لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،، أما بعد؛ فبعد أيام ليست
بكثيرة نستقبل شهرنا العظيم، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، شهر الصيام
والذكر، شهر التوبة والغفران، شهر العزة والكرامة.. اللهم بلغنا رمضان..
اللهم بلغنا رمضان، فكم من آمل أن يصوم هذا الشهر ففاجأه أجله فسار قبله
إلى ظلمة القبر، كم من مستقبل يوم لا يستكمله ومؤمل غداً لا يدركه..
والعاقل اللبيب من يفكر ويعتبر بتلك الأيام التي عاشها والليالي التي
قضاها، نعم هي ماض، لكنه يسجل عليك فالله تعالى يقول:} هَذَا كِتَابُنَا
يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ[29]{'سورة الجايثة' .
كل الناس يغدو في أهداف وآمال ورغبات وأماني، ولكن أين الجادون؟
أين الجادون فرمضان آت بعد أيام فكيف حال الناس بل كيف حال الأمة؟!! هل
من وقفة صادقة للمحاسبة؟ وهل من وقوف جاد للتأمل؟ وما هي مراسم
الاستقبال؟؟
كيف يستقبل التعساء رمضان؟
إن رمضان آت بعد أيام قلائل، وفى الآمة تُعساء يستقبلونه على أنه شهر:
جوع نهار وشبع ليل، نوم في الفراش إلى ما بعد العصر؛ وسمر في الليل إلى
الفجر، تراهم ذئاباً في الليل جيفاً في النهار، جعلوا من رمضان موسم طرب
وسهر ودعايات وقنوات، إنهم يقتلون رمضان ويفسدون حلاوته وطعمه، حُرموا
وحَرموا غيرهم من جمال رمضان وروعة الحياة فيه، عبادة للبدن والجسد
بنزواته ولذاته، وأسر للروح والعقل؛ مساكين هؤلاء..
رمضان:
رُبَّ فمٍ تمنَّع عن شراب أو طعام ظن الصيامَ عن الغذاء هو الحقيقة في
الصيام وهوى على الأعراض ينهشها ويقطع كالحمام يا ليته إذ صام، صام عن
النمائم والحرام
بشارة الرسول لأصحابه بقدوم رمضان:
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فعن
أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يبشر أصحابه:' قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ
اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ
وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ
فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا قَدْ
حُرِمَ'رواه النسائي وأحمد، وصححه الألباني كما في صحيح النسائي.
اشتياق السلف إلى رمضان:
قال معلى بن الفضل عن السلف: 'كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم
رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم'.
وقال يحي بن أبى كثير: 'كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي
رمضان، وتسلمه منى متقبلاً'.
وباع قوم من السلف جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون
بالأطعمة وغيرها فسألتهم؛ فقالوا: 'نتهيأ لصيام رمضان'،
فقالت: 'وأنتم لا تصومون إلا رمضان؟!! لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان،
ردوني إليهم'.
شهر العزة والشجاعة والكرامة:
هكذا كان استقبال السلف لرمضان، فرمضان له طعم خاص ولذة عجيبة في نفوسهم
رضوان الله عليهم، فهو يبعث في نفوسهم قوة الإيمان والشجاعة والعزة
والكرامة، ولهذا كانت أكثر غزوات ومعارك المسلمين في رمضان لماذا؟ نعم
لماذا؟
اسمع الإجابة: إنها حياة الروح حتى وإن كانت البطون خاوية والشفاه يابسة،
فالحياة حياة الروح؛ حياة القلب؛ حياة الانتصار على النفس وعلى الشهوات؛
ومن انتصر على نفسه انتصر على الأعداء.
إنها حياة الصلة والثقة بالله جل وعلا، وهنا يكمن جمال رمضان وروعة هذا
الشهر بتلك الروحانية العجيبة التي توقظ المشاعر وتؤثر في النفوس، فرمضان
له في نفوس الصالحين الصادقين بهجة؛ وفى قلوب المتعبدين المخلصين فرحة؛
فهو شهر الطاعات ولنا فيه جميل الذكريات، إنه زاد الروح تتغلب الروح فيه
على البدن والجسد.
من الناس من همته في الثرى، ومنهم من همته في الثريا:
فمنهم من يسعى لحياة الروح ومنهم من يسعى لحياة الجسد، وحياة الروح:
باتصالها بالسماء، بالخوف والخشية والمراقبة والإخلاص لله جل وعلا،
والروح والجسد لا غنى لأحدهما عن الآخر، إلا إذا أصبح الجسد لا هم له إلا
شهوته وهواه، وفيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: [تَعِسَ عَبْدُ
الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ] رواه البخاري والترمذي وابن ماجه.
ومن الناس من نسى روحه، وغفل عنها وعن حقوقها، فعبَّدها لجسده وشهواته؛
فأصبحت حياته هموماً وغموما، وأكداراً وأحزانا، ليس له هم إلا أن يرضى
هواه.
وهذه دعوة للاستعداد لهذا الشهر العظيم ولنتذكر دعاء
اللهم بلغنا رمضان ..
فاللهم بلغنا رمضان، وأعنا على الصيام والقيام، واحفظ جميع جوارحنا من
الوقوع في الآثام، واجعلنا ممن يصومه ويقيم لياليه إيماناً واحتساباً،
وأن لا يكون حظنا من الصيام الجوع والعطش، ولا من القيام السهر والتعب،
وصلى الله وسلم وبارك على خير من صلى، وصام، واعتكف، وقام، محمد بن عبد
الله وصحابته وآله الكرام العظام، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى أن تكتمل
العدتان.