لذة المناجاة
وحلاوة العبادة
الخطبة الأولى
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون
عن أي شيء يبحث الإنسان في هذه الحياة ? أليس الناس
يبحثون عن السعادة العظمى ، والثروة الكبرى ؟ أليسوا يجدون في إثر الطمأنينة
المستقرة والراحة المستمرة ؟ أليسوا يرغبون في أن يدخل السرور إلى قلوبهم وأن تشيع
البهجة في نفوسهم وأن تعلو البسمة شفاههم وأن تترقب ألسنتهم بجميل القول ، وأن
تستقبل آذانهم حسن الكلام؟ أليس كثير من الناس يبحثون عن اللذة والسعادة ؟
إن طريقها في هذا الدين العظيم وكثيرون هم الضايعون في بحثهم، وآخرون
كثيرون أيضاً هم الواهبون فيما توصلوا إليه من نتائج، يلتمسون بها السعادة،
ويقصدون بها حصول اللذة ، وأولئك في حيرتهم يعمهون ، والآخرون في أوهامهم يتخبطون،
وأنت أيها المؤمن الصادق .. أيها المسلم المخلص .. أيها العبد الخاضع لله ، صاحب
اللسان الذاكر لله - عز وجل- والدمعة الخاشعة لله - سبحانه وتعالى - والجبهة
الخاضعة لعظمة الله - جل وعلا - أنت وحدك إن فهمت هذا الإيمان ، تفاعلت معه، وإن
أتيت بموجباته ، فأنت السعيد الفريد في هذه الحياة الدنيا، وأنت الناجي الفائز
بإذن الله -عز وجل- في الحياة الأخرى.
اللذة التي يبحث عنها الناس
أي شيئ تطلب ؟ وعن أي شيء تبحث ؟ والأمر قد يسره الله - سبحانه وتعالى-
وبسطه بين يديك ، وجعله طريق واحدة ، تبدأ من أول لحظة تعي فيها، وتدرك التكليف ،
وإذا به طريق يمتد من هذه الأرض الصغيرة ،إلى السموات العلى إلى رضوان الله -
سبحانه وتعالى - إن اللذة والسعادة في الإيمان .. في السعي لنيل رضى الرحمن.. في
عبادة الملك المنان - سبحانه وتعالى -
فلننظر إلى هذه اللذة التي ذاقها المؤمنون .. التي عرفها وعلمها للناس
المرسلون ، والتي اقتطف ثمارها وتمتع بأذواقها عباد الله الصالحون ، والتي حرمها
كثيراً من المسلمين في هذه الأوقات ، لأنهم لم يأخذوا سبيلها، ولم ينهجوا طريقها،
ولم يؤدوا واجباتها.
اللذة الحقيقية
إن أعظم هذه المنن والنعم أن تكون الحياة كلها لله - سبحانه وتعالى - { وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }، { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }.
ما أعظم أن يكون الضعيف مرتبطاً بالله القوي ! ما أعظم
أن يكون العبد العاجز مرتبطاً بالله - سبحانه وتعالى - الذي لا منتهى لكماله ! ما
أعظم أن يخضع الفقير للمعدم للغني القاهر - سبحانه وتعالى - ! إنه حينئذً يتحول
إلى صورةً أخرى ، وإلى معنىً آخر في هذه الحياة ، إنه يرتبط حينئذٍ بالسماء ،
يرتبط بنور الوحي ، يرتبط بنفخة الله - عز وجل - التي نفخها في خلقة آدم أول ما
خلق .. عندما جعل خلقه قبضة من طين، ونفخةً من روح ، عندما أراد الله - عز وجل -
أن يجعل لهذه الروح غذاءها المرتبط بخالقها - سبحانه وتعالى - .
الإيمان الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فيه
اللذة والحلاوة والمتعة والسعادة .. الذي فيه طمأنينة القلب ، وسكينة النفس ، فها
هو - عليه الصلاة والسلام- يعبر تعبيراً صريحاً واضحا ،ً قوي المعنى: ( ذاق طعم
الإيمان ، من رضي بالله ربًاً، وبالإسلام دينا،ً وبمحمدً - صلى الله عليه وسلم -
نبياً ورسولاً ) ما أعظم هذا الاستقرار والسكينة والطمأنينة ، عندما ترتبط بالله -
عز وجل- خضوعاً لإله واحد، وغيرك من الناس يخضع لقوى الأرض ، يبتغي لديها خيراً،
وآخرون يخضعون لقوى البشر يخشون منها ضراً، وأنت حر طليق لا عبودية لك إلا لله -
سبحانه وتعالى- ، والناس أيضاً يتخبطون ويتحيرون ويلتمسون طريقاً هنا وهناك ،
ومنهجا من شرق وغرب ، وأنت عندك منهج الإسلام ، الصراط المستقيم الذي جمع الله -
سبحانه وتعالى - فيه الخير كله، ونفى عنه القصور والضر كله { اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً }، والناس يبحثون عن قدوات يلتمسونها
هنا وهناك ، وقدوتك العظمى وأسوتك المثلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير
الخلق أجمعين ، وخاتم الأنبياء والمرسلين { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }. ما أعظم هذه الوحدة التي
توحد وجهتك وقصدك لله - سبحانه وتعالى - خضوعاً وذلة ، وعلى الإسلام منهج تحاكم
وشريعة حياة ، ومع الرسول- صلى الله عليه وسلم- قدوة تحتذى ، وأسوة تتبع . ما أعظم
هذه الطمأنينة التي تنسكب في القلب ! { الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا
بذكر الله تطمئن القلوب}، ما أعظمها من نعمة ! وما أعظمها من لذة ! لو أن الإنسان
تفاعل بها انفعال صادقاً.. لو أنه تشربها تشرباً كاملاً ، لو أنه عاشها وبقي معها،
في مداومة مستمرة ، وفي حياة متواصلة ، إذاً لتحقق له أيضاً ما بينه النبي - صلى
الله عليه وسلم - من المفارقة في اللذة التي إذا جناها العبد حقيقةً، وإذا اقتطفها
ثانيةً ؛ فإنه لا يرضى عنها بديلاً ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن
يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره
أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار )، كل هذه المشاعر من المحبة والميل
العاطفي ،إنما رابطها الإيمان الذي يغذيها وينميها، ويجعلها متعةً ولذة في هذه
الحياة ، ولذا قال سلف الأمة - عندما تذوقوا هذه الحلاوة -: " والله إنا لفي
لذة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ". ذاقوا طعمها ..
ذاقوا صلة بالله - سبحانه وتعالى - عظيمة، التي متى تعلق قلبك بها لن يتعلق بشيء
سواه ، وبدأ حينئذً كل أمرك من طموح، ومن شوق ، ومن آمال ، ومن غايات في هذه
الحياة ، يرتبط بهذا الإيمان كما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه المنن
الإيمانية ، والمنح الربانية ، التي يسوقها - سبحانه وتعالى - لك أنت - أيها العبد
المؤمن المسلم- من بين هذه البشرية الحائرة الضالة المتخبطة ، البعيدة عن منهج
الله ، الجاحدة لرب الأرباب ، وملك الملوك - سبحانه وتعالى- .
تأمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله إذا
أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلان فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن
الله يحب فلان فأحبوه فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ) .
فإذا أنت ترى القلوب تهفو إليك ، وترى الأيدي تعانقك ،
وترى الشفاه تبتسم لك ، وترى بريق العيون ينظر لك نظرة المحبة، ولم تسدي إليهم
معروفا ،ً ولم تقدم إليهم مساعدة، وإنما هي لغة التحاور الإيماني وإنما هي مشاعر
القلوب التي ترسل بإذن الله - عز وجل - تلك الروابط ، التي تسعد بها البشرية ،
والتي تطمئن بها أسباب الحياة بين البشر .
حتى تدرك مدى ما ينعكس من أثار الإيمان في طمأنينتك
وعلاقتك بهذا الكون وعلاقتك بهذه الحياة تأمل قول النبي - عليه الصلاة والسلام -
عندما قال : ( من ابتغى رضى الله بسخط الناس ، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن
ابتغى سخط الله برضى الناس ، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، يبقى شقياً محروماً
، منكوداً مطرداً ، وإن ملك الأموال كلها ، وإن كان بين يديه كل شيء من ملذات
الحياة ، لكن في صدره ضيق ، وفوق قلبه أكوام من الهموم ، وفوق عينيه غم يتجسد في
مراء وجهه ، كأن عليه قطع من سواد مظلم ، وكأن على وجوههم قتر وذلة . نسأل الله -
سبحانه وتعالى - السلامة.
لذة الخلوة مع الله
والمؤمن الذي خلى بربه كما قال الحسن البصري حينما سئل : ما بال أهل الليل
على وجوههم نور ؟ قال : لأنهم خلوا بربهم فألبسهم من نوره - سبحانه وتعالى – .
المؤمن الذي في عز المحنة وشدتها وهولها ، يبقى ساكناً ،
مطمئناً بوعد الله - عز وجل - وبنصر الله - سبحانه وتعالى - كما كان من الرسل
والأنبياء ( ما ضنك باثنين الله ثالثهما) أعظمها من نعمة ! وما أعظمها من لذة ! لو
أن الإنسان تفاعل بها انفعال صادقاً.. لو أنه تشربها تشرباً كاملاً ، لو أنه عاشها
وبقي معها، في مداومة مستمرة ، وفي حياة متواصلة ، إذاً لتحقق له أيضاً ما بينه
النبي - صلى الله عليه وسلم - من المفارقة في اللذة التي إذا جناها العبد حقيقةً،
وإذا اقتطفها ثانيةً ؛ فإنه لا يرضى عنها بديلاً ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة
الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله
، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار )، كل هذه المشاعر من
المحبة والميل العاطفي ،إنما رابطها الإيمان الذي يغذيها وينميها، ويجعلها متعةً
ولذة في هذه الحياة ، ولذا قال سلف الأمة - عندما تذوقوا هذه الحلاوة -: "
والله إنا لفي لذة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ".
ذاقوا طعمها .. ذاقوا صلة بالله - سبحانه وتعالى - عظيمة، التي متى تعلق قلبك بها
لن يتعلق بشيء سواه ، وبدأ حينئذً كل أمرك من طموح، ومن شوق ، ومن آمال ، ومن
غايات في هذه الحياة ، يرتبط بهذا الإيمان كما بين النبي - صلى الله عليه وسلم -
في هذه المنن الإيمانية ، والمنح الربانية ، التي يسوقها - سبحانه وتعالى - لك أنت
- أيها العبد المؤمن المسلم- من بين هذه البشرية الحائرة الضالة المتخبطة ،
البعيدة عن منهج الله ، الجاحدة لرب الأرباب ، وملك الملوك - سبحانه وتعالى- .
تأمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله إذا
أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلان فأحبه فيحبه جبريل .. { قال كلا إن معي ربي
سيهدين } .. { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم }، ما أعظم هذه
الطمأنينة المنسكبة في القلب ، والتي تجعل الإنسان مستقراً مطمئناً .
فليتك تحلو والحياة مريرة **** وليتك ترضى والأنام غضابُ
فإذا صح منك الود فالكل هيناً **** وكل الذي فوق التراب
ترابُ
هكذا عندما تتعلق بالله - عز وجل - تكون أشواقك وأفراحك ، وكل ما يمر بك
إنما ينزل هذا المنزل العظيم فما الذي يفرحك في هذه الدنيا ؟ إنه الفرح بفضل الله
.. بطاعة الله - سبحانه وتعالى - { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير
مما يجمعون }، عندما يفرح الناس بالعلاوات وزيادة الأموال .. عندما يفرحون بالدور
والقصور ، يفرح المؤمن بسجدةٍ خاشعة ، في ليلة ساكنة ، في وقت سحر يناجي فيها ربه
، ويسكب دمعه ، ويتذلل بين يدي خالقه - سبحانه وتعالى – { تتجافى جنوبهم عن
المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون } ما هذا الشوق الذي يستولي
على القلب عندما يتغلغل فيه الإيمان ؟ فهذا بلال - رضي الله عنه - عندما تحين وفاته
، تصيح زوجته وتقول: يا حزناه فيقول : بل وافرحتاه ، غداً ألقى الأحبة محمداً
وصحبه.
الشوق إلى لقاء الله - سبحانه وتعالى - دعا أنس بن النضر
أن يلغي ذلك التفكير المادي المنطقي في يوم أحد ،وإذا به يقول : "واهاً لريح
الجنة ، والله إني لأجد ريحها دون أحد " ثم ينطلق مشتاقاً راغباً محباً
متولعاً عاشقاً للقاء الله - سبحانه وتعالى - راغباً في طاعة الله - سبحانه وتعالى
- ويلقي بنفسه يعانق الموت قبل أن يأتيه ، وإذا أعظمها من نعمة ! وما أعظمها من
لذة ! لو أن الإنسان تفاعل بها انفعال صادقاً.. لو أنه تشربها تشرباً كاملاً ، لو
أنه عاشها وبقي معها، في مداومة مستمرة ، وفي حياة متواصلة ، إذاً لتحقق له أيضاً
ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المفارقة في اللذة التي إذا جناها العبد
حقيقةً، وإذا اقتطفها ثانيةً ؛ فإنه لا يرضى عنها بديلاً ( ثلاث من كن فيه وجد بهن
حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه
إلا لله ، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار )، كل هذه
المشاعر من المحبة والميل العاطفي ،إنما رابطها الإيمان الذي يغذيها وينميها،
ويجعلها متعةً ولذة في هذه الحياة ، ولذا قال سلف الأمة - عندما تذوقوا هذه
الحلاوة -: " والله إنا لفي لذة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا
عليها بالسيوف ". ذاقوا طعمها .. ذاقوا صلة بالله - سبحانه وتعالى - عظيمة،
التي متى تعلق قلبك بها لن يتعلق بشيء سواه ، وبدأ حينئذً كل أمرك من طموح، ومن
شوق ، ومن آمال ، ومن غايات في هذه الحياة ، يرتبط بهذا الإيمان كما بين النبي -
صلى الله عليه وسلم - في هذه المنن الإيمانية ، والمنح الربانية ، التي يسوقها -
سبحانه وتعالى - لك أنت - أيها العبد المؤمن المسلم- من بين هذه البشرية الحائرة
الضالة المتخبطة ، البعيدة عن منهج الله ، الجاحدة لرب الأرباب ، وملك الملوك -
سبحانه وتعالى- .
تأمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله إذا
أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلان فأحبه فيحبه جبريل به يمضي شهيداً إلى الله -
سبحانه وتعالى - .
وذاك عمير بن الحمام في موقعة وغزوة بدر يأكل تمرات ،
فحينما يسمع نداء النبي – صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا يقاتلهم اليوم رجل
مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ) فيرمي بالتمرات قائلاً : ما أطولها من
حياة حتى أبلغ هذه الأمنية العظيمة
.
نعمة الإيمان وأثره على الحياة
الإيمان يحول الحياة كلها إلى جنة خضراء ، كأنما الإنسان
في بستان تجري من حوله الأنهار ، وتزينه الأزهار ، ويستمتع بضلال الأشجار ،
ويتناول لقطف تلك الثمار ، كأنه ما مسه من ضر ، ولا لقي في هذه الحياة من عناء ،
كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن
الضعيف ، وفي كل خير) ، وقال في حديث آخر : ( عجباً لأمر المؤمن ! إن أمره كله له
خير ، إن أصابته سراء شكر ، وإن أصابته ضراء صبر ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ) ففي
كل الأحوال هو يرى نور الله - عز وجل - ويرى حكمة قدر الله - عز وجل - ويسلم لأمر
الله - عز وجل - ويبتغي في السراء ، وفي الضراء رضوان الله - عز وجل- ويلتمس أجر
الله - سبحانه وتعالى - حتى الشوكة يشاكها العبد المؤمن يكفر الله - سبحانه وتعالى
- به من خطاياه ما أعظم هذه المنة أيها الأخوة الأحبة ! .
إنها نعمة لا تدانيها نعمة ، ولا توازيها منة ، عندما ينشغل الناس بجمع
الأموال والثروات ، وينشغل العبد المؤمن بجمع الأعمال الصالحة والحسنات ، يلتمس
أجراً هنا ، ويلتمس حسنةً هناك كما كان أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم - لا
يتنافسون على غنائم أعظمها من نعمة ! وما أعظمها من لذة ! لو أن الإنسان تفاعل بها
انفعال صادقاً.. لو أنه تشربها تشرباً كاملاً ، لو أنه عاشها وبقي معها، في مداومة
مستمرة ، وفي حياة متواصلة ، إذاً لتحقق له أيضاً ما بينه النبي - صلى الله عليه
وسلم - من المفارقة في اللذة التي إذا جناها العبد حقيقةً، وإذا اقتطفها ثانيةً ؛
فإنه لا يرضى عنها بديلاً ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله
ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود
إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار )، كل هذه المشاعر من المحبة والميل العاطفي
،إنما رابطها الإيمان الذي يغذيها وينميها، ويجعلها متعةً ولذة في هذه الحياة ،
ولذا قال سلف الأمة - عندما تذوقوا هذه الحلاوة -: " والله إنا لفي لذة لو
علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ". ذاقوا طعمها .. ذاقوا
صلة بالله - سبحانه وتعالى - عظيمة، التي متى تعلق قلبك بها لن يتعلق بشيء سواه ،
وبدأ حينئذً كل أمرك من طموح، ومن شوق ، ومن آمال ، ومن غايات في هذه الحياة ،
يرتبط بهذا الإيمان كما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه المنن الإيمانية
، والمنح الربانية ، التي يسوقها - سبحانه وتعالى - لك أنت - أيها العبد المؤمن
المسلم- من بين هذه البشرية الحائرة الضالة المتخبطة ، البعيدة عن منهج الله ،
الجاحدة لرب الأرباب ، وملك الملوك - سبحانه وتعالى- .
تأمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله إذا
أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلان فأحبه فيحبه جبريل الدنيا ، ولا على لعاعتها ،
وإنما - كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه - : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور
، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم . جاءت الحسرة في
نفوس الصحابة على ذلك الأجر والثواب الذي لا يستطيعونه فقال لهم النبي - عليه
الصلاة والسلام - مسلياً وفاتحاً أفاقاً وأبواباً من الخير عظيمة ( أو ليس قد جعل
الله لكم ما تصدقون به كل تسبيحة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل
تحميدة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ) وذكر أبواب من الخير
عظيمة ثم ماذا ؟ رجع القوم بعد ذلك مرة أخرى فقالوا : يا رسول الله سمع إخواننا ما
قلت ففعلوا مثلما فعلنا . قال : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .
كان القوم إنما همهم أن يجمعوا رصيداً يحضون فيه برحمة
الله - سبحانه وتعالى - ويتأهلون فيه لنيل رضوان الله - عز وجل- وأن يشملهم بواسع
رحمته ، وأن يتغمدهم برضوانه ومغفرته- سبحانه وتعالى- .
وقد ورد في صحيح مسلم عن حال الصحابة أنه أحدهم كان لا
يجد الصدقة يتصدق بها ، فماذا كان يصنع وقد عذره الله سبحانه وتعالى ؟ قال : فكان
أحدنا يحتمل الحمال - عنده قوة بدن - فيعمل حاملاً لا ليتوسع في الرزق ، ولا ليرفع
من مستوى المعيشة ،ولا ليزيد في الأرصدة ، ولا ليؤمن المستقبل- كما يقول الناس
اليوم - ولكن يحمل الحمالة ليجد ما يتصدق به بين يدي الله - سبحانه وتعالى - .
ما أعظم هذه النفوس وهذه الغايات ! سعادة عندما يقدم لله
- عز وجل - .. سعادة عندما يفرّج كربة أخيه المسلم ، سعادة عندما يتابع النبي –
صلى الله عليه وسلم - ثم ما أعظم