[center]بعد 21 سنة من زواجي ...وبعد أن غص المنزل بالأبناء, وتتابعت السنون إثر السنون..وكادت جذوة الحب أن تطفئها روتينيّة الحياة ورتابة المعيشة..
كان لي مع الحُب موعدُ جديد..ولقاءُ فريد..نسيت فيه الزوجة والبنين وطار بي إليها الحنين!
هتف في سمائي منادي الحب, وجذبتني جواذبه على غير العادة.. وإن كان شيئاُ غريباً عند بعضكم أن أخرج مع امرأةٍ جميلة غير امرأتي!!
فليس بالغريب أن أحنُ للتي حملتني كرها وسهرت على رعايتي صغيراً.
إنها أُمي التي ترملت منذ 19 سنة..
ليس بالغريب ان أعود لتلك التي لم يبق لها من شبابها حتى سواد شعرها, الذي استحال بياضاً يحكي هوان الدنيا وسرعة زوالها..
أميّ..
ولكن مشاغل العمل وحياتي اليومية 3 أطفال وبعض المسؤوليات جعلتني لا أزورها إلا نادراً
وفي يوم..
اتصلت عليها ودعوتها إلى العشاء!
سألتني ( حيث لم تعتد على مكالماتٍ متأخرهـ من هذا النوع ) :
"هل أنت بخير يابني؟ "
قلت لها:
"نعم بخير.. ولكني أريد أن أقضي وقتاً معك يا أمي ".
قالت: "نحن فقط !!!" فكرت هي قليلاً ثم قالت: "أحب ذلك كثيراً".
في يوم الخميس وبعد العمل ، مررت عليها وأخذتها.
كانت تنتظر عند الباب مرتدية ملابس جميلة ويبدو أنه آخر فستان قد اشتراه أبي قبل وفاته, فلم تعد للدنيا في فمها طعماً ولم يعد لها في وجهها نضارة, منذ أن كسفت شمس حبيبها أبي رحمه الله منذ 19 عام.
ابتسمت أمي كملاكٍ.. وقالت: " قلت للجميع أنني سأخرج اليوم مع ابني، والجميع
فرح، وينتظرون ما سأقصه عليهم بعد عودتي"
ذهبنا إلى مطعم غير عادي..جميل وهادي..
بعد أن جلسنا بدأت أقرأ قائمة الطعام حيث أنها لا
تستطيع قراءة إلا الأحرف الكبيرة. وبينما كنت أقرأ كانت تنظر إلي
بابتسامة عريضة على شفتاها المجعدتان وقاطعتني قائلة:
"كنت أنا من أقرأ لك وأنت صغير".
أجبتها: "حان الآن موعد تسديد شيء من ديني بهذا الشيء .. ارتاحي أنت يا أماه "
تحدثنا كثيراً أثناء العشاء لم يكن هناك أي شيء غير عادي، قصص الحياة التي ما زالت تسير بنا إلى النهاية نهايتها المحتومة المعلومة, تذكرنا مراتع الصبا وشمس الطفولة, ذكرتني باحتضانها لي وتقبيلها إياي مع إشراقة كل صباح قبل ذهابي للمدرسة, تذكرنا ضحكنا ودموعنا, وفرحنا وحزننا..تذكرنا أبي الراحل رحمه الله رحمةً واسعة.. سرقنا الوقت! فما أحسسنا إلا بعد أن انتصف الليل .
خرجنا من المطعم..وعندما وصلنا إلى باب بيتها قالت: "أوافق أن نخرج سوياً مرة أخرى، ولكن على حسابي".
فقبلت يدها وودعتها
وهمس في أُذني هامس: " لعلك لا تلقاها بعد يومك هذا!! "
وبعد عدة أيام وصلني عبر البريد ورقة من المطعم
الذي تعشينا به أنا وهي مع ملاحظة مكتوبة بخط يدها: "دفعت الفاتورة
مقدماً كنت أعلم أنني لن أكون موجودة، المهم دفعت العشاء لشخصين لك
ولزوجتك. لأنك لن تقدر ما معنى تلك الليلة بالنسبة لي أحبك يا ولدي "
قرأتها وكأنها قد كُتبت بالدموع..وكأن قلبي قبرها وكأنها في طيّه سرٌ من الأسرارِ.
لقد رحلت أمي عن الدنيا بعد ليلتنا تلك بليال معدودة, بعد أن جلسنا آخر جلسة وابتسمت آخر ابتسامة وقبلتها آخر قُبلة, لقد صدق ذلك المنادي : فلعلي لا ألقاك يا أمّي بعد تلك الليلة!!..وكان.
أصابتها نوبة قلبية فواريناها الثرى..تمنيت لو افتديها بعمري, تمنيت لو أن الأرواح تُهدي لرضيت بان أرحل دونها وان أموت دونها وأن أسقى كأس الممات قبل أن أتجرع سُم فراقها..رحمها الله رحمةً واسعة.
هيهات..قد علقتك أشواق الردى ** واغتال عُمرك قاطعُ الأعمار
وداعاً ياضياء العمر..وداعاً ياريحانة الدنيا..وداعاً يا من اسودت الحياة برحيلها واظلم الكون بفقدها.. اللهم اغفر لي تقصيري في حقها, واجمعني بها في جنتك يا رحيم..واغفر لنا تقصيرنا في حق آباءنا وأمهاتنا.
الأم..
والأب..
ماذا تنتظر..أخي القاري؟
. إمنحهم الوقت الذي يستحقونه والحق الذي يستحقونه .. فهو حق الله وحقهم!
والله إن لحقت أُمّك بأمي لتذرفن الدمع على أن لم توفها حقها.. ولن ترد الدموع أمك حينها.
حفظكم الله..[/center
منقووووووووووول