فن الحياة ))بقلم د/عائض القرني
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم أحبائي الكرام أحببت نقل لكم من كتابة الشيخ الكلام الجميل في فن الحياة
نوِّع ثقافتك، شكِّل مواهبك، غاير بين حالتك في المعيشة، لأن الرتابة مملة، والاستمرار سأم، ولذلك تنوعت العبادات من صلاة وصيام، وزكاة وحج، وتنوعت الصلاة من قيام وقعود وركوع وسجود.
الزمن يتجدّد: ليل ونهار، صيف وشتاء، حر وبرد، مطر وصحو.
المكان يتجدّد: جبل وسهل، رابية وهضبة، غابة وصحراء، نهر وغدير. الألوان تتجدّد: أبيض وأسود، أحمر وأصفر، أخضر وأزرق.
الحياة تتجدّد: فرح وحزن، محنة ومنحة، ولادة وموت، غنى وفقر، سلم وحرب، رخاء وشدة. كان المأمون ينتقل في بيته وهو يقرأ، وأنشد قول أبي العتاهية:
لا يصلح النفس ما دامت مدبّرة *** إلاَّ التنقل من حال إلى حالِ
اجعل وقتاً للتلاوة، ووقتاً للتفكُّر، وثالثاً للذكر، ورابعاً للمحاسبة، وخامساً للمطالعة، وسادساً للنزهة، وهكذا وزِّع العمر فيما ينفع. النفس نفورة، والطبيعة متقلبة، والمزاج يتضجر، فحاول أن تكون مسافراً خرّيتاً، وتاجراً صيرفياً، تأخذ من كل شيء أحسنه، ومن كل فن أجمله.
إنّ كدّ النفس على طريقة واحدة، ونسج واحد، قتل لإشراقها وأشواقها، وإن أخْذَ الطبيعة بالصرامة المفرطة والجد الصارم انتحار لها. ولكن ساعة وساعة، إن هناك بدائل من أعمال الخير، وأصول الفضائل، وسنن الهُدى، يمكن للعبد أن ينتقل بين حقولها، ويراوح بين جداولها.
ما أحسن الحديقة يوم تضم أشكال الزهور، وأنواع الفواكه، وسائر الأذواق والطعوم، وكذلك حالات النفس وأطوارها، لا بد أن يكون عندها من سعة الأفق، ورحابة المعرفة، ووسائل الحياة، وصنوف الهيئات المباحة ما يسعدها. وإن كبت النفس في مسارات ضيقة، ورتابة باهتة، ما أنزل الله به من سلطان، يجعل النفس ذاوية منهكة محطمة: (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها(. والأجدر بالإنسان أن يضرب في كل غنيمة من أعمال الخير والبر بسهم:
* يَوماً يَمانٍ إِذا لاقَيتُ ذا يَمَنٍ ***وَإِن لَقيتُ معَدِّياً فَعَدناني
إذاً فكن ذكياً في توزيع الوقت على أعمالك واعلم أنك بعقلك المبدع وفكرك الخلاَّب تحول كوخك الضيق إلى قصر مشيد، وقد تحول بإحباطك وتشاؤمك حديقتك الغناء إلى مقبرة؛ لأن السعادة تنطلق من النفس وليس مما يحيط بالإنسان، فتجد العاقل لا يأنس لحياة الجسم فحسب بل يريد مُثُلاً عُليا وأهدافاً سامية، أما الجاهل فهمُّه مطعمه وملبسه، كما قال صديقنا أبو الطيب:
* ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ *** وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ
الحياة جملية متى نظرت إليها بأمل وحب واستثمار، والدنيا سوداء كالحة متى نظرت إليها بنظارات سوداء، كما قال إيليا أبو ماضي:
* أترى الشوك في الورود وتعمى *** أن ترى فوقه الندى أكليلا ؟
إن قصيدة (أغنية الفجر) للشاعر العالمي (طاغور الهندي) ملخصها أنه سأل الله أن يرزقه مالاً ليشتري دراجة تحمله إلى السوق، ولكنه التفت فوجد رجلاً جالساً مبتور القدمين فصاح: يا ربي شكراً شكراً ما أريد دراجة تكفيني قدماي. لماذا لا نستثمر عيوننا الجميلة وأيدينا القوية وقلوبنا الحية في صنع حياة كريمة؛ إنّ عندنا مواهب ربانية عظيمة لكن الكثير يعطلها ولا يستثمرها فيعيش منكداً محروماً فلله الحمد على ما أنعم به.