ابراهيم عيسى إدارة عامة
تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: المعارضون للإعجاز العلمي في القرآن الكريم الثلاثاء نوفمبر 30, 2010 4:29 pm | |
| المعارضون للإعجاز العلمي في القرآن الكريم
فئات المعارضين:
هم فئات ثلاثة، من حيث الدوافع إلى المعارضة:
· الفئة الأولى: تخشى على مصداقية القرآن إذا ارتبط تفسيره بالعلوم الكونية وما بها من معلومات
متغيرة،
مما ينعكس على استقرار التفسير العلمي للقرآن الكريم، كما يخشون على تطويع معاني الكلمات ومدلول الآيات بما وصلت إليه العلوم الكونية، وهو ما يعرف عند المعارضين بـ ( لي
أعناق الآيات القرآنية ) فهم يرفضون الإعجاز العلمي والتفسير العلمي إذن من باب الحرص على القرآن الكريم، ونطلق عليهم ( فئة المتخوفين ) ·
والفئة الثاني: لا ترى دليلاً على الإعجاز العلمي ولا ترى في كلمة ( الكتاب ) وكلمة ( شيء ) الواردتين
بالآيات القرآنية دليلاً على عكس ما يراه المؤيدين فعندهم معنى الكتاب هو ( اللوح المحفوظ) أو ( أم الكتاب ) وتكتفي هذه الفئة بالإعجاز اللغوي والبياني... وتقول بأن القرآن كتاب
هداية وتشريع... ونطلق عليهم ( فئة المعطلين ) ·
الفئة الثالثة: ترفض الإعجاز العلمي بسبب نظرتهم الإلحادية وكفرهم بالقرآن أو بسبب الحسد والحقد
على
القرآن لتفوقه على سائر الكتب الدينية وانفراده بالإعجاز الشامل ومنه الإعجاز العلمي، ونطلق عليهم ( فئة الجاحدين الحاقدين )
وبعد فإننا لا ننزعج من موقف المعارضين للإعجاز العلمي، كما قلنا من قبل، وسوف ندير حواراً معهم لنذكر أقوال بعضهم ونرد عليها.
وعموماً، فإننا نحسن الظن بالفئة الأولى ولا نتهمهم ولا نقول لهم: ( قولكم حق أريد به باطل )
وأما الفئة الثانية فنقول لهم: لقد سبقكم من لم يكونوا مقتنعين بالإعجاز العلمي وبعد الدراسة والتأمل والاطلاع والرجوع إلى المتخصصين في العلوم الكونية أدركوا الصواب واقتنعوا
بالإعجاز العلمي، فسيروا على نهجه لتصلوا إلى ما وصلوا إليه.
وأما الفئة الثالثة فنقول لهم: أعملوا عقولكم وتخلوا عن الاعتراض والعناد وتخلصوا من الحسد والأحقاد وسوف تتجلى لكم الحقيقة وتدركون الصواب وتناولوا موضوع الإعجاز
العلمي
بتفكير علمي مجرد، كما فعل بعض مشاهير العلماء الغربيين غير المسلمين فأدركوا معجزة القرآن وآمنوا بأنه ليس من صنع البشر وأنه فوق قدرات البشر.
مقتطفات من أقوال المعارضين
حركة الرفض للتفسير العلمي والإعجاز العلمي، إحداها - أو كلها – هي كما قلنا، من قبيل الخلافات في الرأي التي هي من ظواهر التفكير البشري
وربما بدأت بصورة واضحة من بعض المفسرين – في القرن السادس الهجري كرد فعل على ما فعله المفسر الفخر الرازي باستخدامه للمعارف الكونية في تفسيره للقرآن الكريم،
وذلك
باب من الاجتهاد والتوسع في شرح آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن آيات الله الكونية وربما وجد معارضوه في عمله هذا، ومن وجهة نظرهم خروجاً على منهج التفسير التقليدي
الذي ألفوه، ووجدوا منه إسرافاً في استخدام المعارف العلمية في التفسير.
ولقد تزعّم الشاطبي في أواخر القرن الثامن الهجري حركة الرفض، وكان اعتراضه على المبالغة والتجاوز، وفسره بالتوسع في استخدام المعارف الكونية في تفسير القرآن الكريم،
واستمر الرفض إلى يومنا هذا من بعض العلماء المسلمين، وخاصة في مواجهة الإسراف والتهافت العلمي. ولا شك أن المؤيدون للإعجاز العلمي والتفسير العلمي يطالبون بوضع
وإتباع منهج سلمي في التعامل مع كل ما يتعلق بدراسة القرآن الكريم ويرفضون كل تجاوز في التفسير العلمي وسوف نؤكد ذلك ونوضحه في الفصول اللاحقة... وفي هذه الفقرة نقدم
مقتطفات من أقوال المعارضين ونعقب عليها، بل ونرد عليها من أقوالهم:
1- الشاطبي: هو إبراهيم بن موسى النجمي ( 790هـ ) وهو أشهر من حملوا لواء الرفض من القدامى للتفسير العلمي، وتأثر بأفكاره وتابعه في الرفض بعض من جاء بعده من
العلماء، قدامى ومحدثين، حتى يمكن القول أنه مؤسس رابطة الرافضين. فقد أعلن أن كثيراً من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن وأضافوا إلهي كل علم من علوم الطبيعيات
والمنطق وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها. وقال: إن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تلاهم كانوا أعرف بالقرآن وعلومه ولم يبلغا
أن
أحداً منهم تكلّم في شيء من هذا المدعى...
ونردّ عليه بقولنا: إن الصحابة والتابعين فهموا القرآن الكريم فهماً دقيقاً في تشريعاته وعباداته وأخلاقياته، ولكنهم فهموا آيات القرآن الكونية فهماً إجمالياً وقوفاً عند المعاني اللغوية
للكلمات، ولم يكونوا في حاجة إلى الدخول في تفاصيل المعارف الكونية لأنها لم تكن واردة في ثقافتهم ولم تكن معلومة لهم.
وبالنسبة للإعجاز القرآني فقد كانوا يؤمنون بإعجازه المطلق وبإعجازه لغة وموضوعاً، ولم يتضلعوا في الإعجاز العلمي لغموض الإشارات العلمية عليهم وافتقارهم وافتقار العالم
في
عصرهم إلى العلوم الطبيعية القائمة على الكشوف والدراسات العلمية...
ومن الملاحظ أن الشاطبي تمادى في تجريد القرآن من الإضافات الموضوعية بصفة عامة حتى زعم بأمية الشريعة وقال: إن القرآن تضمن علوماً هي من جنس علوم العرب... ولو
كانت الشرعية غير ما يعهدون لم يكن القرآن عندهم معجزاً.
ومن الردود عليه قول محمد الصادق عرجون: ذهب الشاطبي مذهباً غريباً لا يلائم منصبه في العلم، وقوله بأمية الشريعة الإسلامية متهافت إذ لا دخل لأمية النبي صلى الله عليه وسلم
في الأمور... كما رد على قوله بأن القرآن لو لم يكن على ما يعهدون لم يكن عندهم معجزاً.
ومما سبق يتبين أن الشاطبي كان له فهم للجانب الموضوعي للقرآن يجعل من العسير عليه إدراك وجه الإعجاز العلمي ويجعله رافضاً للتفسير العلمي وربما يكون انشغاله بعلم
القراءات وتفوّقه فيه جعله عازفاً عن إدراك الإعجاز الموضوعي للقرآن الكريم.
وربما جاء موقف الشاطبي الرافض للتفسير العلمي بصفة خاصة – كما ذكرنا من قبل – منصباً على التجاوزات وكرد فعل ضد الإسراف الذي يراه قد يكون صدر من بعض المفسرين.
وبسبب عدم وجود المنهج والضوابط، وبهذا لا يكون اعتراضه على المبدأ ولكن على سلبيات العلم، وفي هذه الحالة يكون متفقاً مع المؤيدين المحدثين الذين يحذرون من الإفراط في
التفسير العلمي والإعجاز العلمي ويطالبون بالمنهج والضوابط والعلم والدراية.
2- رشيد رضا: صاحب تفسير المنار – رفض التفسير العلمي والإعجاز العلمي اعتماداً على ما قاله الشاطبي ولعله في ذلك معذوراً لما شاهده من الإسراف وعدم الانضباط الذي
صدر
عن بعض المفسرين القدامى ومع ذلك، لم يرفض الإعجاز العلمي وقال: ( إن القرآن أبان كثيراً من آيات الله في جميع أنواع المخلوقات من الجماد والنبات والحيوان والإنسان، وقد
عجز الزمان عن إبطال شيء منه... واشتمل القرآن على كثير من المسائل العلمية والتاريخية التي لم تكن معروفة في عصر نزوله ثم عرفت بعد ذلك بما انكشف للباحثين والمحققين
من طبيعة الكون وسنن الله في الخلق... )
3- أمين الخولي: استند إلى رأي الشاطبي في رفض التفسير العلمي وأضاف إلى ذلك رأيه وأدلته وقال: ( هب هذه المعاني العلمية المدعاة كانت هي المعاني المرادة بالقرآن، فهل
فهمها أهل العربية منه إذ ذاك وأدركوها ؟ وهل هو كتاب يتحدث إلى عقول الناس وقوهم العالمة عن مشكلات الكون وحقائق الوجود العلمية... وكيف يساير ذلك حياتهم ؟ وكيف تؤخذ
جوامع الطب والفلك والهندسة والكيمياء من القرآن. وهي جوامد لا يضبطها اليوم أحد إلا بغير ضبط لها بعد يسير من الزمن أو كثير ؟ أما ما اتجهت إليه النوايا الطبية من جعل
الارتباط
بين كتاب الدين والحقائق العلمية المختلفة ناحية من نواحي بيان صدقه أو إعجازه أو صلاحيته للبقاء... الخ، فربما كان ضرره أكثر من نفعه.
ثم يخفف من اعتراضه بما يشبه الموافقة فيقول: ( قد يبدو في تعبير القرآن ما يظهر متعارضاً مع شيء من المقررات العلمية، وإن أمكن التوفيق بينهما فلا بأس بشيء من هذا ولا
فيه ضرر )
والمؤيدون يفعلون ذلك ولكنهم يعلنون قائلين: ( هذا هو الإعجاز العلمي، وهذا هو توضيح معاني الآيات الكونية بالقرآن الكريم ) ويظهر أن الخلاف في طريقة العرض وليس في
المبدأ
4- محمد عبد العظيم الزرقاني: اتخذ موقفاً وسطاً فقد آمن بالإعجاز العلمي – كما سبق أن ذكرنا – وفي الوقت نفسه رفض التفسير العلمي، ولكن آراءه جاءت خليطاً فهو يقول: ( إن
الأسلوب الذي اختاره القرآن في التعبير عن العلوم الكونية أسلوب بارع، جمع بين البيان والإجمال في سطر واحد، بحيث يمر النظم القرآني على سامعيه في كل جيل فإذا هو واضح
فيما
سبق له من هداية الإنسان، ثم إذا هو مجمل التفاصيل يختلف الخلق في معرفة تفاريعه ودقائقه باختلاف ما لديهم من مواهب ووسائل وعلوم... وهذه العلوم الكونية لم توضع لتخدم
القرآن في شرح آياته أو بيان أسراره، وإنما ذكر منها ما ذكر للهداية... ولا تتوقف عظمة القرآن على أن ننتحل له وظيفة جديدة ما أنزل الله بها من سلطان فإن وظيفته في هداية
العالم
أسمى وظيفة في الوجود...
وهكذا خلط الزرقاني بين القول بوجود حقائق كونية بالقرآن الكريم وبين القول بوظيفته في هداية العالم، وتصوّر أن هناك تضارباً بين القولين، وهكذا تتولد الدوافع الفكرية لدى
المعارضين.
5- فضيلة الشيخ / محمود شلتوت وأنصاره يقولون عن التفسير العلمي: ( إنهم طائفة المثقفين الين أخذوا بطرف من العلوم الحديثة ثم نظروا في القرآن وتأوّلوا على نحو زين لهم أن
يفتحوا في القرآن فتحاً جديداً، فأفسد ذلك عليهم أمر علاقتهم بالقرآن... هذه النظرة إلى القرآن خاطئة من غير شك، لأن الله لم ينزل القرآن ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن
نظريات
العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف. وهي خاطئة – من غير شك - لأنها تحمل أصحابها على تأويل القرآن تأويلاً متكلفاً يتنافى مع الإعجاز، ولا يسبقه الذوق السليم...
ونعقب نحن قائلين: إن القرآن كتاب هداية ولم ينزله الله سبحانه وتعلى لتعليم الناس بعض الأمور الكونية هذا صحيح، ولكن في الوقت نفسه تنزل القرآن الكريم وبه آيات تتحدث عن
أمور كونية، فلابد أن يكون الحديث صادقاً ودقيقاً ومعبراً عن الحقيقة، وهذا بلا شك يتبعه وجود حقائق علمية في ثنايا الآيات القرآنية.
6- " عباس محمود العقاد " الربط بين القرآن والعلوم، وقال: ( فلا يطلب من كتب العقيدة أن تطابق مسائل العلوم كلما ظهرت مسألة منها لجيل من أجيال البشر ولا يطلب من معتنقيها
أن يستخرجوا من كتبهم تفصيلات تلك العلوم كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة ) وقال: ( لا بأس بالاستفادة من النظريات العلمية في تصحيح معاني الكلمات القرآنية دون
إقحامها على القرآن أو الذهاب إلى أنه مطالب بموافقتها كلما تغيرت )
وتعقيبنا على القول الأول – بأن فيه تعسف وسوء فهم لمفهوم الإعجاز العلمي لدى المؤيدين، وتعقيبنا على القول التالي – إنه مبهم المعنى ومضطرب الرأي، فهل هو مع الأخذ
بالمعارف الكونية في فهم معاني بعض الآيات القرآنية وبهذا يوافق على استحياء التفسير العلمي ؟!!
7- " عبد الكريم الخطيب " يجمع في آرائه بين القبول والرفض للإعجاز والتفسير العلمي للقرآن الكريم، فهو تارة يؤيد فيقول: ( الآيات التي تنكشف للناس في هذا الوجود مما يطلعهم
العلم عليها – تفتح الطريق إلى قولة الحق في كتاب الله، وعندئذ يرى الناس أن هذا القرآن هو الحق الأبدي، من عند الله... وإذا كان القرآن الكريم كتاب عقيدة وشريعة، فإن ذلك لا
يمنع
أن تكون وراء ذلك غايات أخرى يمكن أن يجدها من يطلبها... وماذا يضير القرآن إذا اشتمل في كيانه على دلائل إعجازه بما أودع الله فيه من أسرار وحقائق تحدث الناس عن آيات في
كل عصر وفي كل جيل...)
وتارة يعارض فيقول: ( أصحاب التفسير العلمي يتعسفون طريق الفهم لكتاب الله ويشطحون في تأويل آياته ليأخذوا حجة للقرآن على أنه اشتمل على جميع المعارف والعلوم، فهم لهذا
يقتسرون المعاني اقتساراً ويخرجون بالألفاظ عن مدلولاتها ويحرفون الكلام عن مواضعه في أكثر أحوالهم ومحاولاتهم... وقد يكون لقائل أن يقول: إذا كان القرآن قد حوى أسرار هذا
الوجود، فكيف غاب ذلك كله عن سلف هذه الأمة وهم الذين تلقوا القرآن غضاً... وإذا كانت تلك الحقائق قد انكشفت لهم، فلماذا لم ينتفعوا بها.. ولو كان من تدبير القرآن أن يكون كتاباً
علمياً لما جاء على هذا الأسلوب ذي الرنين النفاذ من النظم، بل لجرى على ذلك الأسلوب العلمي الذي تبرز فيه الحقائق العلمية مضغوطة في قوالب من اللفظ أشبه بالأرقام
الحسابية )
وتعليقنا على أقوال " عبد الكريم الخطيب " يتلخص في تردده بين القبول والرفض، وهذا موقف مشترك بين كثير من المعارضين للإعجاز العلمي، بسبب عدم وضوح الفكرة في
أذهانهم... وما ساقه من مآخذ إنما هو من قبيل الجدال الواهي، فالمؤيدون للإعجاز العلمي يضعون المنهج والضوابط التي تلتزم بلغة القرآن ومعاني الكلمات. أما عن الإحاطة بما
جاء
في القرآن من الحقائق العلمية فإن معرفتها ليست وقفاً على من تنزل عليهم القرآن – بل هي معارف وعلوم يطلع الله عليها عباده – وهو الحكيم الخبير – بالقدر المناسب لهم... وقد
عرف المسلمون الأوائل ما يناسب مداركهم وإمكاناتهم العلمية بالقدر الكافي للإيمان والهداية وادخر الله سبحانه وتعالى الأسرار والحقائق ليكشفها على فترات وليأخذ منها كل جيل ما
يناسب زمنهم، وما يكفي لأن يكون برهاناً على قدرة الله وحجة لكتابه العظيم، وبهذا يظل القرآن متواصل العطاء دائم الإقناع مستمر الإعجاز، وكما اقتنع السابقون الأوائل بإعجازه
البياني، فإنه يقنع من بعدهم بإعجازه العلمي.
8- " محمد الصادق عرجون " يقول: ( لا يجمل بنا أن نطلب من القرآن أن يشرح لنا نظريات العلم، والتحدث في تركيب الأشياء، وبيان جزيئاتها وأشكالها، وما يطرأ عليها من تغيير
كيميائي أو طبيعي كما تتحدث كتب الكيمياء والفلك وطبقات الأرض، لأن القرآن كتاب عقيدة وهداية وعبر وتهذيب للنفوس وتطهير للأرواح والقلوب... فإذا عرض لشيء من الآيات
الكونية فإنما يعرض لها باعتبارها مصدر هداية إلى عظمة الكون، لنصل على ضوئها إلى تعظيم الله خالق الكون )
ونقول تعقيباً على هذا القول: إن صاحبه لم يدرك على الوجه الصحيح مفهوم الإعجاز العلمي لدى المؤيدين، فهم لم يقولوا بما قاله ولا يتوهمون ما أشار إليه، ولكنهم يؤمنون بأن
الآيات الكونية بالقرآن الكريم صيغت بدقة حتى تعبر عن الحقيقة وتسوق الحقائق العلمية، وذلك في معرض الهداية ومن أجل إقامة البرهان على مصداقية القرآن وأنه من عند الله
9- " محمد بسيوني فودة " يتابع بعض الرافضين للتفسير العلمي ولكنه قال: ( ولكن نأخذ المسائل العلمية التي وصلت إلى حقائق وربطها بآيات الله كتأكيد على دلائل قدرته وبديع
صنعه
فهذا أمر لا ينكر، ومن هنا قال جماعة من العلماء أن الآيات الكونية وجه من وجوه الإعجاز ) والموقف هنا بين الرفض والقبول وهو – كما قلنا – شأن كثير من المعارضين
10- " شوكت محمد عليان " يقول: ( إن إحاطة القرآن بالحقائق العلمية كانت ضمن إشارات غير مقصودة لذاتها، لما علمنا أن المحور الرئيسي لرسالة القرآن هو السعادة ا
الأخروية )
ونعقب ونقول: إن القصد وعدمه لا يجرد القرآن من وجود هذه الحقائق العلمية، كما أن وجود الإشارات العلمية لا يتعارض مع رسالة القرآن وهي سعادة الإنسان.
11- " عبد الله عبادة " يقول: ( إن الربط بين القرآن والنظريات العلمية الحديثة خطأ يقع فيه بعض الباحثين بحسن نية ) وقال أيضاً: ( إن الأمور العلمية في القرآن ما كانت إلا عبرة
أو
وسيلة لتقريب المعنى العام في الآية أو السورة إلى أذهان المخاطبين )... في القول الأول يرمي الباحثين بالخطأ، وفي القول الثاني يقر بوجود أمور علمية بالقرآن.
وبعد فهذه طائفة لمقتطفات من أقوال المعارضين، وقد قمنا بالتعليق المختصر عليها، ونكتفي بهذا القدر من الأقوال على أن نقدم ردوداً عامة على مزاعم المعارضين، وهي التي تشكل
دعائم رفضهم للإعجاز العلمي والتفسير العلمي وذلك فيما يلي:
ردود على المعترضين
الاعتراض الأول: ويتمثل في قولهم: القرآن كتاب هداية وتشريع وليس كتاباً للعلوم والمعارف الكونية.
كل المشتغلين بدراسة الإعجاز العلمي يؤمنون بأن القرآن الكريم كتاب عقيدة وتربية وتشريع، وهو بعيد كل البعد عن تناول العلوم بمنهجية التدريس، ويرون أن الآيات القرآنية في
المسائل الكونية إنما جاءت لتلفت النظر إلى ملكوت السموات والأرض وتدعم الإيمان بالله المبدع الخالق القادر، وحيث أنها نزلت بالحق من لدن عليم خبير فلابد أن تكون حاملة
لحقائق، فهي ليست مجرد عبارات إنشائية وصفية تناولت ظاهر الأمور.
الاعتراض الثاني: ويتمثل في قولهم: الاهتمام بالإعجاز العلمي يصرف اهتمام الناس بعلوم القرآن
التقليدية، والتفسير العلمي يتعارض مع منهج التفسير
الإعجاز العلمي لا يخرج عن كونه وجه من وجوه الإعجاز القرآني، ودراسته تعتبر إضافة إلى علوم القرآن، والمشتغلون به فريق من العلماء يتعاونون مع سائر المشتغلين بدراسة
علوم القرآن، وكل في مجاله يعمل دون أن يتطاول فريق على فريق، أو يتعالى حتى لا تتكرر ظاهرة التركيز المعرفي التي اختصت بها وحدة اللغة والبيان مما ترتب عليه حجب سائر
وجوه الإعجاز، ومنها الإعجاز العلمي
أما التفسير العلمي فلا تعارض بينه وبين التفسير التقليدي، بل هو إضافة إليه مما يزيد الاتساع في فهم القرآن، خاصة في الآيات الكونية التي كانت تدخل في دوامة التأويل والمجاز
وأحداث الآخرة.... الخ.
الاعتراض الثالث: ويتمثل في الاتهام بعدم التقيد بالمفهوم اللغوي الصحيح للنص القرآني، وإبعاد الكلمات
القرآنية عن معانيها فيما يعرف "بلي أعناق الآيات" وهي عبارة يرددها المعارضون، بل ويكثرون من ترديدها
والرد عليه: أنه من المعلوم أن هناك قواعد وضوابط ومنهج يجب أن يلتزم به المشتغلون بدراسة الإعجاز العلمي وبالتفسير العلمي للقرآن الكريم، ومن أهمها: احترام كافة الأمور
اللغوية. ومن الضروري أيضاً أن يتعاون علماء الكونيات وعلماء الدين وعلماء اللغة معاً في تلك الدراسات القرآنية وفق منهج الدراسة المتفق عليه. وإذا كان هناك من يخرج عن
تلك القواعد والضوابط فليس ذلك حجة على الملتزمين بمنهجية الدراسات القرآنية.
الاعتراض الرابع: ويتمثل في الخوف من الربط بين تفسير القرآن وبين المعارف الكونية المتغيرة، مما
يؤثر على مصداقية القرآن
إذا أحسنا الظن بالمتخوفين المعترضين – ولا نقول عن تخوفهم ( حق أريد به باطل ) ولا نقول بأن ذلك التخوف ادعاء ماكر مقصود به صرف المسلمين عن جانب هام من جوانب
الإعجاز تكشف لهم في عصر التقدم العلمي – سنعتبر التخوف حرصاً منهم على كتاب الله، سوف نرد بموضوعية وعقلانية على قولهم بأن المعارف الكونية – خاصة الفروض
والنظريات – قابلة للتغيير، وهناك خطورة على معاني القرآن الكريم وتفسيره من الربط بتلك المتغيرات لأن ذلك سيؤدي إلى تبدل التفسير حسب ما يجد من المعارف العلمية.... ونقول
لهم إن المشتغلين بالتفسير العلمي للقرآن الكريم حريصون على الاستعانة بالمعارف المستقرة التي وصلت إلى مرحلة الحقائق والقوانين واليقين أو كانت نظريات راجحة. وعلى
فرض
التغيير في تلك المعارف العلمية المستخدمة في التفسير، فلا ضير في ذلك حيث أن الأمر لا يعد أن يكون اجتهاداً في التفسير يمكن تصحيحه بتفسير آخر على ضوء المعارف العلمية.
وسنجد أن النص القرآني استوعب تلك الكشوف الجديدة حيث جاءت النصوص بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواقفها التي قد تتابع في ظهورها جيلاً بعد جيل، إما
بالإضافة أو الزيادة وإما بالتعديل أو الحذف. واتساع مدلول دلائل الإعجاز القرآني البياني. علماً بأنه لا يمكن أن يقع ذلك التغيير إلا إذا كان هناك خلل في فهم النص القرآني أو خلل في
قطعية العلم.
والمشتغلون بعلوم القرآن يعلمون أن تفسير القرآن الكريم هو جهد بشري واجتهاد فكري، ولهذا نجد المفسرين يختلفون في تفسير بعض النصوص القرآنية بسبب تنوع معاني الكلمات،
ومثال ذلك "البحر المسجور" فمعنى مسجور: مملوء، كما أن من معانيها الملتهب والاختلاف قد يكون بسبب القواعد النحوية، ومثال ذلك: ] فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ( فمن المفسرين من يعطف ( أرجلكم ) على ( وجوهكم ) ( وأيدكم ) فيرى غسل الرجلين، ومنهم من يعطف أرجلكم على رؤوسكم فيروا مسح الأرجل...
وهناك أسباب كثيرة للاختلاف فيما بين وجهات نظر المفسرين، وينعكس هذا بوضوح عل التفاسير بحيث تظهر الخلافات فيما بينهم، وبالرغم من هذا لم توجه الانتقادات إلى المفسرين
في اختلافاتهم ولم يطالب أحد بالتوقف عن تفسير الآيات القرآنية.
المفسرون عند تفسير آيات القرآن الكريم الكونية يكتفون بذكر النص أو يلجؤون للتأويل والمجاز، أو إلى تفسيرها بمعلومات علمية ضحلة، فإذا جاء المتخصصون في العلوم الكونية
وفهموا آيات القرآن على حقيقتها العلمية وفسروها دون تأويل ووضحوا معانيها بما يتناسب مع ثقافات العصر والانسجام الفكري والتحدي العلمي والقبول العقلي وقناعة الإنسان
المعاصر الخاضع لسيطرة العلوم الكونية، هل ينظر إلى التفسير العلمي بعين الريبة وتوجه له الاعتراضات وتثار حوله المخاوف... ولمصلحة من كل هذه المعوقات
نطمئن بأنه لا خوف من تغيير المعلومات الكونية المستخدمة في التفسير العلمي، ما دام النص القرآني ثابت ومحفوظ، وأي أخطاء في التفسير يجب أن ترد إلى المفسرين، دون أن يؤثر
هذا على مصداقية القرآن الكريم ومرحلية التفسير وتبديله أمر وارد من أعمال البشر، فليس هناك تفسير مستقر يجمع عليه المسلمون في كل العصور إلا إذا كان قد صدر عن رسول
الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهذا لم يحدث، فإذا قام اعتراض وأثيرت المخاوف حول التفسير العلمي فليكن كذلك مع كل التفاسير ولتحذف جميعها وهذا أمر غير مقبول ولا
معقول !!
الاعتراض الخامس: ويتمثل في ادعائهم بأنه ليست هناك فائدة من وراء الإعجاز العلمي أو التفسير
العلمي
والرد عليها: هذا اعتراض في غاية السطحية حيث إن دراسة الإعجاز العلمي تتعلق بحقيقة يجب التعرف عليها وتقريرها وإظهارها، وهذا أمر مطلوب في كافة فروع المعرفة وعلى
وجه الخصوص عندما تتعلق بالقرآن الكريم، ذلك الوحي الإلهي ومعجزة الإسلام... والفوائد من وراء معرفة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم كثيرة، وخاصة في مجال العقيدة والإيمان،
وفي مجال الدعوة والإقناع في عصر الثقافات العلمية.
أما عن التفسير العلمي للقرآن الكريم، فهو بلا شك توضيح وبيان لآيات القرآن الكونية، مما يحقق فهمها على حقيقتها، بعيداً عن متاهات التأويل وتسطيحات تفسير الآيات الكونية...
وذلك يحقق مزيداً من الفهم السليم للقرآن الكريم، وهو أمر هام ومطلوب.
الاعتراض السادس: ويتمثل في قولهم ليس هناك دليل على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
حيث يحتج بعض المعارضين في معارضتهم بعدم وجود ما يدل على الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، لا عقلاً ولا نقلاً وبأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر شيئاً عن ذلك:
أما الدليل العقلي فهو من الوضوح بحيث لا يخفى على أحد ويتمثل في القرآن الكريم بما اشتمل عليه من الآيات القرآنية الكونية التي تحمل الحقائق والإشارات العلمية غير المسبوقة،
والتي كانت مجهولة وقت نزول القرآن، وبعد مضي مات السنين - وفي العصر الحديث على وجه التحديد – أمكن لعلماء الكونيات – مسلمين وغير مسلمين – أن يتعرفوا على بعضها،
وأكدوا مطابقة الاكتشافات لها وأعلنوا ذلك في مؤتمرات وندوات عالمية، وسجلوه في أبحاثهم وأصبح هذا الأمر معروفاً ومستقراً، وتحررت عنه عشرات الكتب التي تبحث في الإعجاز
العلمي، فهل يحتج المعترضون بعدم وجود دليل عقلي ؟!
وهناك دليل عقلي نقلي من منطلق الإيمان بمعجزة القرآن، فإذا كان القرآن معجزاً وإعجازه مطلق فلماذا يقصرونه على الإعجاز البياني، ويحجبون عنه الإعجاز الموضوعي ؟ وإذا
سلموا بالإعجاز الموضوعي، فلماذا يكون قاصراً على جانب من المعارف دون الأخرى، ولماذا يحجبون عنه الحقائق المتعلقة بالكونيات ويصرفون عنه جانب الإعجاز العلمي ؟ وعلل
في ذلك التسلسل المنطقي ما يشكل دليلاً عقلياً.
أما الاحتجاج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر لصحابته شيئاً عن الإعجاز العلمي فمردود عليه بأنه صلى الله عليه وسلم أكد على معجزة القرآن والصحابة آمنوا بذلك وبأن
القرآن مطلق الإعجاز، ولم يدخلوا في تفاصيل وجوه الإعجاز إلى أن جاء العلماء فيما بعد فقاموا بدراسات تفصيلية للقرآن الكريم، ومنها وجوه الإعجاز القرآني.
أضف إلى ذلك أنه لم يكن من الحكمة أن يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته عن الإعجاز العلمي، ولم تكن ثقافتهم تستوعب ذلك بعد، وكانت المعارف الكونية والحقائق
العلمية
مجهولة للعالم أجمع في ذاك الزمن، ولو حدثهم بذلك لتصادم وعقولهم، وهو الحريص صلوات الله وسلمه عليه على مخاطبة الناس على قدر عقولهم. لهذا ترك الصحابة يفهمون
الآيات
الكونية الواردة في القرآن الكريم بالمعنى اللغوي وبالمفهوم العام، تاركاً البيان والوضوح العلمي والاكتشافات الكونية لتظهر وجه الإعجاز العلمي للقرآن في الزمن المناسب، وقد
تحقق ذلك بعد مرور ما يزيد على ألف عام وصدق الله العظيم القائل في القرآن الكريم ولتعلمن نبأه بعد حين ) [سورة صاد]
الاعتراض السابع: ويتمثل في قولهم إذا كان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم قد تكشف لغير المسلمين من علماء الكونيات، فلماذا لم يؤمن هؤلاء بالإسلام
نرد على ذلك بأن العلماء غير المسلمين الذين تعرفوا على بعض الإشارات الكونية الواردة في القرآن الكريم ودرسوها على ضوء ما لديهم من المعارف العلمية قرروا بأن هذا الذي
جاء به القرآن الكريم لا يمكن أن يكون معارف بشرية – وقت نزول القرآن، وأنه خارج عن القدرات العقلية لمن قال به وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من توقف عند
ذلك
ولم يربط الإعجاز العلمي بالوحي الإلهي، لأن عقيدة الألوهية عندهم غير واردة، ولم ينتقلوا بهذا اليقين العقلي إلى الاستدلال على الوحي وصدق القرآن والإيمان بالإسلام، لأن هذه
التداعيات الفكرية ليست سهلة وبسيطة بل هي متشابكة ومعقدة. والهداية أو الجحود والقبول أو الرفض، في العقيدة والإيمان بالله تخضع لأمور ترتبط بالوجدان الذي ينجذب نحو
الغيبيات، والأمر أولاً وأخيراً مرده إلى توفيق الله... ولنتذكر قوله سبحانه وتعالى: ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) [سورة
القصص] وقوله تعالى: ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً... ) [سورة النمل]...
ولا ينفي هذا أن هناك من العلماء من أيقن بأن هذه الإشارات العلمية فوق قدرات البشر وآمن بأن القرآن وحي من عند الله سبحانه وتعالى،
وأشهروا
إسلامهم، سواء في مؤتمرات الإعجاز العلمي للقرآن والسنة عبر السنوات الماضية، أم في غيرها...
الاعتراض الثامن: ويتمثل في قولهم إذا كان القرآن الكريم كل هذه الإشارات العلمية، فلماذا لم يستفد
منها
المسلمون على مر العصور ؟
نرد على هذا الاعتراض في النقاط الآتية:
1- إذا كان المسلمون الأوائل قد آمنوا بالإعجاز المطلق للقرآن الكريم، فقد انصرفوا إلى الإعجاز اللغوي وانشغلوا بدراسته مما جعلهم لا يهتمون بالإعجاز الموضوعي بعامة، كما
اكتفوا بفهم آيات القرآن الكونية فهماً لغوياً يكفيهم فهم المقصود منها كبراهين على قدرة الله سبحانه وتعالى.
2- الإشارات العلمية بآيات القرآن الكونية ليست من الوضوح بحيث يدرك مدلولاتها العلمية غير المتخصصين في العلوم الكونية الذين لم تتوفر لهم المعارف والحقائق والعلوم. ولم
يكن
من السهل على المسلمين الأوائل أن يتعرفوا عليها كإشارات علمية قابلة للبحث والاستقصاء العلمي.
3- المسار العلمي للتعرف على ما تحمله الإشارات العلمية للقرآن من معارف كونية لا يبدأ من النصوص القرآنية ثم يتجه إلى المعامل للبحث والتجريب، ولكنه يبدأ من الكشوف
الكونية على أيدي العلماء – مسلمين وغير مسلمين – ثم يتجه إلى الآيات القرآنية لتطابقها وتوضحها وتشرحها، مصداقاً لقوله تعالى: (
ولتعلمنّ
نبأه بعد حين ) [سورة صاد] وتمشياً مع سنن الله سبحانه وتعالى في إظهار آياته الكونية التي يشير إليه قوله سبحانه وتعالى
: ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق... ) [سورة فصلت] فالبحث
العلمي يبدأ من الكون المنظور، ثم يتجه إلى آيات الله المسطورة وهي القرآن الكريم ويشرح معانيها، فيما يعرف بالتفسير العلمي للقرآن الكريم.
4- لا بأس – إن أمكن – من السير في الاتجاه العكسي للمسار العلمي، حيث نبدأ من بعض الإشارات العلمية بالقرآن الكريم. وهذا يحتاج إلى إمكانات بحثية ضخمة ويحتاج إلى قناعة
بجدوى ذلك المسار العلمي في الاتجاه المعاكس ويمكننا أن نسمي ذلك " التطبيق التجريبي للإعجاز العلمي " وأسهل منه في مجال الاكتشافات الكونية ذلك المسار الذي يتحرك من
الاكتشافات الكونية ويتجه نحو الإشارات العلمية الواردة في القرآن الكريم لتنجلي وتنكشف الحقائق بالآيات القرآنية.
وبهذا نسير أحد المسارين العلميين في خدمة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم الذي يقوم بدوره بدعم الإيمان بمعجزة القرآن ومصداقيته كوحي من الله سبحانه وتعالى نزل على رسولنا
محمد صلى الله عليه وسلم.
الاعتراض التاسع: وهو أن القول بالإعجاز العلمي ينقصه شرط التحدي وينقصه أن يكون من جنس ما
برز فيه الموجه لهم التحدي
أما عن القول الأول، أي مجيء تحديه بالمثلية ( فأتوا بسورة من مثله...)[ سورة البقرة ] فإن
الإعجاز العلمي يدخل في المثلية. كما أن المعجزة ليست قائمة على التحدي والمعاجزة فحسب، بل إنها تتحقق بمجرد تفردها عن المألوف بما يؤكد أنها من عند الله سبحانه وتعالى
تأييداً لرسوله صلى الله عليه وسلم... والإعجاز العلمي حقق ذلك الغرض، خاصة في القرون التالية لعصر نزول القرآن، حيث أن القرآن جاء معجزة لكل الناس في كل الأزمان،
والعرب وقت نزول القرآن كان تحديهم بالبلاغة والبيان، وهذا وجه من وجوه الإعجاز. وفي عصور التقدم في العلوم الكونية ظهر الإعجاز فيما يحمله القرآن من حقائق علمية غير
مسبوقة، فالإعجاز العلمي إذ لم يأت ليتحدى من نزل فيهم القرآن فحسب، ولكن جاء لتشهد القرون من بعدهم على أنه وحي من عند الله، وذلك من
مقاصد المعجزة كما قلنا. الاعتراض العاشر: يتمثل في قولهم المعارف الكونية الواردة بالقرآن هي من قبيل ذكر الظواهر
الكونية التي يعرفها عامة الناس – كتعاقب الليل والنهار وحركة الشمس – وليس في ذلك إعجاز علمي.
المعارف الواردة بالقرآن الكريم عن الظواهر الكونية تختلف تماماً عن تلك التي يعرفها عامة الناس بالفطرة، والتي هي من قبيل المعارف الظاهرية. وعلى سبيل المثال، يعرف الناس
ظاهرة الليل والنهار وتعاقبهما، ولكن القرآن عندما يتناول هذه الظاهرة المألوفة للناس جميعاً فإنه يتحدث عنها بدقة علمية مستخدماً كلمات تكمن فيها الإشارات العلمية التي تكون
مجهولة حتى للمتخصصين قبل اكتشافها.
قال الله سبحانه وتعالى في شأن تعاقب الليل والنهار: ( يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل ) [سورة الزمر]
وقال تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون... ) [سورة يس]
وقال تعالى: ( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل... ) [سورة آل عمران]
فالتكوير تعبير عن التفاف الليل على النهار والتفاف النهار على الليل في تعاقبهما. وفي ذلك إشارة علمية إلى كروية الأرض، وهذا ما فهمه العلماء
من هذه الآية... و(نسلخ) وصف لتعاقب الليل والنهار بانتزاع النهار من الليل، وقد شاهد هذا المنظر في الواقع، رواد الفضاء عندما نظروا إلى الأرض وإلى الليل والنهار.
ومثال آخر للمألوف من الظواهر الكونية وهو عن حركة الشمس الظاهرية، فالناس يدركون هذه الظاهرة منذ أن وجدوا، ولكن القرآن الكريم يصف حركة حقيقة للشمس في قول الله
تعالى: ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ) [سورة يس].
فالفعل (تجري) لا يدل على الحركة الظاهرية التي يراها الناس، وهي شروق الشمس وغروبها، بل هو يدل حركة حقيقة عظيمة المعدل تستق تعبير (
الجري )، وهذا ما توصل إليه العلماء في عصرنا الحاضر.
ونلفت نظر المعارضين إلى ذلك التفاوت بين معارف العامة للظواهر الكونية وبين حديث القرآن عنها، حتى يدركوا مفهوم الإعجاز العلمي والإشارات الكونية بالقرآن الكريم. وما
ذكرناه من أمثلة إنما هو عن الظواهر الكونية المألوفة للعامة، ولكن هناك الكثير والكثير بالقرآن الكريم عن المعارف الكونية التي يجهلها المتخصصون وجاءت كإشارات علمية
بآيات القرآن الكريم، فليعلم المعارضون ذلك جيداً...!!
| |
|