فارس بلا جواد مشرف
تاريخ التسجيل : 18/09/2010
| موضوع: قصة لاعظم قائد في التاريخ الإثنين سبتمبر 20, 2010 11:30 am | |
| اعظم الفتوحات على مدار التاريخ - فتح مكة أعظم الفتوحات الإسلامية - فتح مكة 12-1-630م لكل شجرة بذرة, نبتت منها واينعت واشتد عودها...وان لشجرة الفتوحات الاسلامية التي تلت عصر النبوة بذرة مشرفة نبتت منها ...ألا وهي (فتح مكة) بقيادة قائد المجاهدين وامام الفاتحين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. تلك البذرة التي صبر عليها رسول الله ثمان سنوات وهو يرعاها ويهيئ لها الجو المناسب.. فبعد أن مكن الله لنبيه في الارض واعلن دولة الاسلام في يثرب, وشن حروب الدفاع والهجوم على أعدائه من مشركين ويهود وروم... كان الجو مناسبا للتوجه الى مكة التي قال عنها رسول الله وهو خارج منها: (والله انك لخير ارض الله, واحب ارض الله الى الله, ولولا أني أخرجت منك ما خرجت)... وفعلا توجه المصطفى عليه الصلاة والسلام في فترة منصرمة إليها لكنه عاد إلى يثرب بعد أن عقد صلحا اعتبر من اذكى وأفضل المعاهدات في التاريخ, فعلى الرغم من أن ظاهر الصلح فيه شيء من التنازل والذلة للمسلمين إلا انه عاد عليهم بفوائد جمة... وكان فتحا للمسلمين, كما جاء في قوله تعالى: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (سورة الفتح:1), وما روى عن ابن مسعود، رضي الله عنه، وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية.
لقد كان من بنود صلح الحديبية أن من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه, ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه, وان القبيلة التي تنضم الى اي الفريقين تعتبر جزءا منه, فاي عدوان عليها هو عدوان على من دخلت في عهده وعقده.. فدخلت قبيلة خزاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ودخلت قبيلة بنو بكر في عهد قريش, وقد كانت الحروب والعداوات بينهما منذ غابر الأزمان, فأضحت كل واحدة في مأمن من الأخرى بسبب تلك المعاهدة, ولكن حصل غدر من بني بكر, فخرج زعيمها نوفل بن معاوية في جماعة معه في شهر شعبان للسنة الثامنة من الهجرة فأغاروا على خزاعة ليلا وهم على ماء يقال له الوتير, فأصابوا منهم رجالا, وتناوشوا واقتتلوا, وأعانت قريش بني بكر بالسلاح, بل وقاتل رجال منهم مع بني بكر مستغلين ظلمة الليل, حتى حازوا خزاعة إلى الحرم, فقالت بنو بكر: يا نوفل إِلَهَكَ إِلَهَكَ, إِنَّا قد دخلنا الحرم, فقال كلمة عظيمة: لَا إِلَهَ لَهُ الْيَوْمَ يَا بَنِي بَكْرٍ,أصيبوا ثأركم, فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم, افلا تصيبون ثاركم فيه... انطلق عمرو بن سالم الخزاعي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة مستغيثا ومستنجدا فقال له عليه السلام: (نصرت يا عمرو بن سالم).. ثم عرضت له سحابة من السماء فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب... وسرعان ما أحست قريش بخطئها وغدرها, فخافت من عواقبه الوخيمة, فبعثت قائدها ابا سفيان ليجدد الصلح, وقد اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه بما ستفعل قريش إزاء غدرهم, فقال: (كأنكم بابي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة), وجاء أبو سفيان فعلا فدخل على ابنته ام المؤمنين ام حبيبة, فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه, فقال: يا بنية, ارغبت بي عن هذا الفراش, ام رغبت به عني؟ قالت رضي الله عنها: بل هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم, وانت رجل مشرك نجس, فقال: والله لقد اصابك بعدي شر... ثم خرج حتى أتى رسول الله فكلمه فلم يرد عليه شيء, ثم ذهب إلى أبي بكر ليكلم رسول الله فقال: ما أنا بفاعل, ثم أتى عمر فكلمه, فقال: أأنا اشفع لكم إلى رسول الله, فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به, ثم جاء عليا فقال له: انك امس القوم بي رحما, واني قد جئت في حاجة, فلا ارجعن كما جئت خائبا, اشفع لي إلى محمد, فقال: ويحك يا أبا سفيان, لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه, حينها أظلمت الدنيا في عيني أبي سفيان, فعاد أدراجه إلى مكة لم يصب مطلوبه, وبعد ذلك تجهز النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الصحابة بالجهاز, وأسر إلى ناس من أصحابه ذلك وأفشى في الناس أنه يريد غير مكة, وبعدها حضرت جموع كبيرة من قبائل جهينة وبني غفار ومزينة وأسد وقيس وبني سليم وقال: (اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها).. وزيادة في الاخفاء بعث سرية بقيادة ابي قتادة بن ربعي رضي الله عنه الى بطن اضم على ثلاثة برد من المدينة في اول شهر رمضان سنة ثمان للهجرة, ليظن الظان انه يتوجه الى تلك الناحية ولتذهب بذلك الاخبار... وهنا كتب حاطب بن ابي بلتعة رضي الله عنه الى قريش كتابا يخبرهم بمسير رسول الله إليهم ثم أعطاه امرأة وجعل لها جعلا على ان تبلغه قريشا, فجعلته في قرون راسها, ثم خرجت به, واتى الخبر من الله جل وعلا بما صنع حاطب, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير فقال: انطلقا حتى تاتيا روضة خاخ, فان بها ضعينة معها كتاب الى قريش, فانطلقا يسابقان الريح حتى وجد المراة بذلك المكان, فاستنزلاها, وقالا: معك كتاب؟ قالت: ما معي كتاب, ففتشا رحلها فلم يجدا شيئا, فقال علي: احلف بالله ما كذب رسول الله ولا كذبنا,والله لتخرجن الكتاب أو لنجردنك... فلما رأت الجد منه قالت: اعرض, فاعرض, فحلت رأسها فأخرجت الكتاب فدفعته إليهما, فأتيا به رسول الله فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش, يخبرهم بمسير رسول الله إليهم.. فدعا رسول الله حاطبا, فقال: ما هذا يا حاطب؟ قال : لا تعجل علي يا رسول الله, والله اني لمؤمن بالله ورسوله, وما ارتددت ولا بدلت, ولكني كنت امرءا ملصقا في قريش لست من أنفسهم, ولي فيهم أهل وعشيرة وولد, وليس لي فيهم قرابة يحمونهم, وكان من معك لهم قرابات يحمونهم, فأحببت إذ فاتني ذلك أن اتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي, فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله اضرب عنقه, فانه قد خان الله ورسوله, وقد نافق, فقال رسول الله : ( إنه قد شهد بدرا, وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر, فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم), فذرفت عينا عمر, وقال: الله ورسوله اعلم... وهكذا اخذ الله العيون, فلم يبلغ إلى قريش خبر خروج المسلمين إليهم, ولعشر خلون من شهر رمضان للسنة الثامنة غادر رسول الله المدينة متجها إلى مكة, في عشرة آلاف من الصحابة واستخلف على المدينة أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنِ بْنِ عتبة بن خلف الغفاري رضي الله عنه, ولما كان في الجحفة أو فوق ذلك لقيه عمه العباس بن عبد المطلب, وكان قد خرج بأهله وعياله مسلما مهاجرا... ثم لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابواء لقيه ابن عمه ابو سفيان بن الحارث وابن عمته عبد الله بن ابي امية, فاعرض عنهما, لما كان يلقاه منهما من شدة الاذى والهجر, فقالت له ام سلمة رضي الله عنها: لا يكن ابن عمك وابن عمتك اشقى الناس بك.. وقال علي بن ابي طالب لأبي سفيان: ائت رسول الله من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} (سورة يوسف: 91) فانه لا يرضى ان يكون احد احسن منه قولا, ففعل ذلك ابو سفيان, فقال له رسول الله: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (سورة يوسف: 92).... ثم أنشد أبو سفيان شعرا...فضرب رسول الله صدره وقال: (أنت طردتني كل مطرد)... فاسلم وحسن اسلامه, ويقال: انه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اسلم حياءً منه, وكان رسول الله يحبه... وواصل رسول الله سيره وهو صائم والناس صيام حتى بلغ الكديد فافطروا, وبعد أن افطر الناس واصل رسول الله المسير حتى بلغ الظهران عشاءً, فأمر الجيش أن يوقدوا النيران, فاوقدت عشرة الاف نار, وفي الصباح من السابع عشر من رمضان.. غادر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظهران الى مكة حيث التقاه هناك أبو سفيان وأعلن إسلامه.. وطلب العباس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لأبي سفيان شيئا لأنه رجل يحب الفخر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن, ومن أغلق عليه بابه فهو آمن.. ومن دخل المسجد فهو آمن).. وأمر النبي العباس أن يحتجز أبا سفيان بن حرب وقد جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم بمضيق الوادي عند خطم الجبل, حتى تمر به جنود الاسلام فيراها.. ففعل ذلك فمرت القبائل على راياتها, كلما مرت قبيلة قال ابو سفيان: يا عباس من هؤلاء؟ فيقول: قبيلة كذا, فيقول: مالي ولها... حتى نفدت القبائل, فمر به رسول الله في كتيبته الخضراء, فيها المهاجرون والانصار, لا يرى منهم الا الحدق من الحديد, قال: سبحان الله يا عباس, من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار, فقال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة, ثم قال: والله يا ابا الفضل لقد اصبح ملك ابن اخيك اليوم عظيما, قال العباس: يا أبا سفيان, إنها النبوة, قال: فنعم اذن... والتفت العباس إلى أبي سفيان وكان قد اتفق مع رسول الله على كل خطوة يخطوها, فقال: النجاء إلى قومك.. أي اذهب وانقل الصورة التي شاهدتها اليوم إلى قومك - وهذه هي الحرب الإعلامية والنفسية - فأسرع أبو سفيان بن حرب حتى دخل مكة فصرخ باعلى صوته: يا معشر قريش, هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به.. فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن, قالوا له: قاتلك الله, وما تغني عنا دارك, قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن, ومن دخل المسجد فهو امن, فتفرق الناس الى دورهم وفي المسجد... وتجمع سفهاء قريش واخفاؤها حينها مع عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن امية وسهيل بن عمرو بالخندمة ليقاتلوا المسلمين, ونزل رسول الله بذي طوى وكان يضع راسه تواضعا حين راى ما أكرمه الله به من الفتح, حتى ان شعر لحيته ليكاد يمس رحله, وهناك وزع جيشه على عدة أقسام: فجعل على الميمنة خالد بن الوليد رضي الله عنه, وفيها: اسلم, وسليم, وغفار, ومزينة, وجهينة, وقبائل أخرى, فأمره أن يدخل مكة من أسفلها وقال: إن عرض لكم احد من قريش فاحصدوهم حصدا, حتى توافوني على الصفا.. وجعل على الميسرة الزبير بن العوام وكان معه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأمره أن يدخل مكة من اعلاها من كداء, وان يغرز رايته بالجحون, ولا يبرح حتى ياتيه... وجعل ابو عبيدة عامر بن الجراح على المهاجرين الرجالة ولا سلاح لهم, وأمره أن يأخذ بطن الوادي ويدخل من الشمال الغربي لمكة, حتى ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم... وجعل سعد بن عبادة على الأنصار وأمره أن يدخل مكة من الغرب... وفي يوم 20 رمضان عام 8هـ طبقت الخطة النبوية بحذافيرها وتحركت الجيوش, فدخلوا مكة من كل جانب مكبرين ومهللين تعلوهم الهيبة والعزة والفخر, وعلى رأسهم إمام الفاتحين نبي الرحمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مطأطئا رأسه.. ولم يلق المسلمون أي مقاومة سوى كتيبة خالد حيث لقي سفهاء قريش بالخندمة فناوشهم شيئا من قتال, واصابوا منهم اثني عشر رجلا فانهزم المشركون.. بينما استشهد اثنان من المسلمين وهما كرز بن جابر الفهري وخنيس بن خالد بن ربيعة والسبب كان سلوكهما طريقا مختلفة عن طريق خالد... وأكمل سيف الله طريقه يجوس مكة حتى وافى نبي الله على الصفا.. وتقدمت كتيبة الزبير حتى نصبت راية رسول الله بالجحون عند مسجد الفتح, وضرب له هناك قبة, فلم يبرح حتى جاءه رسول الله, ثم نهض رسول الله والمهاجرون والانصار بين يديه وخلفه وحوله - في منظر يصعب على عقولنا المتحجرة التي تعودت صور الذلة والمهانة أن تتصوره - حتى دخل المسجد فاقبل على الحجر الاسود فاستلمه. ثم طاف بالبيت وفي يده قوس, وكان في البيت وحولهثلاثمائة وستون صنما, فجعل يطعنها بالقوس ويتلو قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} (سورة الإسراء: 81), وقوله تعالى: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (سورة سبأ: 49)... والأصنام تتساقط على وجهها - بابي أنت وأمي يا رسول الله يا إمام الفاتحين, فكم من صنم في هذا الزمان يرنو إلى قوسك الطاهر ليخر صريعا على وجهه في الثرى, اصنام الاراء والافكار المسعورة, اصنام العلمنة والحداثة, اصنام النعيق والتبعية واللهث وراء الغرب الكافر, الا كم من صنم في هذا الزمان لا يسجد له ولا يتمسح به, لكنه اشد على الاسلام من ألف صنم وحجر- كان طوافه عليه الصلاة والسلام على راحلته, فلما اتمه دعا عثمان بن طلحة, فاخذ منه مفتاح الكعبة, فأمر بها ففتحت فدخلها, فرأى فيها الصور والأصنام, فكسر الأصنام وأمر بالصور فمحيت, ثم اغلق عليه الباب ومعه اسامة وبلال رضي الله عنهما.. فبعد التطهير المادي جاء وقت التطهير المعنوي.. حيث صلى في الكعبة ثم دار في البيت وكبر في نواحيه ووحد الله, ثم فتح الباب, وقريش قد ملأت المسجد صفوفا.. فهم بحسب أوامر أبو سفيان إذا دخلوا المسجد فهم امنون.. وهي خطوة ذكية من النبي عليه الصلاة والسلام ليضمن تجمع اغلب اهل مكة في المسجد ليسمعوا كلامه.. العيون تحدق بالفاتح الجديد.. ورجل الكلمة الجديد.. والاذان تصغي الى شفاهه الشريفة.. ماذا يصنع؟.. فقال بأبي هو وأمي: ( لا اله الا الله وحده لا شريك له, صدق وعده, ونصر عبده, وهزم الاحزاب وحده, الا كل ماثرة او مال او دم فهو تحت قدمي هاتين الا سدانة البيت وسقاية الحاج, الا وقتيل الخطأ شبه العمد, بالسوط والعصا, ففيه الدية مغلظة, مائة من الابل ..اربعون منها في بطونها اولادها, يا معشر قريش ان الله قد اذهبب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالاباء, الناس من ادم, وادم من تراب ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات: 13).. ثم قال باسلوب المنتصر القوي: ( يا معشر قريش ما ترون اني فاعل بكم؟) قالوا وهم خائفين من مصير مجهول: خيرا, أخ كريم وابن أخ كريم - الآن يا قريش وقد كفرتم من قبل؟ فسبحان الله مغير الأحوال - قال عليه الصلاة والسلام: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) - أنتم الطلقاء رغم ما فعلتم بالنبي وأصحابه, قتل وتهجير وتعذيب وسرقة الأموال والحصار في الشعب, لكنه نبي الرحمة الذي أرسله الله جل وعلا رحمة للعالمين - ثم جاءه علي بن ابي طالب وطلب منه أن يجمع لهم الحجابة مع السقاية.. أي قصد أن تسحب من عثمان بن طلحة وتعطى لبني هاشم.. فقال رسول الله: (أين عثمان بن طلحة؟) فدعي له, فقال له: ( هاك مفتاحك يا عثمان, اليوم يوم بر ووفاء, خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. يا عثمان, ان الله استامنكم على بيته, فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف).... حانت الصلاة, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنه بلال أن يصعد فيؤذن على الكعبة.. واثناء تسلقه كان ثلاثة من زعماء قريش ينظرون إليه بألم وحزن بما حل بهم من الهزيمة...وهم ابو سفيان وعتاب بن اسيد والحارث بن هشام.. فقال عتاب: لقد اكرم الله اسيدا ان لا يكون سمع هذا, فيسمع منه ما يغيظه, فقال الحارث: اما والله لو اعلم انه حق لاتبعته... فقال ابو سفيان: اما والله لا اقول شيئا, لو تكلمت لاخبرت عني هذه الحصباء.. فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفت إليهم وقال: (قد علمت الذي قلتم) ثم ذكر لهم ذلك.. فدهش زعماء قريش فقال الحارث وعتاب: نشهد انك رسول الله, والله ما اطلع على هذا احد كان معنا, فنقول: اخبرك... انقضى يوم الفتح الذي نستذكره.. ولكن هذا الفتح يختلف عن كل فتح ذكرناه في سلسلتنا الطويلة, فتفصيله قد يحتاج منا لأيام طويلة.. لانها دروس وعبر.. لمن كان له لب, فهل من مدَّكر؟... بعد انتهاء يوم حافل من اروع ايام المسلمين... دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على دار بنت عمه أم هانئ بنت أبي طالب, والتي أجارت حموين لها أراد أخوها علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتلهما, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أجرنا من أجرت يا ام هانئ).. فاغتسل وصلى ثماني ركعات في بيتها وكانت صلاة الفتح. ولما كان اليوم الثاني قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرا في الناس خطيبا, فحمد الله وأثنى عليه ومجده بما هو أهله, ثم قال: (أيها الناس, إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض, فهي حرام بحرمة الله الى يوم القيامة, فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما او يعضد بها شجرة, فان احد ترخص لقتال رسول الله فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم ياذن لكم, وانما حلت لي ساعة من نهار, وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس.. فليبلغ الشاهد الغائب).. ولما تم الفتح قال الأنصار فيما بينهم: أترون رسول الله اذ فتح عليه ارضه وبلده ان يقيم بها.. وكان عليه الصلاة والسلام على الصفا رافعا يديه فلما فرغ من دعائه قال: ماذا قلتم؟ قالوا: لا شيء يا رسول الله, فلم يزل بهم حتى اخبروه.. فقال لهم قولا هو اعظم ما سمعه أنصار لنبي من النبيين والمرسلين وشهادة للأنصار إلى يوم القيامة: ( معاذ الله, المحيا محياكم, والممات مماتكم ) - صلى الله عليك يا حبيب الله -... ثم أخذ رسول الله البيعة على الرجال بالسمع والطاعة فيما استطاعوا, ثم أخذ البيعة على النساء فقال: (أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين...), فقاطعته هند بن عتبة قائلة: أوَ تزني الحرة؟ - نعم يا هند لو عادت لك الحياة اليوم لعلمت صدق رسول الله, نعم تزني الحرة وليس هذا وحسب بل ستكون بضاعة رخيصة تباع وتشترى بثمن بخس, إنها الحرة يا هند, ومن كلام تلك المرأة نعلم ان الزنا كان مختفيا في ذلك المجتمع وهو مجتمع جاهلية وكفر, فكيف انتشر الزنا في مجتمع تعلوه اصوات الاذان والتكبير بل وفيه العلم والعلماء؟ - أكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه فقال: (ولا يقتلن أولادهن), هنا قاطعته هند مرة أخرى فقالت: وهل تركت لنا أولادا نقتلهم ؟- وهنا نقول لو أن ملكا أو رئيسا تحدث بخطاب وقاطعته امرأة .. وليست اي امراة.. انها امراة جديدة على ملكه.. ولو قاطعته لمرة واحدة فقط لكان سببا كافيا لسجنها أو لقطع رأسها..لكنه الاسلام ...لكنه رسول الله.. يعلن أن حرية التعبير منوطة بالجميع.. فاعرابي يسحبه من عنقه.. ويهودي يسبه.. ورومي يهزأ به.. وهكذا كان رسول الهدى رؤوف رحيم ... كلام خطير من هند في هذه اللحظات حيث اعلنت انها لا تزال تذكر من قتل من اقاربها في معارك الكفار مع المسلمين.. أكمل النبي حديثه وقال: (ولا يأتين ببهتان) فقالت: والله ان البهتان لامر قبيح, وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق, فقال: (ولا يعصينك في معروف).. فقالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي انفسنا ان نعصيك.. فلما رجعت لبيتها كسرت صنمها وقالت له مخاطبة: (كنا منك في غرور)... ثم أقام عليه الصلاة والسلام بمكة تسعة عشر يوما يجدد معالم الاسلام, ويرشد الناس الى الهدى والتقى, وبث سراياه للدعوة الى الاسلام, ولكسر الاوثان التي حول الكعبة, فكسرت كلها, ونادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدع في بيته صنما الا كسره.. وقبل الختام والسكوت عن الكلام في أحداث تلك الأيام.. نتطرق الى اولئك النفر الذين امر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتلوا ولو وجدوا على استار الكعبة معلقون.. · عكرمة بن ابي جهل: وهو الذي امنه رسول الله بعد اسلام زوجته ام حكيم وتشفعها له, وصار له دور كبير في قتال المرتدين, وله موقف مشهور في معركة اليرموك قبل ان يستشهد فيها.. · عبد الله بن خطل: ادرك وهو متعلق باستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر, فسبق سعيد عمارا وكان اشب الرجلين فقتله. · مقيس بن صبابة: قتله نميلة بن عبد الله, وكان قد اسلم قبل ذلك ثم عدا على رجل من الانصار فقتله, ثم ارتد ولحق بالمشركين.. · عبد الله بن سعد بن ابي السرح: لجأ الى عثمان بن عفان رضي الله عنه, وكان أخوه من الرضاعة, فتشفع له لدى النبي صلى الله عليه وسلم فعفا عنه, ويقال ان النبي عفا عنه ممتعضا لانه كان قد اسلم قبل الفتح وهاجر ثم ارتد ورجع الى مكة, وصار عبد الله بن سعد هذا, من كبار الفاتحين.. فجعله عمر بن الخطاب واليا على الصعيد السوداني, وجعله عثمان واليا على مصر.. وهو صاحب معركة ذات الصواري المشهورة ضد الروم.. · الحارث بن نفيل بن وهب: كان شديد الاذى لرسول الله بمكة, فقتله علي.. · هبار بن الاسود: هو الذي عرض على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجرت, فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها, ففر هبار يوم مكة ثم اسلم وحسن اسلامه.. · قينتان لابن الاخطل: كانتا تتغنيان بشتم النبي صلى الله عليه وسلم... حيث قتلت احداهما.. واستؤمن للأخرى فأسلمت. · سارة (على المشهور من الأقوال) وهي مولاة لبعض بني عبد المطلب: هي التي وجد معها كتاب حاطب والتي استؤمنت وأسلمت... في نهاية ذكرانا لتلك الحادثة المهمة التي لا زالت يستذكرها بعض المسلمون هنا وهناك لشهرتها ... نذكر بعض من الدروس والعبر التي قد تخفى على البعض: 1. الاخذ باسباب الفتح والنصر: وهذا وجدناه بعد 8 سنوات من اقامة الدولة الاسلامية وتعزيز اركانها.. 2. الوفاء بالعهود واداء الأمانات: وهذا ما كان من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة بني خزاعة وعدم قبول اي عذر من قريش على حساب دماء الحلفاء.. وكذا ما كان من إعادة النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة الى عثمان بن طلحة بعد ان اخذه ورفض تسلميه لابن عمه علي بعد ان طلبه منه.. 3. الولاء للإيمان والبراءة من الكفر: وهذا ما وجدنا في حداثة طي فراش رسول الله عن ابي سفيان عندما دخل على ابنته زوجة رسول الله ام حبيبة حيث قالت له: انك مشرك نجس.. كما رفض علي بن ابي طالب الوساطة له عند رسول الله رغم انه ذكره بالرحم.. 4. الاستسلام لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: حيث رفض الصحابة أي تدخل في تعديل أوامر القيادة النبوية في التحرك تجاه مكة رغم توسل ابو سفيان بهم.. كما شاهدنا ان كتيبة خالد لما شذ منها اثنان من الجنود قتلا من فورهما بسبب سلوك طريق مختلف عن الطريق الذي حددته القيادة العامة.. 5. التكتيك العسكري والحرص على السرية والكتمان بتمويه الأخبار: لقد اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب في تحركه نحو مكة فقد ارسل ابو قتادة بن ربعي باتجاه مختلف عن اتجاه مكة كي تتناقل عيون قريش الاخبار المتضاربة في هذا الامر.. كما شاهدنا التكتيك العسكري في دخول مكة من الشمال والجنوب والغرب والشمال الغربي حتى يضمن عدم وجود الكمائن ولقمع كل مقاومة ممكن حصولها... 6. سعة الصدر والحلم عند القيادة: وشاهدناها في حادثة حاطب ورسالته الشهيرة إلى قريش وكيف أن رسول الله رفض اي محاولة لقتله من عمر, وكيف عامله برفق واستمع الى الاسباب التي دفعته لذلك.. وأيضا ما كان في لقائه بابن عمه وابن عمته أثناء توجهه إلى مكة حيث لم يلتفت إليهما ولكنه صلى الله عليه وسلم استمع الى رأي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وعفا عنهما.. 7. استخدام الحرب النفسية والإعلامية: وهذا ما شاهدناه في اشعال النيران بكثافة في الوديان لكي يدخل الرعب في قلوب المشركين, كما شاهدناه أيضا في الاستعراض العسكري الذي قامت به الكتائب والقبائل امام أبو سفيان خارج مكة, وبهذا عاد أبو سفيان محذرا من القتال والمقاومة لما شاهده من قوة عسكرية كبيرة.... 8. تواضع الفاتحين: وهذا ما شاهدناه في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مطأطئا رأسه إلى مكة حتى يكاد رأسه يمس ظهر راحلته تواضعا لله تعالى على فضله ومنته.. 9. إزالة معالم الكفر: وهذا ما شاهدناه عندما أزال نبي الله عليه الصلاة والسلام 360 صنما كانت في مكة ومسح الصور و غيرها من الخزعبلات وكسرها بيده وهو يكبر ويحمد... وجعلها سنة لمن بعده من الفاتحين أن يزيلوا كل معالم الكفر التي كانت قبل الفتح - ولكننا نجد المسلمين يدخلونها اليوم الى بيوتهم وهم عنها ساهون وغافلون-. 10. العفو عند المقدرة: وهذا ما ظهر بعد الفتح في قوله صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)... فكان حقا أخ كريم وابن أخ كريم... وهذا ما لم يفعله في التاريخ أحد قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم... فكانت سنة للفاتحين من بعده.. كما أن عفوه عن البعض امثال عكرمة بن ابي جهل وعبد الله بن سعد كان له دور كبير في الفتوحات الاسلامية والمعارك الكبرى الفاصلة بين المسلمين وأعدائهم... 11. احترام النساء واداء حقوقهن: وهذا ما تكرر في هذا اليوم المهيب.. فقد استمع رسول الله الى ام المؤمنين ام سلمة بما يخص ابن عمه وابن عمته.. كما اجار من اجارت ام هانئ بنت عمه عندما أوى إليها حموين لها... كما انه صلى الله عليه وسلم لم يعترض على مقاطعة المرأة الحديثة الإسلام هند بنت عتبة وهي قاتلة عمه, ومع كل هذا فقد قاطعت خطابه عدة مرات من دون أن يغضب أو ينفعل.. 12. الوفاء لأصحاب النصرة: بعد أن تم الفتح واستقر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة داعيا الى الله تعالى خشي الأنصار من مكوثه فيها إلى الأبد لكنه قال لهم : ( المحيا محياكم والممات مماتكم )، وعاد معهم الى يثرب عاصمة الدولة الإسلامية.
وصلى الله وسلم وبارك على إمام الموحدين الفاتحين المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين. ونسأله تعالى أن يعز الإسلام وأهله, وأن يذل الشرك وأهله, وأن يمن علينا بنصر من عنده, إنه سميع مجيب. | |
|