بقعة ضـوء من تحت الأنقاض
انفجار هائل هزّ المنطقة وقطع رأس الشارع وتناثرت اعضاءه اشلاء امطرت السماء عيون واصابع ---الوان الدخان ملأت الفضاء برائحة الشواء كأنها القيامة تقوم كل يوم ومن غير انذار او موعد-- يأتي عزرائيل زائرا مفاجئاً يأكل ويشرب ويرحل غير بعيد ---نسمع اخباره في الجوار ولم نلملم بعد شتات فوضويته وكأن دنيانا خالية الا منه-----تعب الدفان وتعب بائع الاكفان ولم يتعب هو
خرجت من البيت راكضة بثيابها البيتية مع الناس الذين خرجوا من بيوتهم راكضين نحو موقع الانفجار --لفحت وجهها برودة مع ان النار مشتعلة امامها في الحفرة التي خلفتها السيارة المفخخة وبرق في عينيها وميض ظنت انه انفجار اخر كما يحدث دائما بعد تجمع الناس لكنه لم يكن كذلك فصور الارواح المغادرة ابدانها المحترقة كانت داخل ذلك الوميض تنظر الى اجسادها المتفحمة والاخرى المقطعة بالشظايا بآخر الاحزان وهي تنزع عنها ثياب الدنيا وتلفها الملائكة بثياب النور سائرة جميعها في طريق واحد فتحها الرحمن من رتق السماء ----ربما لم تكن الوحيدة التي رأت الارواح وطريق النور لكنها وحدها التي كانت واقفة في مكانها من غير حراك تراقب الجثث والارواح والاحياء المفزوعين ---اختلط صياحهم بمزامير سيارات الاطفاء والاسعاف .
شقت طريقها بين الجموع راجعة الى البيت تنظر في عيون الناس الجافة من مدامعها ---فلا وقت للبكاء في لحظات المفاجئة فلحظات المكوث مع الذكريات كفيلة بفتح جرح الدموع ونزفها لبقية العمر---قهقهة الشيطان تقرع مسامعها مع تكبير الناس وتهليلهم --.
خلت البيوت من نصف سكانها --بقع الدماء الكثيرة تملأ الشارع تتوسطها اشلاء مقطعة لأناس كانت تعرفهم ---نقلت خطواتها الحافية بحذر وهي تسير بجانبها وكأنها تخشى ايقاضها حتى وصلت الى البيت بصعوبة وعقلها تعصف به الصور والحكايات ---ما اشبه الماضي بالحاضر وما ابعد الامل عن خيالنا كلما اردنا الرجوع الى نقطة البداية وجدنا اننا ننتهي هناك ---ليتنا تمكنا من تجزئة مكوناتنا البشرية كما تجزء القنابل اعضاءنا --لاخترنا فصل الكثير منها ورميها بعيداً عنا .
حاسة الجوع لولاها لما كان الحصار ---حاسة الخوف لو لم تكن موجودة لما تمكن السلطان منا ----لطالما تساءلت مع نفسها بم يشعر الارهابيون بعد كل فاجعة؟؟-- فتحاول ايجاد اجابة مقنعة ---ليس من المنطق ان يصبح كل شيء مثالي فلا حاجة للجنة بعدها ---او ان يكون كل شيء شرير حتى يضجر ابليس من الكسل----ذوبت الاحزان ارواحنا كما ذوبت القنابل الكيمياوية اجساد سكان الشمال ---ونخر الهم عظامنا ليكون دليلاً لمن يفتش عنا في المقابر الجماعية -----ما اكثر الضجيج وما ازعجه حينما يكون متناقضا ---اخبار موسيقى واغاني ---اخر التكنلوجيا ---وبنايات تهوي من اساس اركانها ---عيون تفتح لاول مرة ---ورؤوس تهوي من فوق ابدانها ---انفجارات لا تعطي عزرائيل مهلة من حصد الارواح --- وقصائد تغزل الحب والاشتياق من كوكب آخر.
كيف يعشق من لا يشعر بالحياة وكيف يخفق قلبه بالحب وصدره ممزق بشظايا الحروب وما زالت معدته متقلصة من جوع الحصار ؟.
[
هل يكفينا ان نتحسس نبض الوريد في معاصمنا كي نتأكد اننا على قيد الحياة؟؟؟.
هل يستطيع اوكسجين الحرية ان ينقي كريات الدم من اصفرار الخوف الذي اصبح الصبغة الاساسية له منذ عقد الثمانينات؟؟.
تعلمنا الحَبي على رُكَبِنا منذ الصغر ولم تستقم قاماتنا الا بعد سقوط الصنم .
مرت كل تلك الافكار في بالها وهي تقلب بزّة والدها العسكرية بعد رجوعها الى البيت جالسة في غرفة والديها الراحلين في تواريخ متفاوته لكن على يد مجرم واحد---تستمع الى صوت التلفاز الآتي من غرفتها المجاورة في الطابق العلوي والذي ثبتت اختيارها على قناة خليجية تبث الاغاني والقصائد في لحظة هدوء بعد صراع.
يتبع