جمِّلْ نفسك بالخلق الحسن كما تجمل مظهرك باللباس الحسن ، واحرص على أن تربي ابنك ونفسك التربية المثلى ، وهل أفضل من الأدب الحسن ؛ ما نحل والد ولداً من نحل أفضل من أدب حسن ، ولربما كانت البسمة مفتاح لما صعب عليك فتحه ، وعلامة على أدبك الحسن ، وعلى الرغم من هذا نجد أن معظم ابتساماتنا تبدأ بابتسامة شخص آخر ، فلما لا نكون نحن من يبادر بهذه النعمة ، وقد يقول قائل : التبسم يزيل المهابة فأجبه :
والجد يكسو الوجه منك مهابة وكذا التبسم للقلوب ضياها
فاجعلن بينهما لنفسك مسلكاً وانفذ بنفسك من شرور هواها
ولربما حال دون التبسم حائل كسوء تفاهم أو نحوه أو وشاية ونحوها ،حينئذٍ لابد للتسامح من موطئ قدم ، واعلم أن التسامح من السهولة ما يصعب على النفوس أن تبادر به ، إلا النفوس الكبار ، فالنفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح .. ، ومن صلاح الشأن أن يبدأ الإنسان بنفسه قبل غيره ، من تقويم ونقدٍ وتصويب وملاحظة ،فإذا كان هذا فإنه عين الصواب . قيل :
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
واخلع أخي الكريم على نفسك ثوب التجريب وعدم القول إنه ليس بمقدورك فعل هذا أو القيام بذاك .
وإن حدثتك النفس إنك قادر على ما حوت أيدي الرجال فجرِّبِ
غير أنه لا يتم شيء بغير تخطيط ، لذا نرى الفشل عند بعض الناس ، فهم لا يقصدون الفشل أو يتلذذون به ؛ لا يعقل هذا ، يفشلون في التخطيط السليم ، الناس لا يخططون من أجل الفشل ولكنهم يفشلون في التخطيط ، ومن أصول التخطيط والتنفيذ أن لا تجعل التشاؤم يتسرب إلى عقلك مطلقاً ، إذ لا فائدة تروها من وجوده ، فالمتشائم لا ينظر إلا بعين الفشل والسوء ، وبعين النقيصة ولا يرى من الليل إلا ظلامه ، فلا يرى النجوم والقمر والسمر والهدوء ، فإياك والمتشائم ، واهرب منه ما كان الهروب ممكناً ، والأفضل من الهروب أن تزيل تشاؤمه ما استطعت ، كي ينظر إلى الدنيا بعين الفأل ،قيل :
وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ
،واجعل أيها القارئ من قطرة الماء مثالاً للتصميم ، فإن نقطة الماء المستمرة تحفر عمق الصخرة ، فالمثابرة والصبر أمران لا غنى لك عنهما لتحقيق مأربك وتكوين كيانك ، وبناء صرحك :
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ولا تعيقك الشدائد والمصاعب عن تحقيق أمانيك ، كي لا تبقى على هامش الحياة فتكون زائداً على الدنيا .
ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
وربما يرى بعض الذين تخونهم إرادتهم وفيصل حزمهم أن القعود عن الحاجات إنما هو عقل وروية .
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وكل ما يعترض الرجل يحتاج إلى شجاعة :
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
وأساس الشجاعة أن يكون المرء ذا تقوى ؛ فقد قيل :
واتق الله فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل
ليس من يقطع طرقاً بطلا إنما من يتقي الله البطل
وثمة أمر في الأهمية غاية ، وهو الطموح ، فالطموح هو الذي يقودك إلى رتبٍ عليا ، لذا يجب أن يكون القلب بحجم الطموح كما ينبغي للطموح أن يكون صلباً ،
وقيل :
وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ
وقيل :
مَن كانَ مَرعى عَزمِهِ وَهُمومِهِ رَوضُ الأَماني لَم يَزَل مَهزولا
وليتخلق الإنسان بأحسن الخلق وأقومه ،ولا خلق كالكرم والجود ، قيل :
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
واعمل على أن يكون لك موطئ قدم في صنائع المعروف والخير ،ولا تتردد في أمر يقودك إلى المكرمات والإحسان
مَن يَفْعل الخيرَ لا يَعْدَم جَوازِيَه لا يَذْهبُ العُرْفُ بين الله والناس
وقيل أيضاً :
مَنْ كانَ للخَيرِ مَنّاعاً فليسَ لَهُ على الحَقِيقَةِ إخوانٌ وأخْدانُ
وهذا كله لا يأتي إلا من خلال النفوس السليمة ، والنفوس السليمة لا تكون إلا بالترفع عن النقائص ،
وَإِذا النُفوسُ تَطَوَّحَت في لَذَّةٍ كانَت جِنايَتُها عَلى الأَجسادِ
وحفظ اللسان نصف المعروف ، بل المعروف كلهوإذا لم تستطع أن تفيد غيرك بفعلٍ ما فاعمل على إفادته بتركك ما يضره :
إِنّا لَفي زَمَنٍ تَركُ القَبيحِ بِهِ مِن أَكثَرِ الناسِ إِحسانٌ وَإِجمالُ
فعليك بأن تجعل لكل كلمة ميزاناً تمر عليه ، فمقتل الرجل بين فكيه ،
ومن كثر كلامه قل احترامه ، والصمت من شيم الأكارم ، فلا يقل أحدنا إلا ما هو خير وصحيح ، من عادتي أن أسكت عما أجهله ،ومن أروع ما قيل : لا أدري، ونصف العلم قول لا أدري ، ولتجعل أخي من عاداتك أن لا تشكو لأحدٍ ، فلا مفرج غير الله ، وثمة أشياء يحبب كتمانها من كنوز البر كتمان المرض والمصائب والصدقة ، والهموم لا تدوم
وَكُلُّ الحادِثاتِ إِذا تَناهَت فَمَوصولٌ بِها فَرَجٌ قَريبُ
ولا تسلم أمرك لحسن النوايا دائماً ، إذ إن النفوس ليست واحدة ، ولربما يؤخذ الانسان وهو في غفلة أو حسن نية ، فيجر إلى أمورٍ لم تكن لتحدث لو أنه كان منتبهاً وحذراً ، فالحذر مطلوب ،
وحسنُ ظَنِّكَ بالأيام مَعْجَزَةٌ فظُنَّ شَرّاً وكنْ منها على وَجَلِ
وقيل : النية الحسنة عذر التصرف الأحمق
ولتكن لين الجانب فإن من لانت كلمته وجبت محبته ، ولا تؤخذ الأمور بغير الرفق فاليد اللينة تقود الفيل بشعرة ، الناس رجلان: رجل ينام في الضوء .. ورجل يستيقظ في الظلام ، ولا يحسن بك الترفع إلا على ما يحط من قدرك ، أما أن يكون ترفعك على غيرك لأجل مكانة أو مادة أو منصب أو لا شيء فهذا ربما ما يدخلك في قول القائل:
يَستَخشِنُ الخَزَّ حينَ يَلمُسُهُ وَكانَ يُبرى بِظُفرِهِ القَلَمُ
فتبعد إذ ذاك عن أجلِّ الصفات وأرفعها ، وهي التواضع ، ومن هو المتواضع ، العالم متواضع ، القوي متواضع ، الكريم متواضع ، الشجاع كذلك ، الغني أيضاً ، كل هؤلاء وما كان في مسلكهم وسمتهم فهو متواضع ، أما المترفع الذي ينظر بتكبر وترفع وتعالي فهو كل صغير قدر يشعر بالنقيصة والدونية ، قليل العلم ، فارغ ، قيل :
ملأى السنابل ينحنين تواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ