ففي الصحيحين عن عمرو بن عوف أن رسول الله صلي الله عليه وسلم " بعث أبا عبيدة بن الجراح إلي البحرين يأتي بجزيتها , وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم صالح أهل البحرين , وأمَّرَ عليهم العلاء بن الحضرمي , فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين, فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة , فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلي الله عليه وسلم , فلما صلَّي رسول الله صلي الله عليه وسلم انصرفوا فتعرضوا له , فتبسم رسول الله صلي الله عليه وسلم حين رآهم , ثم قال : أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشئ من البحرين ؟ فقالوا : أجل , يارسول الله , فقال أبشروا , وأمِّلوا ما يسركم , فوالله ما الفقر أخشي عليكم , ولكن أخشي عليكم : أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت علي من كان قبلكم , فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " ( البخاري : 4/117, ومسلمفي : الزهد6 , والترمذي (2462) , وأحمد : 4/137 0
فقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم : أنه لا يخاف علي أمته فتنة الفقر , وإنما يخاف بسط الدنيا وتنافسها وإهلاكها , وهذا هو الاستمتاع بالخلاق , المذكور في الآية 0
وفي الصحيحين : عن عقبة بن عامر رضي الله عنه : أن النبي صلي الله عليه وسلم " خرج يوماً فصلي علي أهل أحد صلاته علي الميت , ثم انصرف إلي المنبر فقال : إني فرط لكم , وأنا شهيد عليكم , وإني والله لأنظر إلي حوضي الآن , وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض , أو مفاتيح الأرض , وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي, ولكن أخاف عليكم : أن ننتافسوا فيها – وفي رواية – ولكني أخشي عليكم أن تنافسوا فيها , وتقتتلوا , فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم . قال عقبة : فكان آخر ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المنبر " . [البخاري في : الجنائو , ب(73) , ومسلم في : الإمارة, حديث (10) , والنسائي في : الجنائز,ب(61), وأحمد:4/149 0
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخضري – رضي الله عنه قال : " جلس رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المنبر , وجلسنا حوله , فقال : إن مما أخاف عليكم بعدي : ما يفتح من زهرة الدنيا وزينتها , فقال رجل : أو يأتي الخير بالشر يارسول الله ؟ قال : فسكت عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم , فقيل : ما شأنك تكلم رسول الله ولايكلمك ؟ قال : ورأينا أنه ينزل عليه , فأفاق يمسح عنه الرحضاء , (والرحضاء : عرق يغسل الجلد لكثرته , وكثيراً ما يستعمل في عرق الحمي والمرض ) وقال : أين السائل ؟ وكأنه حمده , فقال : إنه لا يأتي الخير بالشر – وفي رواية فقال : أين السائل آنفاً؟ أو خير هو ؟ ثلاثا – إن الخير لا يأتي إلا بالخير , وإن مما ينبت الربيع , ما يقتل حبطاً أو يلم إلا الخضر , فإنها أكلت حتي إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس , فثلطت وبالت , ثم رتعت , وإن هذا المال خضر حلو , ونعم صاحب المسلم هو, لمن أعطي منه المسكين واليتيم وابن السبيل – أو كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم – وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع , ويكون عليه شاهداً يوم القيامة ".[ البخاري في : الزكاة , ب(47) , ومسلم في : الزكاة , حديث (121,122), وأحمد : 2/208 0
وروي مسلم في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : إن الدنيا حلوة خضرة , وإن الله سبحانه مستخفكم فيها ,فينظر كيف تعملون ؟ فاتقوا الدنيا , واتقوا النساء , فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " 0
فحذر رسول الله صلي الله عليه وسلم فتنة النساء , معلِّلا بأن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء 0
وهذا نظير ما سنذكره من حديث معاوية عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال : " إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم – يعني وصل الشعر " .( البخاري : 4/211 )
وكثير من مشابهات أهل الكتاب في أعيادهم وغيرها : إنما يدعو إليها النساء .وأما الخوض كالذي خاضوا : فروي من حديث الثوري وغيره عن عبدالرحمن بن زياذ بن أنعم الأفريقي عن عبدالله بن يزيد عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " ليأتين علي أمتي ما أتي علي بني إسرائيل حذو النعل بالنعل , حتي إذا كان منهم من أتي علانية كان من أمتي من يصنع ذلك , وإن بني إسرائيل تفرقت علي ثنتين وسبعون ملة وتفرقت أمتي علي ثلاث وسبعون ملة , كلهن في النار لإلا ملة واحدة , قالوا : من هي يارسول الله ؟ قال : ما أنا عليه اليوم وأصحابي " رواه أبو عيسي الترمذي , وقال حديث غريب مفسر , لا نعرفه إلا من هذا الوجه . ( 2641)0
وعن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " تفرقت اليهود علي إحدي وسبعين فرقة , أو ثنتين وسبعون فرقة , والنصاري مثل ذلك , وتفترق أمتي علي ثلاث وسبعون فرقة " رواه الترمذي (2640) 0
نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن الاختلاف الذي فيهجحد كل واحد من المختلفين ما مع الآخر من الحق , لأن كلا القارئين كان محسناً فيما قرأه , وعلل ذلك بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا , ولهذا قال حذيفة لعثمان " أدرك هذه الأمة , لا تختلف في الكتاب كما اختلفت فيه الأمم قبلهم " لمل رأي أهل الشام وأهل العراق يختلفون في حروف القرآن الاختلاف الذي نهي عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم 0