أختي الكريمة وأخي الكريم ..
هل علمت يوما أن الغناء الذي أنت تمارسه وتقضي معه أعزّ وأثمن الأوقات أنه صوت العصيان ، وعدو الرحمن ومزمار الشيطان ، نعم .. هو وربي قرآن الشيطان ، ما أدمن عليه عبد إلا استوحش من القرآن والمساجد ، وفرّ عن كل راكع وساجد ، وغفل عن ذكر الرب المعبود ، فَسَلْ ذا خبرة ينبيك عنه لتعلم كم خبايا في الزوايا ، ألم ترى أنه تغلّب على بعض العقول وطغى ، وزاد في الضلال وبغى ، وما خلقك لهذا ..!
أما سمعت قول الرب الحكيم وهو يقول في القرآن الكريم عن إبليس الرجيم بعد أن أقسم على ربه أن يفسد الخلائق { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } [ والصوت هنا صوت الشيطان وهو الغناء ]
ألا ترى أنه يُثير الغرائز والآثام ، ويدعوا إلى الاختلاط وأنواع الحرام ، ولعمر الله كم من حرّة صارت بالغناء من البغايا ، وكم من حرٍّ صار به عبدا للصبيان والصبايا ، وكم من غيور تبدّل به اسما قبيحا بين البرايا ، وكم من معافا أحلّ به أنواع البلايا ، نعم ..
قل لي بربك أيها العاقل هل سمعت يوما مغنيا يغني بالتحذير من الزنا وشرب المسكرات ، أو بالغض عن البصر والعفة عن الشهوات ، أو شهود صلاة الجماعة مع المؤمنين والمؤمنات ، كلا وربي ، فما سمعنا ولا سمعت أنت بشيء من ذلك بل يصف الخدّ والقدّ والعينين والوَجنتين ، والحب والغرام ، والعشق والهيام أضف إلى ذلك كثرة التغنُّجٍ والدلال
، والتمايل والضحكات ، والغمزات والهمسات فتُاثر عندها الغرائز والشهوات وتدعوا إلى سيء الأخلاق والمنكرات ، وهؤلاء قد توعدهم الله بالعذاب الأليم والجزاء الوبيل يوم القيامة قال الله { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا لهم عذاب في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون } وهذا الوعيد فيمن أحب ، فكيف بمن يعمل على إشاعتها ؟ إنه وربي الغناء .
يا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ..
لقد قرن رسولك صلى الله عليه وسلم بين الغناء والخمر والزنا فقال « ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرَّ [ أي الزنا ] والحرير والخمر والمعازف » [ رواه البخاري ] وقال صلى الله عليه وسلم « نُهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة بلهو ولعب ومزاميرِ شيطان ، وصوت عند مصيبة لطمِ وجوهٍ وشقِ جيوب » [ رواه الترمذي ]
وسئل بن مسعود عن قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله }
فقال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، وسئل محمد بن الحنفية عن قوله تعالى { والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما }
فقال : الزور هو الغناء لأنه يميل بك عن ذكر الله ، ووصف الله عبّاد الأصنام عند البيت الحرام بالغناء والتصفيق ..
فقال { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } [ والمكاء والتصدية نوع من المعازف والغناء ]
وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم سُمَّاع الأغاني بالمسخ والخسف والقذف فقال « سيكون في أمتي خسف وقذف ومسخ ، قيل متى ؟ قال : إذا ظهرت القينات [ أي المغنيات ] والمعازف واستحلت الخمر » [ رواه البخاري ]
وقال عليه الصلاة والسلام « ليكونن من أمتي أناس يشربون الخمر ويُعزف على رؤوسهم بالقيان يمسخهم الله قردة وخنازير » [ رواه الترمذي ]
نعم .. هذا شأن الغناء ولم يبقى إلا أن يتحقق الوعيد بالخسف والمسخ والقذف بالحجارة والحديد ، وقد تواتر كلام الأئمة الأطهار والعلماء الأبرار ، فعن عمر رضي الله عنهما خرج يوما في حاجة ، فمرّ في طريق فسمع زُمَّارةَ راعٍ فوضع أصبعه في أذنيه حتى جاوزه [ رواه أحمد ]
قل لي بالله عليك : أزماّرةُ راع أولى بالتحريم أم هذا الغناء الذي يتغنّج فيه المطرب والمطربة فيفتِنُ القلوب ، ويُشغل الأرواح عن علام الغيوب .
وقال عمر بن عبد العزيز لأبنائه أحذركم الغناء ، أحذركم الغناء ، أحذركم الغناء ، فما استمعه عبد إلا أنساه الله القرآن .
وجاء رجل إلى بن عباس رضي الله عنهما فقال يا بن عباس : أرأيت الغناء أحلال هو أم حرام ؟ فقال له : أرأيت الحق والباطل إذا جاء يوم القيامة ، فأين يكون الغناء ؟ قال الرجل : يكون مع الباطل ، فقال بن عباس ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ..! اذهب فقد أفتيت نفسك !
وسأل رجل الإمام مالك عن الغناء فقال : ما يفعله عندنا إلا الفسّاق ، وسُئل الإمام أحمد عن الغناء فقال : الغناء ينبت النفاق في القلب ، وسماه الإمام الشافعي دياثه ، وأبو حنفية أفتى بتحريمه ، وأجمع العلماء على تحريمه ، فهل بعد هذه الأقوال من إباحة لهذه الآفة ؟ وبقول من تقتنع إن لم تقتنع بقول هؤلاء وكلام الرحمن وسيد الأنام .؟
أيها الحبيب ..
أما كلمات الأغاني فهي والله أعجب من أن تتصور ، فيها من المحادة لله ورسوله والشرك الأكبر والأصغر والتعدي على الرسل الكرام ، والاعتراض على رب العالمين وعلى ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ ، فهذا أحدهم يقول " جئت لا أعلم من أين .. ولكني أتيت .. ولقد أبصرتُ قُدّامي طريقا فمشيت .. وسأبقى سائرا فيه شئت هذا أم أبيت .. كيف جئت .؟ كيف أبصرت طريقي .. لست أدري " وتقول أخرى " لبست ثوب العيشِ ولم أُستشر " [ أي خلقني ربي ولم يستشيرني نعوذ بالله من هذا الكفر ]
ويقول آخر " عشتُ لك وعلشانك " والله يقول " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين "
وهذا يقول " أعشق حبيبي وأعبد حبيبي " وآخر يقول " الحب في الشرع فرض على الجميع ارتِياده ، قلت المحبة عندي لو تعلمين عباده "
وبعضهم يكذب على الله فيقول أحدهم " الله أمر .. لعيونك أسهر " والله يقول " قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون "
وهذا يعتدي على نبي من أنبياء الله لما فقد محبوبته " صبَرت صبْر أيوب ، وأيوب ما صبر صبري " وهذا يعترض على قضاء الله وقدره ويتهمه فيقول " ليه القسوة ليه ، ليه الظلم ليه ، ليه يا رب ليه "
وهذا يصرِّح باستعداده دخول النار ما دام أنه مع محبوبته فيقول " يا تعيش وايّاي في الجنة ، يا أعيش وإياك في النار ، بطّلت أصلي وأصوم ، بدّي أعبد سماك ، بجهنم ماني برايح ، إلا أنا وإياك "
أيها المسلم الكريم ..
إن مما يعينك على ترك هذا الغناء ، الرغبة في دار أخرى فيها متع عظيمة ، إنها الجنة وما أدراك ما الجنة ، نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مضطرب ، وثمرة نضيجة ، وحلل كثيرة ، وزوجة حسناء جميلة ، وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة ، في حلة عالية بهيَّة ، في جنة عدن عند مليك مقتدر ، بناها الله تعالى لعباده المتقين فأحسن وأما ورقها فورق من رقائق الحلل ، وأما تصفيق الرياح لذوائب أغصانها ، فيستفز من لا يطرب بالطرب ،
{ لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا } ، و { لا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا إلا قيلا سلامًا سلامًا }
{ ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون . فأما الذين أمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يُحبرون }
فلماذا أخي لا تفيق وتعود إلى العزيز الحميد .
وأخيرا .. يا لاهيا بالغناء { ألم يأن للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون } يا لاهيا بالغناء { ماغرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسوك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك } يا لاهيا بالغناء { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } يا لاهيا بالغناء : تصوّر نفسك وأنت بين زملائك في لهو طرب وإعراض وزمر ، فإذا بملك الموت قد حل بك ، فكيف يكون جوابك ومصيرك أمام الجبار جل جلاله ، يا لاهيا بالغناء : أرأيت لو سلب الله سمعك ، فصرت تجلس بين الناس ، لا تدري عنهم إذا تكلموا ولا تفهم مرادهم إذا ضحكوا ، تتلفت بينهم بعينيك ، وتشير لهم بيديك ، يا لاهيا بالغناء أين أنت من المؤمنين { الذين إذ ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } يا لاهيا بالغناء ، أما تخشى سوء الخاتمة ، فتلقى الله سامعا أو مغنيا أو عازفا ، يا لاهيا بالغناء أما علمت أنك عبد لله ، وكل ذرة من ذرات جسمك وكل نفس من أنفاسك لا يتحرك إلا بإذن خالقك وقد جعل الله لك عينين ولسانا وشفتين فهل سألت نفسك يوما كيف علاقتي معه ؟ هل هو راض عني أولا ؟ كيف سيكون اللقاء يوم القيامة ؟ يا لاهيا بالغناء أما فكرت يوما مع من تجتمع معه ، وقد رحل منهم من رحل ، فهل تتمنى أن تجتمع معهم في مكان واحد يوم القيامة ..؟ والموت إن لم ينزل بك اليوم نزل بك غدا ، فأين وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ؟ أين وجهك يوم يعلم نبيك صلى الله عليه وسلم أن أمته قد عكفت على الغناء والموسيقى بسببك ؟ أين تذهب بوجهك يوم تعلم أن الناس سهروا على الغناء إلى الفجر بصوتك وزمرك ؟ أين تذهب بوجهك إذا بعثر ما في القبور ، وحُصّل ما الصدور ؟ أين تذهب بوجهك إذا سال عرقك ، وانتفض جسدك ، وطار فؤادك ، فيا أخي .. يا من بارز الله بهذه المعصية ..
يا من أعجبه بشبابه ، وألهته ثيابه ، وغرّه صوته وجماله .. المصدر: تم التلخيص من كتاب ففروا الى الله