري وعلي الشواطئ البعيدة، وتركت الشعب يتكدس فوق بعضه في عشوائيات ضيقة أفرزت كل الأمراض والأخطار الممكنة، والشعب لم يحتج، هم المثقفون الذين يحتجون كتابة، لكن الحكومات المتعاقبة وعت درس الرئيس السادات، وهو ألا تدخل في حوار مع هؤلاء المثقفين وتتركهم يصرخون كتابة أو في البرامج الفضائية حتي يمل الناس منهم. وإذا سألت مسئولا، أي مسئول، عن أي قضية تهم الشعب يتحدث بالورقة والقلم، ولا يبدو عليه أي إحساس بالموضوع فالناس لا تزيد علي ارقام. وإذا منّ الله علي أي منهم بالانفعال فيقول لك ماذا يفعل والناس لا ترحم، تتزوج وتأكل وتشرب شاي وتخلّف، وهي للأسف جملة قالها الرئيس مبارك ذات مرة منذ سنوات طويلة لكنها تقريبا صارت برنامج كل الوزراء مهما تعاقبوا واختلفوا رغم انها ربما كانت قفشة من قفشات الرئيس التي كثيرا ما تحدث منه معلقا علي الأحداث ومختصرا الكلام! يبدو لي دائما أن الوزراء ورئيسهم يرون أن هذا الشعب عليه أن يحمد الله أنهم يحكمونه ويرضون بحكمه. كلهم لا يرونه شعبا مؤهلا للديمقراطية وكلهم يتحدثون عن الديمقراطية في تعاقب منذ أكثر من ثلاثين سنة ولم يحققوها إلا في الكلام. ألم تكن ثلاثين سنة كافية لتعليم الشعب الديمقراطية؟ الحقيقة أن الديمقراطية لا تعلّم ولكن تمارس وبالممارسة يتعلم الناس »الصح من الخطأ«. كراهية الشعب ليست من الضروري أن تكون خطابا واضحا، وهذا ما يحرص عليه حكامنا، والدليل هو الحالة التي وصلت اليها أغلبية الشعب، لكن المدهش هو أن يعبر عن هذه الكراهية نواب الشعب، الحقيقة أن ممارسة الأغلبية في مجلسي الشعب والشوري تنتهي عند خانة الكراهية للشعب في صمت من خلال القوانين المجحفة التي يصدرونها كل حين، لكن الكراهية هذه المرة كانت علنا ومن نواب لا يعرف عنهم أحد أي دور مرموق في أي شيء، لقد طلب عدد من النواب، ضرب المتظاهرين بالرصاص. أنا لا اعرف اسماءهم رغم أني سمعتها كل يوم في الفضائيات وقرأتها في الصحف. ولا أذكر إلا أن واحدا منهم ينتهي اسمه بالقصاص والثاني بالعقرب والثالث الأكثر شهرة هو رجب حميدة.. ليس مهما الاسماء من فضلك. لكن ثلاثة نواب مرة واحدة يشتركون في أمر واحد يعكس حالة عامة وهؤلاء كانوا الشجعان الذين أظهروها!! حالة كراهية للشعب تدور حولها المناقشات في كواليس المجلس بين أعضاء الحزب الوطني وحالة ضيق من الشعب الذي بدأ يقف علي الرصيف ويصرخ وأحيانا »يطرطر« ـ لا مؤاخذة ـ كما قال السيد لوقا بباوي في قناة المحور هل هذا يصح؟ لم يفكر أحد في البحث عن أسباب هذه الوقفات وإنهائها باعطاء الحق لأصحابه بسرعة قبل الطرطرة والزنقة. لقد استمعت الي الذي اسمه القصاص الذي أنكر أن يكون دعا الي ذلك ولكن ما كتب في مضبطة المجلس أكد أنه قال ذلك وبدأت دعاوي قضائية ترفع عليه. فلم يجد شيئا يقوله غير أن المتظاهرين يعتدون علي البوليس، يا سلام، طبعا هو يعرف أن المتظاهرين لم يعتدوا علي أحد بل هم الذين تم ضربهم واهانتهم والاعتداء الوحشي علي الفتيات منهم. واذا حدث اعتداء علي البوليس فهو رد فعل للاعتداء عليهم. القانون يسمح بالتظاهر والاعتصام وعلي البوليس أن يحمي المتظاهرين. المهم أن السيد القصاص راح ينفخ في مسألة الاعتداء علي البوليس هذه لتكون مبررا لإطلاق الرصاص رغم أنه حتي لو حدثت فالقانون لا يعطي البوليس حق الرد بالرصاص علي متظاهرين بالكلام أو حتي الحجارة اذا حدث. لكن ليس مهما القانون، المهم هو أن هناك انتخابات قريبة يعرف كل النواب أن الطريق اليها هو تسول رضا الحزب الحاكم فهل يحتاج الحزب الحاكم من أحد الي أكثر من ذلك ليدعم ترشيحه؟ نائب الشعب يطلب ضرب الشعب بالرصاص لتنبسط الحكومة التي تكره الشعب وتراه زيادة لا معني لها. هذا نوع من النواب ليست له علاقة بالشعب. منذ البداية ينجح في الانتخابات بعمل الحكومة أو رضائها، لكنه مع اقتراب الانتخابات صار ملكيا أكثر من الملك. أراد أن يقدم للحكومة أعلي دلائل الولاء. وهل يرضي الحكومة شيء أفضل من قتل الشعب وتصفيته لترتاح من العمل والهم. المدهش أن الحكومة لم تعلق، والذي علق هو صفوت الشريف العجوز الداهية في السياسة المصرية الذي يعرف أن للولاء للدولة حدودا لا يجب أن تتحول الي سلوك الدبة التي أرادت انقاذ صاحبها فقتلته. فما بالك وهذا السلوك في العلن. علي أن ما غاظني أكثر في هذا كله هو قول هذا النائب انه لا يريد أن تتحول المظاهرات الي انتفاضة حرامية كما حدث في يناير 1977. غاظني وفقعني هذا الكلام الذي قاله في قناة المحور وكان رد معتز الدمرداش المحايد أكثر مما ينبغي لإعلامي" أن أنت خايف يعني تتحول لانتفاضة حرامية، طيب" وأنهي الكلام. هل كانت انتفاضة يناير انتفاضة حرامية حقا؟ هذا كلام قديم، وكتب فيه كثير وكلمة الرئيس السادات تحولت لنكتة لأن الذي عاش تلك الأيام يعرف انها لم تكن كذلك. وأن التحول الذي جري للانتفاضة كان بفعل الحكومة ذلك الوقت، ولذلك كان القضاة الذين حكموا علي من قبض عليهم جميعا بالإفراج. لم يحكم علي شخص واحد بالتخريب، يرحمه الله الرئيس السادات الذي يعرف الجميع أنه اوشك علي مغادرة البلاد لولا موافقة الجيش علي النزول الي الشوارع لانقاذ البلاد، وكلنا نعرف أن الجيش حين نزل لم يكن جندي واحد يحمل ذخيرة حية رغم ما يبدو من اسلحة، واسألوا من لا يزال حيا من قيادات الجيش. وكلنا نذكر كيف استجاب الناس بهدوء وضاحكين الي حظر التجوال الذي سبقه تراجع الدولة عن زيادة الاسعار.