حقيقة جمال الدين الأفغانى , حقائق تنشر لأول مرة
بسم الله الرحمن الرحيم
أعلم أن الموضوع طويل لكنه بحق مهم
آية الله مازندراني !!
لا يمكن أن نمر على تاريخ الماسونية في مصر دون أن نعرِّج على سيرة من وُصِف بأنه مؤسس المدرسة الإصلاحية و أستاذها الأول جمال الدين الأفغاني ، أو "المازندراني"
ـ فمن هوالأفغاني ؟؟
ـ ولماذا جاء إلى مصر ؟؟؟؟
نسبه :
هو جمال الدين هو جمال الدين بن صفدر المازندراني المعروف بالأفغاني ولد عام 1254هـ 1838م ، و قد اختلف في نسبه و بلدته كما سيأتي
عقيدته:
يعد جمال الدين الأسد آبادي من الشخصيات التي لايزال الغموض يكتنفها والسرية تحوط معظم تصرفاتها ، إذ كان الافغاني ذا علاقة مريبة باليهود والنصارى والمرتدين ، و صلة وثيقة بالمحافل الماسونية ، بل رئيساً لأحدها وهو محفل كوكب الشرق في القاهرة، و لذلك لم يعدم الافغاني من علماء الاسلام من يفتي بكفره و انحلاله ، فقد اتهم الأفغاني بالإلحاد و الخروج من ربقة الدين عدة مرات والذي يقرأ مؤلفات الأفغاني ورسائله التي كان يرسلها لتلامذته وأتباعه يرى من خلالها أنه كان صاحب عقيدة غير سوية .
و كذلك رسائل تلامذته إليه مما ينضح بالغلو القبيح و الشرك الصريح ، فمن ذلك رسالة الشيخ محمد عبده إلى إستاذه جمال الدين الأفغاني بتاريخ 5 جمادي الأولى سنة 1300 ، يقول فيها :
( ليتني كنت أعلم ماذا أكتب لك ، وأنت تعلم ما في نفسي كما تعلم ما في نفسك ، صنعتنا بيدك وافضت على موادنا صورها الكمالية وانشأتنا في أحسن تقويم ، فيك عرفنا أنفسنا ، وبك عرفناك ، وبك عرفنا العالم أجمعين ، فعلمك بنا كما لا يخفاك علم من طريق الموجب ، وهو علمك بذاتك ، وثقتك بقدرتك وارادتك ، فعنك صدرنا وإليك إليك المآب .
أوتيت من لدنك حكمة أقلب بها القلوب واعقل العقول ، واتصرف بها في خواطر النفوس ، ومنحت منك عزمة أتعتع بها الثواب ، وأذل بها شوامخ الصعاب ، وأصدع بها حم المشاكل ، واثبت بها في الحق للحق حتى يرضى الحق ، وكنت أظن قدرتي بقدرتك غير محدودة ، ومكنتي لا مبتوتة ، ولا مقدورة ، فإذا أنا من الأيام كل يوم في شأن جديد ) .
إلى أن يقول :
( فصورتك الظاهرة تجلت في قوتي الخيالية وامتد سلطانها على حسي المشترك ، وهي رسم الشهامة ، وشبح الحكمة وهيكل الكمال ، فإليها ردت جميع محسوساتي ، وفيها فنيت مجامع مشهوداتي ، وروح حكمتك التي احييت بها مواتنا ، وأنرت بها عقولنا ،ولطفت بها نفوسنا ، بل التي بطنت بها فينا ، فظهرت في اشخاصنا ، فكنا اعدادك ، وأنت الواحد وغيبك ، وأنت الشاهد ورسمك الفوتوغرافي الذي أقمته في قبلة صلاتي ، رقيبا على ما أقدم من أعمالي ، ومسيطر علي في أحوالي ، وما تحركت حركة ولا تكلمت ولا مضيت إلى غاية ولا انثنيت عن نهاية حتى تطابق في عملي أحكام أرواحك ؛ وهي ثلاثة فمضيت على حكمها سعيا في الخير ، واعلاء لكلمة الحق ، تأييدا لشوكة الحكمة ، وسلطان الفضيلة ، ولست في ذلك إلا آلة لتنفيذ الرأي المثلث ، ومالي من ذاتي إرادة حتى ينقلب مربعا غير أن قواي العلية تخلت عني في مكاتبتي إليك ، وخلت بيني وبين نفسي التزاما لحكم ان المعلول لا يعود على علته بالتأثير على أن ما يكون إلى المولى من رقائم عبده ليس ألا نوعا من التضرع والابتهال لا أحسب فيه ما يكشف خفاء أو يزيد جلاء ، ومع ذلك فإني لا أتوسل إليك في العفو عما تجده من قلق العبارة وما تراه مما يخالف سنن البلاغة بشفيع أقوى من عجز العقل عن إحداق نظره إليك واطرق الفكر خشية منك بين يديك ، وأي شفيع أقوى من رحمتك بالضعفاء وحنوك لمغلوبي حياء ) .
ثم يقول أيضا :
( أما ما يتعلق بنا فإني على بينة من أمر مولاي ، وان كان في قوة بيانه ما يشكك الملائكة في معبودهم والأنبياء في وحيهم ، ولكن ليس في استطاعته أن يشك نفسه في نفسه ، ولا أن يقنع عقله إلا على بالمحالات وإن كان في طوعه أن يقنع بها من أراد من الشرقيين والغربيين)انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص155 .
قال الشيخ فهد الرومي معلِّقاً على خطاب محمد عبده :
( وهي عبارات ولا شك خطيرة توجب إعادة النظر في عقيدة الرجل عند من لا تخدعه الأسماء ، وقد استغرب السيد رشيد رضا نفسه هذه الرسالة من إستاذه حيث قال عند سياقه لها :
"ومن كتاب له إلى السيد جمال الدين عقب النفي من مصر إلى بيروت ، وهو أغرب كتبه ، بل هو شاذ فيما يصف به استاذه السيد مما يشبه كلام صوفية الحقائق والقائلين بوحدة الوجود التي كان ينكرها عليهم بالمعنى المشهور عنهم ، وفيه من الإغراق والغلو في السيد ما يستغرب صدوره عنه ، وإن كان من قبيل الشعريات وكذا ما يصف به نفسه بالتبع لاستاذه من الدعوى لم تُعهد منه البته" ) .
انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص155
فمن تلك التهم :
أـ الإلحاد :
ـ إذ قال عنه تلميذه النصراني سليم العنجوري في "شرح ديوان سحر هاروت"
عند ترجمته له : إنه سافر إلى الهند وهناك أخذ عن علماء البراهمة والإسلام أجل العلوم الشرقية والتاريخ ، وتبحر في لغة "السانسكريت" أم لغات الشرق .
وبرَّز في علم الأديان حتى أفضى به ذلك إلى الإلحاد والقول بقدمية العالم ، زاعماً أن الجراثيم الحيوية المنتشرة في الفضاء هي المكونة ـ بطرق وتحول طبيعيين ـ ما نراه من الأجرام التي تشغل الفضاء ويتجاذبها الجو ، وأن القول بوجود محرك أول حكيم وهمٌ نشأ من ترقي الإنسان في تنظيم المعبود على حسب ترقيه في المعقولات . انظر : تاريخ الأستاذ الإمام (1/43 ) .
و هذه ـ بالضبط ـ هي عقيدة حكماء مصر القديمة ، التي تتبناها الماسونية من وراء حجاب ، و تُظهِرها في فترات متباعدة ـ و في مقاسات متعدِّدة .
إذ أن فلسفة الكابالا اليهودية القائمة على أرثٍ فرعوني قديم تقوم على أساس أن الكون تشكَّل بنفسه وتطور تلقائياً بعوامل المصادفات العشوائية.
يقول مؤلفا كتاب "مفتاح حيرام" :
( كان المصريون القدماء يؤمنون بأن المادة كانت موجودة منذ الأزل، حيث أن الدنيا وجدت بولادة النظام من رحم الفوضى والعماء و الظلام ـ وهو نفس ما كان يعتقده السومريون أيضاً ـ ، وكان لهذه الهاوية قوة داخلية ثم أمرت هذه القوة الخالقة نفسها ببدء النظام. ولم تكن هذه القدرة السرية الموجودة داخل المادة في هذه الفوضى على وعي بذاتها... كانت هذه القوة احتمالاً من الاحتمالات وقوة ظهرت من رحم الفوضى نتيجة مصادفات عمياء.
ويعلِّق مؤلفا كتاب "مفتاح حيرام" على تلك الفلسفة المصرية الوثنية بالتطرق إلى امتداداتها الحديثة قائلَين:
"..والغريب أن هذا التعريف للخلق يتطابق تماماً مع النظرة الحالية للعلم الحديث ولا سيما مع "نظرية الفوضى" من ناحية تطور الأنظمة المختلطة والمشوشة رياضياً مكررة نفسها رياضياً ونتيجة للنظام".
.. والمذهل في الأمر أن هذه الفلسفة المصرية الوثنية هي الفلسفة المطروحة في أيامنا الحالية من قبل أنصار "نظرية التطور" و"نظرية الفوضى" لا سيما في مجموع طروحات ماركس و دارون مع الفلسفة الهيغلية ، إلاَّ أن الافغاني رجع الى المصادر القديمة .. فتأمل!
ـ كما اتهمه بعض علماء الأزهر بالإلحاد أيضاً ، ومنهم الشيخ عليش مفتي المالكية .
بل حتى المستشرق البريطاني (ايلي كدوري) كان يعتبر الأفغاني ملحداً، ، ودليله على ذلك عبارةُ للأفغاني ـ خلال محاورةٍ له مع المستشرق الفرنسي (رينان) ـ يقول فيها «لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين» .
وكذلك كان "كدوري" يعتبر تلميذ الأفغاني "محمد عبده" ملحداً ، مستدلاً يقول الشيخ محمد عبده في رسالة لأستاذه بتاريخ 8 شعبان سنة 1300 هـ :
( نحن الآن على سنتك القويمة لا تقطع رأس الدين إلا بسيف الدين ، ولهذا لو رأيتنا لرأيت زهادا عبادا ركعا سجدا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ...) ، انظر منهج المدرسة العقلية في التفسير للشيخ فهد الرومي ، ص161
، و الحاصل أن تلامذة الافغاني ساروا على نفس طريقة شيخهم ، وهي محاربة الدين باسم الدين ، كما قرَّر ذلك الشيخ محمد عبده شخصيا ، و بقلمه أيضاً .
وقد اشتهرت عنه هذه التهمة ، و لعلَّ ذلك هوما جعله يكتب رسالته في الرد
على ا لدهريين ـ مع أنه من أكابرهم ـ ليدفع عنه هذه التهمة.
يقول شبخ الاسلام مصطفى صبري ـ عن محمد عبده ـ فلعله وصديقه أو شيخه جمال الدين أراداأن يلعبا !!! في الإسلام دور لوثر وكالفين زعيمي البروستانت
في المسيحية فلم يتسنَّ لهما الأمر لتأسيس دين حديث للمسلمين ، وإنما اقتصر تأثير سعيهما على مساعدة الإلحاد المقنع بالنهوض والتجديد )) ( موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين 1/144)
ب . القول بأن النبوة مكتسبة :
ـ و في بلاد الأناضول رماه علماء الأستانة بالإلحاد و المروق من الدين إثر محاضرة ألقاها في دار الفنون ذكر فيها أن النبوة صناعة مكتسبة .
ـ وحكى عنه شيخ الإسلام في الدولة العثمانية "حسن أفندي فهمي" أنه جعل النبوة صنعة وسوَّى بينها وبين الفسلفة فأمر شيخ الإسلام الوعاظ وأئمة المساجد أن يهاجموه حتى اضطر لمغادرة الأستانة .
و قال عنه تلميذه النصراني سليم عنجوري:
( ارتجل خطبة في الصناعات غالى فيها إلى حد أن أدمج النبوة في عداد الصناعات المعنوية فشغب عليه طلبة العلم وشددت عليه صحيفة النكير ) " تاريخ الأستاذ الإمام 1/44"
ج ـ وحدة الوجود :
ـ كما وصف الشيخ رشيد رضا ـ تلميذ تلميذه محمد عبده ـ الأفغاني بأنه كان يميل إلى وحدة الوجود التي تشتبه فيها كلام الصوفية بكلام الباطنية ،يقول رشيد رضا: (كان يميل لوحدة الوجود التي يشتبه فيها كلامه مع كلام الصوفية الباطنية ). انظر: "تاريخ الأستاذ الإمام"ـ (1/79 ) .
ويؤيد ما قاله رشيد رضا ما قاله تلميذ آخر للأفغاني وهو أديب إسحاق عندما قال فيه : (كان يميل للتصوف في بدء حياته فانقطع حينًا بمنزله يطلب الخلوة لكشف الطريقة وإدراك الحقيقة ثم خرج من خلوته مستقر الرأي على حكم العقل، وأصول الفلسفة القياسية).
د ـ القول بوحدة الأديان :
و اشتهر عنه القول بوحدة الأديان ، و لا نحتاج كثيرا من الأدلة لاثبات هذه التهمة لكونها من ثمرات الاعتقاد بوحدة الوجود، كما أن صِلاته باليهود و النصارى و دولهم ، و كذلك صِلاته بغيرهم من أهل الملل تؤكد هذا الأمر ، وكذلك انتسابه وترؤسه للمحافل الماسونية التي تدعو الى ذلك بكل صراحة ووضوح .
يقول "شيخ الاسلام" ـ في الدولة العثمانية ـ مصطفي صبري عن دعوة الأفغاني ومحمد عبده :
(( وأما الدعوة الإصلاحية المنسوبة الى محمد عبده فخلاصته أنه زعزع الأزهر عن جموده على الدين !! فقرب كثيراً من الأزهريين الى اللادينيين ولم يقرب اللادينيين الى الدين خطوة وهو الذي أدخل الماسونية في الأزهر بواسطة شيخه جمال الدين الأفغاني كما أنه شجع قاسم أمين على ترويج السفور في مصر )) ( 1/133-134 .
و يقول تلميذه محمد عبده :
(( وإنا نرى التوراة والإنجيل والقرآن ستصبح كتباً متوافقة وصحفاً متصادقة يدرسها أبنا الملتين ويوقرها أرباب الدينين فيم نور الله في أرضه ويظهر دينه الحق على الدين كله )) ، ( الأعمال الكاملة لمحمد عبده جمع محمد عمارة ( 2/363-364)
هـ القول بنظرية النشوء و الارتقاء :
و اشتهر عنه القول بنظرية النشوء و الارتقاء ، و هي تهمة متفرعة عن التهمة الأولى ـ الإلحاد ـ ، يقول الشيخ رشيد رضا ـ عن الافغاني ـ :
(وكلامه في النشوء والترقي يشبه كلام داروين) . انظر: "تاريخ الأستاذ الإمام"ـ (1/79 ) .
سلوكيات جمال الدين :
قال سليم عنجوري كما في كتاب « لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث » للوردي (3/113) « كان (الأفغاني) يكره الحلو ويحب المر ، ويكثر من الشاي والتبغ ، وإذا تعاطى مسكراً ، فقليلاً من الكونياك ".
و أكد ذلك محمد رشيد رضا الذي يقول : ( كان الافغاني يشرب قليلا من الكونياك - وهو نوع من الخمر) " تاريخ الأستاذ الامام " (1/49) .
و كان جمال الدين ممن يشجع على السفور ، بل هو باذر نبتته ، فقد نقل أحمد أمين عن جمال الدين أنه كان يقول : ( وعندي أنه لا مانع من السفور إذا لم يتَّخذ مطيَّة للفجور) « زعماء الإصلاح في العصر الحديث » (ص 114)
وقد تبنى هذه الفكرة تلامذته من بعده ، و نشروها بكل جد واجنهاد ـ لا يُحمدون عليه ـ و بالأخص تلميذه محمد عبده .
ـ وذكر الشيخ يوسف النبهاني مفتي بيروت أنه : ( اجتمع به ـ أي بالافغاني ـ سنة 1287 هـ في مصر حين كان مجاورا بالأزهر ولازمه من قبل المغرب الى قرب العشاء فلم يصل المغرب)
ـ كما ذكر مثل ذلك عن تلميذه محمد عبده فقال :
( الذي أعلمه من حال الشيخ محمد عبده ، وكل من عرفه يعلمه كذلك ، أنه حينما كان في بيروت منفيا كان كثير المخالطة للنصارى والزيارة في بيوتهم والاختلاط مع نسائهم بدون تستر . هذا مما يعلمه كل من عرف حاله في هذه البلاد ، فضلا عن أسفاره المشهورة الى بلاد أوروبا واختلاطه بنساء الأفرنج وارتكابه المنكرات من شرب الخمر وترك الصلوات . ولم يدَّعِ هو نفسه الصلاح ، ولا أحد توهمه فيه . فكيف يكون قدوة وإماما في دين الأسلام ، نعم هو إمام الفسَّـاق والمرّاق مثله ، ولذلك تراهم على شاكلته ، لا حج ولا صلاة ولا صيام ولا غيرها من شرائع الأسلام "
وقال بعد ذلك :
" دعاني رجل من أهل جبل لبنان سنة 1305 هـ وهي توافق 1888 مـ الى بيته فتوجهت معه فوجدت هناك الشيخ محمد عبده . فتصاحبنا من الصباح الى المساء لم أفارقه نهارا كاملا . فصليت الظهر والعصر ولم يصل ظهرا ولا عصرا . ولم يكن به علة ولا عذر له ،إلاَّ خوفه من أنه إذا صلى بحضوري يقول أولئك الحاضرون الذين كان لا يصلي أمامهم أنه يرائي في هذه الصلاة لأجلي ، فغلب عليه شيطانه ، وأصر على عدم الصلاة ، وإلا فقد بلغني عنه أنه كان يصلي تارة ويترك أكثر "
نقلا عن كتاب"الأسلام والحضارة الغربية" للأستاذ الدكتور محمد محمد حسين.
ـ و قد ذكر النبهاني ذلك أيضاً في رائيته الصغرى ، إذ يقول :
( و لكنكم مع تركه الحج مرةً ................ و حجٍّ لباريس و لندنة عشرا
ومع تركه فرض الصلاة و لم يكن ............ يسرُّ بذا بل كان يتركها جهرا
و مع كونه شيخ المسون مجاهراً ............ بذلك لا يُخفي أخُوَّتهم سراًّ
ومع غير هذا من ضلالاته التي ........... بها سار مثل السهم للجهة الأخرى
تقولون أســتاذٌ إمام لديننا ............ فما أكذب الدعوى وماأقبح الأمرا
و نحن نراه عندنا شر فاسقٍ ........... فيُقتلُ فسقاً بالشريعة أو كفراً ).
الرائية الصغرى ضمن كتاب العقود اللؤلؤية من المدائح النبوية للشيخ يوسف النبهاني . ص 383
.أسفاره و مغامراته.
في الهند (المرة الأولى ):
بعد أن تم اعداد جمال الدين اعدادا متقنا من فبل الاستعمار البريطاني، تم ارساله الى الهند التي كانت تقبع في ذلك الوقت تحت الاحتلال الانجليزي ، فارتحل جمال الدين وهو في الثامنة عشر من عمره الى الهند ، حيث احتضنه الاستعمار هنالك، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوربية و يتعلم فيها بعض العلوم الحديثة ، و هناك رأى أن يؤدي فريضة الحج ، فاغتنم هذا الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد ، ويتعرف احوالها ، وعادا ت أهلها ، حتى وافى مكة المكرمة سنة 1273 هـ ( 1857 م ) .
في أفغانستان :
ثم أرسل ـ في مهمة استعمارية ـ الى افغانستان، و ليكتسب ـ أيضاً ـ النسبة الافغانية ، و هنالك كلِّف بكتابة "تاريخ افغانستان " إمعانا في التمويه.
وقضى جمال الدين ثمان سنوات قضاها في بلاد الافغان كانت حافلة بأنواع الدسائس و المكائد بين امراء تلك البلاد ، مِما أجج الحرب بين كل من محمد أعظم ، و شير علي ابني الأمير حاكم افغانستان دوست محمد خان خلال تلك الفترة .
في الهند (المرة الثانية ):
ثم عاد الى الهند عام 1869م ، فلما وصل إلي التخوم الهندية تلقته الحكومة الانجليزية بالحفاوة والإكرام لترسله في مهمة جديدة إلى أرض الكنانة ، حيث قدم على ظهر باخرة بريطانية إلى ميناء السويس.
في مصر (المرة الأولى ) :
في أوائل سنة 1870 م ( أواخر سنة 1286 هـ ) قدم الافغاني الى مصر لأول مرة ، و استقبل بكل حفارة وأقام بمصر أربعين يوماً ، ومُكَّن من التردد على الأزهر ، فاتصل به كثير من الطلبة ، وقرؤوا عليه شروحاً في المنطق و الفلسفة ، في بيته الذي نزل به بخان الخليلي ، ثم عزم على السفر الى الأستانة.
في تركيا (المرة الأولى ) :
وصل السيد جمال الدين إلي الأستانة ، فلقي من جمعية الاتحاد و الترقي حفاوه وإكراماً ، فلم تمض ستة أشهر حتى كان عضواً في مجلس المعارف ، و بدا واضحا لأهل العلم غرابة توجهاته وخبثها ، مما جعله محل نقمة و سخط علماء الدولة ، لا سيما شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي.
وإثر محاضرة ألقاها في جمع حاشد في رمضان سنة 1287 هـ (ديسمبر سنة 1870 م ) في دار الفنون للحث على الصناعات ، قال فيها جمال الدين : أن النبوة صناعة مكتسبة ، رماه علماء الأستانة بالإلحاد والمروق من الدين.
و ألَّف الشيخ (خليل فوزي الفيليباوي) إثر ذلك كتابا باللغة العربية عَنونَه بـ ..(السيوف القواطع) للرد على عقيدة الأفغاني ، وترجم الكتاب في تلك الفترة الى اللغة التركية ، مما حدا بالدولة العثمانية أن تصدر أمرا بإخراجه من البلاد .
الأفغاني و اسماعيل :
من الأمور التي لم يختلف فيها المؤرخون المحققون أن الأفغاني كان رأساً كبيراً في الماسونية العالمية ، ولكونه من كبار الماسون العالميين فقد استقدمه رياض باشا ـ اليهودي الأصل ـ و رئيس الوزراء في عهد اسماعيل باشا ـ بأمرٍ من اسماعيل باشا "الماسوني" الى مصر.
ومع كثرة البلاد التي طاف بها الأفغاني يمكن القول أنه لم يُحدث أثرا في أي من هذه البلاد كما أحدث في مصر التي أقام بها قرابة ثماني سنوات بدأت في مارس 1871 وامتدت حتى أغسطس 1879 .
حيث دخل السيد جمال الدين الافغاني مصر ـ للمرة الثانية ـ في مارس في أول المحرم سنة 1288 هـ ( مارس سنة 1871 م ) ، فأجرت عليه حكومة إسماعيل باشا راتباً مقداره ألف قرش كل شهر ، دون عمل ، و كان الطلبة يقرؤون عليه في بيته في علم الكلام ، والحكمة النظرية ، من طبيعية وعقلية ، وعلوم الفلك ، والتصوف كنوع من التضليل .
و ، وتولى رياض باشا رعايته فيها ، وأعد له سكنًا في حارة اليهود حيث يمكن الافغاني انشاء جمعياته السرية . و بمساعدة من رياض باشا ضم الافغاني إليه عددًا كبيرًا من أصحاب النفوذ في مصر .
وكان اسماعيل باشا قد استقدمه لأمرين :
1ـ أن اسماعيل باشا كان أيضاً ماسونيا:بل و متحمساً للماسونية مع ميل جارف
الى الاوربيين ، فلذلك رحب بأحد أكابر الماسونيين العالميين الذين يسيرون في فلك الماسونية العالمية ، لا سيما البريطانية منها .
2ـ طموحات اسماعيل باشا الانفصالية :
فليس خافياً ما كان يبذله اسماعيل باشا من المساعي للانفصال عن تركيا في ذلك الحين ،
وظهوره بمظهر العاهل المستقل ، كمافي المعرض العالمي في باريس سنة 1867 ،
وفي إغفاله دعوة السلطان إلي حضور حفلات افتتاح القناة سنة 1869 ،
وعزمه على اعلان استقلال مصر التام في تلك الحفلات ـ لولا العقبات السياسية التي اعترضته مما أوجد انواعاً من مظاهر الفتور والجفاء بين الخديوي والسلطان والتي كادت أن تقطع الروابط بينهما .
وأخصها فرمان نوفمبر سنة 1869 الذي اصدره السلطان منتقصا من سلطة الخديوي .
فقد كان إسماعيل يرى في حكمه منافساً لحكومة الأستانة في المكانة والنفوذ السياسي ، وينظر إليها بعين الزراية ، ولا يرضى لمصر أن تكون تابعة لتركيا ، ولا أن يكون هو تابعاً للسلطان العثماني ، مستطيلاً بذلك بعلاقاته مع الانجليز ، إذ كان يطمح للانضمام الى اوربا ، وكان كثيرا ما يصرح بأن حلمه الأكبر أن يجعل من مصر قطعة من أوربا .
ولذلك فقد وجد اسماعيل باشا ضالته في الافغاني الذي كان يناهض الحكم العثماني أينما حل.
الأفغاني و العمل السري:
مما يريب اللباحث في شخصية الافغاني وأهدافه -أيضاً- أن جلٌُّ نشاطاته كانت تتم بالخفاء حيث ما حل ، وأنَّى ارتحل ، و قد اتجه جمال الدين للانخراط في العمل السري ـ منذ دخل مصر ـ بعدة وسائل ، فمن ذلك :
أـ الانخراط في الماسونية:
سرعان ما اتصل الافغاني بالماسونية العالمية بالديار المصرية منذ حل في أرضها ، فانضم مباشرةً إلى المحفل الماسوني البريطاني .
وفي كلمة ألقاها في المحفل البريطاني عاب فيها عليهم عدم التدخل في السياسة، يقول فيها: «دعوني أكون عاملاً ماسونياً نزيهاً متجنباً للرذائل، إذا لم يكن حرصاً على شرف شخصي؛ فتخوفاً من أن تعاب الماسونية بي، فيتخذني الأغيار سهماً للطعن بها وهي براء منه، وما ذنب الماسونية إلا أنها قبلتني بين أفرادها دون اختيار صحيح، وأبقت عليّ من غير تبصُّر؟!) .
إلاَّ أنه استقال من المحفل الاسكتلندي البريطاني ـ كخطوة سياسية ـ ،إذ كيف يكون من سيتصدر الثورة ضد الاحتلال الانجليزي أمام الجماهير عضوا في محفل ماسوني بريطاني .
ـ و التحق بمحفل كوكب الشرق التابع لفرنسا ، و هو أول محفل إشتغل باللغة العربية ، وكان لايؤمه إلا المصريون فحسب أو من هم في حكمهم، وقد ترأسه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وبعض الشوام.
ـ ثم انتقل بعد ذلك إلى ووجه الافغاني خطابا الى المحفل الماسوني الفرنسي، يطلب فيه الانضمام إليهم؛ قال فيه:
«يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة -جمال الدين الكابلي الذي مضى من عمره سبعة وثلاثون سنة-: بأني أرجو من إخوان الصفا وأستدعي من خلال الوفا- أعني: أرباب المقدس الماسوني؛ الذي هو عن الخلل والزلل مصون!- أن يمنوا علي ويتفضلوا إلي بقبولي في ذلك المجمع المطهر! وبإدخالي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر، ولكم الفضل»( 13).
ـ وبعد ثلاث سنوات أصبح من أهم رجال المحفل الماسوني، بل تم اختياره رئيساً له؛ كما جاء في رسالة المحفل إلى جمال الدين، وهي:
لوج كوكب الشرق
نمرة 1255
في القاهرة بمصر و7 جنايو 1878/5878
إلى الأخ جمال الدين المحترم.
إنه لمعلوم لديكم بأن في جلسة 28 الماضي، وبأغلبية الآراء صار انتخابكم رئيس محترم لهذا اللوج لهذا العام؛ ولذا قد نهنيكم ونهني ذواتنا على هذا الحظ العظيم، وعن أمر الرئيس محترم الحالي أدعو إخوتكم للحضور يوم الجمعة القادم 11 الجاري الساعة 2 عربي بعد الغروب إلى محفل هذا اللوج لأجل استلامكم القادوم بعد إتمام ما يجب من التكريز الاعتيادي، ثم سيصير يوم الخميس 10 الجاري الساعة 6 أفرنجي مساء -تكريز رئيس محترم لوج كونكورديه، فالرجاء حضوركم في اليوم المذكور للاشتراك في الأشغال، وفي الحالتين ملابسكم تكون سوداء، ورباطة الرقبة والكفوف بيضاء، واقبلوا منا العناق الأخوي .
كاتب سر
نقولا سكروج .
.و سواءٌ ترأس الافغاني المحفل الاسكتلندي البريطاني أو المحفل الفرنسي ، فكلا المحفلين كانا يخدمان المخطط الانجليزي الفرنسي لتسليم مصر الى بريطانيا مقابل اعطاء المغرب لفرنسا .
ـ و استقال الافغاني من المحفل وأنشأ محفلا آخر تابع للشرق الفرنسي الذي سرعان مابلغ أعضاؤه أكثر من 300 عضواً من نخبة المفكرين والناهضين المصريين ولما كان هذا المحفل مطلق الحرية ، فقد دعاه محفل "كوكب الشرق".
ب ـ الافغاني والجمعيات السرية :وكذلك أنشأ الافغاني الجمعيات السرية ، ومن هذه الجمعيات السرية:
أَ ـ الحزب الوطني الحر ، والذي لم يمضِ على تأسيسه عام واحد حتى :
ـ أصبح أعضاؤه 20180 عضوًا ؟؟
ـ و أصبح له رصيد ضخم من المصارف ؟؟؟
بَ- جمعية مصر الفتاة وأنشأ جمعية "مصر الفتاة" ، وكان معظم أعضائها من شبان اليهود.
ـ و قد تبع تلاميذ الشيخ جمال الدين الافغاني شيخهم في الانضمام إلى الماسونية و الجمعيات السرية ، و منهم كثير من الأدباء و المفكرين ، و الزعماء السياسيين ، ومن أهمهم :
ـ* تلميذه محمد عبده ، و الذي ورث الماسونية الفكرية المتلبسة بلباس الدين .
ـ * سعد زغلول ، و الذي ورث الماسونية السياسية ، و الذي اختاره اللورد كرومر وزيراً للمعارف عام 1907م ثم انتخب وكيلاً للجمعية التشريعية المصرية.
و بعد الحرب العالمية الأولى كون سعد وفداً لمفاوضة الإنجليز حول استقلال مصر عن الأمبراطورية البريطانية فأطلق شرارة ثورة 1919م.
ثم كون حزب الوفد المصري وفاز في الانتخابات البرلمانية عام 1924م وكون الوزارة واصبح أيضاً رئيس البرلمان المصري ثم استقال من منصب رئيس الوزراء ثم انتخب رئيساً للنواب عام 1925م و توفي عام 1927.
و يعتبر سعد زغلول من أهم دعاة العلمانية ، وله الدور العملي الاساسي بحركة السفور بمصر مع صديقه قاسم أمين تلميذ الشيخ محمد عبده و صاحب كتاب "المرأة الجديدة " في الدعوة الى تحرير المرأة والسفور .
و قد ألف الشيخ محمد عبده أكثر فصول الكتاب ، و دافع عنه ، و سار بذلك على خطى شيخه الأفغاني الذي صرح بأنه لا يرى تحريم السفور إذا لم يكن مطيةً للفجور يقول محمد عمارة : " والرأي الذي أؤمن به والذي نبع من الدراسة لهذه القضية هو أن هذا الكتاب إنما جاء ثمرة لعمل مشترك بين كل من الشيخ محمد عبده وقاسم أمين ... وإن في هذا الكتاب - يعني كتاب تحرير المرأة - عدة فصول قد كتبها الأستاذ الإمام وحده ، وعدة فصول كتبها قاسم أمين ، ثم صاغ الأستاذ الإمام الكتاب صياغته النهائية ، بحيث جاء أسلوبه على نمط واحد هو أقرب إلى أسلوب محمد عبده منه إلى قاسم أمين " : " الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده " (1/247 - 248 ) .
ـ و قد اتخذ الافغاني الأعوان والمساعدين من اليهود والنصارى، فقد جعل من معاونيه يعقوب صروف النصراني صاحب الأموال، و يعقوب صنوع أبو نظارة اليهودي ، والذي رثاه الافغاني في «العروة الوثقى»، وسليم عنجوري النصراني الذي تسلم صحيفة «مرآة الشرق».
ـ و كانت سياسة حكومة اسماعيل باشا التي أفضت إلى تدخل الدول في شؤون مصر وامتهانها كرامة البلاد واستقلالها قد ولَّدت الكراهية المطلقة لدى الشعب المصري لنظام حكم اسماعيل باشا .
عند ذلك أنشأ الافغاني الكثير من الأدوات الماسونية كالأحزاب السياسية و الحركات الوطنية المشبوهة ، و المجلات و الجرائد الساخنة التي سخرها لمحاربة البلاط الملكي .
وما أنشأه غير الماسون تمت فيما بعد سرقته ماسونيا من قبل جمال الدين الافغاني وتلامذته .
في هذه الأثناء زاد خطر الأفغاني لكونه كان على قائمة الهرم الماسوني ، والذي ترتبط
به كثير من الحركات الوطنية ، فأسس الصحف المختلفة و شارك في الكتابة فيها ، كما بدأ في بث اطروحات سياسية كالحياة النيابية ، و البرلمان ، والمشاركة الشعبية ، و المجالس الوطنية ممَّا أسهم في تسخين الشارع المصري .
ـ ولم يتجه جمال الدين الى المشاركة السياسية العلنية ضد الانجليز و القصر الملكي إلا حوالي سنة 1876 بعد تطبيق سياسات التدخل الانجليزية .
ثم بدأت خطورة جمال الدين تكبر شيئاً فشيئاً ، و غي سنة 1878 كانت له
الكلمة الفصل في الحياة السياسية عبر أدواته الاعلامية و السياسية من خلال
تلاميذه الماسون الذين تسنموا المناصب العليا في الدولة .
و هناك من انخدع به كأحمد عرابي باشا ، مِمَّا جرَّ ـ على ارض الكنانة ـ الكثير من الويلات ، و أنواع المضائق والأزمات .
بل وصل بالأفغاني الأمر أن فكر في اغتيال الخديوي إسماعيل أثناء مروره على كوبري قصر النيل ، فقد كان جمال الدين متفقًا على برنامج الحكم مع ابنه توفيق الذي كان الأفغاني قد نجح في ضمه إلى محفله الماسوني .
الوضع السياسي خلال عهد اسماعيل باشا:
الخديوي إسماعيل هو ابن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا المولود عام 1830 م ، خامس حكام مصر من أسرة محمد علي باشا ، و اسماعيل هو الذي أغرق مصر بالديون و ان كانت تلك الديون قد ابتدأت في عهد سلفه محمد سعيد بن محمد علي ـ من1854 إلى 1864ـ. الذي منح امتياز شق قناة السويس لصديقه المهندس الفرنسي " دي ليسابس " بشروط مجحفة جرَّت على بلاد مصر الويلات فيما بعد.
ولد اسماعيل في القاهرة عام 1830،. و أتم دراسته في باريس ، و عاد الي مصر حيث أصبح وريثا شرعيا للعرش .
وفي 18 يناير 1863 أصبح إسماعيل والي مصر بعد وفاة عمه سعيد باشا ، و كان الأمير " حليم " شقيق اسماعيل باشا هو الوريث الشرعي " لإسماعيل باشا " بناءا على بروتوكول الوراثة القديمة , إلاَّ أنَّ إسماعيل نجح في أن يجعل الوراثة لابنه توفيق أكبر أبنائه , بعد أن أنفق هدايا ورشاوي للباب العالي للحصول على فرمان 1866 لتحويل الولاية الى أكبر أبنائه .
ثم فرمان 1867 للحصول على لقب الخديوي .
و خلعته إنجلترا عن العرش في 1879نتيجة لتبذيره الذي جر على البلاد التدخل الاجنبي ، بعد أن ضغطت على السلطان العثماني لاستصدار أمر بعزله و تولية ابنه توفيق .
و بعد عزله سافر على الفور إلى ناپولي بإيطاليا، ثم انتقل بعدها للإقامة في الآستانة.
حيث توفي في 2 مارس 1895 .
النشاط الماسوني في عهد إسماعيل :
كان إسماعيل باشا ماسونيا صرفاً كجدَّه محمد علي، وكان متأثرا جدا بالحياة في أوروبا , و ذلك جرَّاء اقامته للدراسة في فرنسا ، فكان يحلم بـأن يجعل فرتسا قطعة من الغرب ، و لذلك فقد لجأ اسماعيل باشا إلى استمالة حكام اوروبا له , فكان يهدي كل واحد منهم يزور مصر مسلة فرعونية وهي التي تظهر في ميادين العواصم الأوروبية الآن .
وحين تولى حكم مصر ألقى مقاليد البلاد لليهود والماسونيين الذين كانوا يسيطرون على نظام الحكم في مصر ويتحكمون في شئون البلاد اقتصاديا وسياسيا .
ـ وزاد النشاط الماسوني في مصر في عهد اسماعيل باشا جدَّا , واحتل الماسونيون في عهده أعلى المناصب في البلاد , فكان رئيس الوزراء والوزراء والمديرون وكبار الشخصيات في مصر من الماسونيين الذين كانوا قد عادوا من فرنسا , و منح اسماعيل الماسونيين ألقاب " باشا " و " بك " و " أفندي " دون غيرهم من المواطنين .
والتف اليهود حول " إسماعيل باشا " وأحسوا بأنه فريسة سهلة يمكن توريطها والزج بها في المستنقع الذي ترسمه له الصهيونية العالمية .. واستغل اليهود حماس " إسماعيل باشا " في أنه يريد أن تكون القاهرة مثل باريس التي عاش فيها .
ـ ثم فتح " إسماعيل باشا " الوظائف الحكومية العامة على مصراعيها لليهود , ولاسيما في أقسام وأقلام الحسابات والترجمة , وبدأ اليهود في تحقيق آمالهم في السيطرة على مصادر المال والذهب في مصر .
وكان من أوائل اليهود الذين عملوا في هذه الوظائف " فيكتور هراري " و " إفرايم عاداة " اللذان تدرجا حتى صار الأول مديرا عاما للخزانة المصرية , وصار الآخر مراقبا بوزارة المالية , و عين " يعقوب منشه " " صراف باشي " للخديوي إسماعيل وهو الذي أسس مع " يعقوب قطاوي " بيتا للصرافة والتجارة ولاقى نجاحا وشهرة حتى أنهما فتحا أفرعا في انجلترا فيما بعد .
ـ وتمكن اليهود و الماسون من إصدار أول صحيفة يهودية سنة 1877 , وامتلكها اليهودي المعروف " يعقوب صنوع " أحد كبار مريدي الافغاني والذي أطلق إسم " أبو نظارة " على صحيفته " وتبعه زميله اليهودي " موسي كاستلي " عام 1879 فأصدر صحيفة " الكوكب المصري " .
واستغل اليهود الموقف فأصدروا الصحف والمجلات التي تخدم أهدافهم الرئيسية التي تساعدهم على إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين , ولما كان " محمد علي " قد عين من قبل يهوديا ضمن أفراد حاشيته , فإن ابنه " عباس الأول " قرب إليه " يعقوب قطاوي " وعينه في وظيفة صراف عام .
وكذلك فعل " إسماعيل " الذي فتح الباب على مصراعيه لأعداد كبيرة من اليهود واستعان بهم في مفاوضات الحصول على القروض الأجنبية من البيوت المالية اليهودية الكبرى في أوروبا مثل بيت " أوبنهايم " وبيت " روتشيلد ".
حليم باشا و الماسونية :ـ
عَهِدَ اسماعيل باشا برعاية الماسونية الى أخيه الأمير حليم ( عبدالحليم ) شقيق إسماعيل باشا الوريث الشرعي لعرش مصر حسب نظام الوراثة المعمول به منذ عهد محمد على باشا ، وذلك لإلهائه عن المطالبة بالعرش .
و هنالك ركز الماسونيون اهتمامهم بالأمير حليم نظرا لحماسه الشديد للنشاط الماسوني في مصر .. و كان قد أتم تعليمه أيضا في فرنسا , في كلية " سان سيتر " العسكرية مع إسماعيل باشا وعاد إلى مصر عام 1845 وهو يعتصر ماسونية , واختاره الماسونيون " استاذا كبيرا " لهم في محفل " الشرق الأكبر الماسوني المصري " عام 1867 , وتحول قصره في شبرا إلي محفل ماسوني ، بل حضر ولي عهد بريطانيا حفل تنصيبه في ذلك القصر .
وكان معظم أعوان الأمير " حليم " من الماسونيين الإيطاليين والفرنسييين واليهود , ومن بين اليهود الخطيرين والذين لعبوا دورا هاما في نشر الماسونية في مصر تلميذ الأمير " حليم " المدعو " يعقوب صنوع " و " حسن موسى العقاد " أحد كبار تجار القاهرة ..
أوربا تصطاد اسماعيل :
كانت انجلترا وفرنسا قد وضعتا خطة عام 1852 لخنق مصر اقتصادياً ، ليكون هناك سبب لإرسال الحملة البريطانية لتحتل مصر فيما بعد في مقابل احتلال فرنسا للجزائر.
وبدأت أوروبا تتخذ من اليهود وسيلة لإيقاع " إسماعيل " في فخ الديون , و لكون اسماعيل باشا كان قد بلغ درجة عالية من الماسونية حتى قيل انه " راعي الماسونية " في مصر , فقد أصدر أمرا بتشكيل وزارة يرأسها الماسوني " نوبار باشا " وهو الذي شارك في إغراق اسماعيل باشا في ديون ضخمة جدا, و نوبار هذا أسهم ـ بشكل كبير ـ في إنشاء المحافل الماسونية في مصر , و كذلك كان هو من أشرف على حفر قناة السويس .
وفرض البيت المصرفي الإنجليزي أول قرض على مصر بمبلغ 3 مليون جنيها استرلينيا بفوائد كبيرة , وسلم " إسماعيل باشا " الأمر لليهود المختصين في وزارة ماليته طوال 12 سنة , ونجحوا مع المصارف البريطانية من فرض 7 قروض أخرى على مصر .
وفي عام 1875 بلغت ديون مصر حوالي 100 مليون جنيه استرليني , مما أدى إلى خلق حالة من إفلاس للحكومة المصرية , وكان ذلك بسبب إنشاء دار للأوبرا تشبه ما هو موجود في باريس وروما , وإنشاء 20 قصرا من أعظم قصور العالم منها قصر عابدين وقصر القبة , ورأس التين والمنتزه وغيرها .. ليتوارثها أولاده وأحفاده من بعده
بالإضافة إلى المصاريف الضخمة التي صرفت على الحفلة الشبه خرافية التي أقامها لافتتاح قناة السويس عام 1869 ...
الخطة المشتركة "البريطانية الفرنسية" لاحتلال مصر :
اتفق اليهودي العالمي ديزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت مع فرنسا أن تعمل على تسليم مصر للاحتلال البريطاني مقابل أن تترك انجلترا دول المغرب للاستعمار الفرنسي .
واستغل " دزرائيلي " سيطرة اليهود على شئون الخديوي إسماعيل وتغلغلهم في داخل الشئون المالية والاقتصادية في البلاد , وعن طريقهم أقنع الخديوي إسماعيل بضرورة بيع حصته في أسهم قناة السويس مقابل 4 ملايين جنيها استرلينيا ..
" دزرائيلي " هذا هو يهودي متعصب تظاهر باعتناق الدين المسيحي من أجل أن يتولى رئاسة الوزراء حسب الدستور البريطاني .
واتصل " دزرائيلي " سرا ً بـ " آل روتشيلد " في فرنسا وحصل منهم على قرض ليستغله في إغراق الخديوي إسماعيل في ديونه التي زادت عن حدها , وكانت الخطة قد وضعتها انجلترا بالاتفاق مع فرنسا على أساس إغراق مصر في ديون تعجز عن سدادها ويكون ذلك سببا لتقدم القوات البريطانية لاحتلال مصر , وقد ساهم يهودي فرنسي يدعي " ناتانيل " من أقارب " روتشيلد " في إرباك الاقتصاد والشئون المالية في مصر " مما جعله يستحق أن ينال لقب " بارون " على ذلك العمل المجيد " .
و اسرفت حكومة إسماعيل بسياساتها الحمقاء في القروض غير المبررة ، مما فتح الباب على مصراعيه لانجلترا للتدخل في شؤون البلاد ، وبدأت عواقب هذا الإسراف تظهر للعيان رغم ما بذلته الحكومة لإخفائها بمختلف الوسائل .
بداية التدخل الانجليزي :
يمكننا أن نحدد أواخر سنة 1875 ، وأوائل سنة 1876 كبدايةٍ للتدخل الأوربي ، إذ حدث من مظاهره وقتئذ :
ـ شراء إنجلترا أسهم مصر في القناة بأربعة ملايين جنيه ، فقد استغل اليهودي العالمي " دزرائيلي " ـ رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت ـ سيطرة اليهود على شئون الخديوي إسماعيل وتغلغلهم في داخل الشئون المالية والاقتصادية في البلاد , وعن طريقهم أقنع الخديوي إسماعيل بضرورة بيع حصته في أسهم قناة السويس مقابل 4 ملايين جنيها استرلينيا ..
ـ ثم كان قدوم بعثة المستر " كيف " الإنجليزية لفحص مالية مصر .
ـ ثم توقف حكومة اسماعيل عن اداء أقساط ديونها، وما اعقب ذلك من إنشاء صندوق الدين في مايو سنة 1876 0
هذا التدخل كان من الأسباب الجوهرية التي حفزت النفوس إلي التبرم بنظام الحكم ، والتخلص من مساوئه ، لأن سياسة الحكومة هي التي أفضت إلي تدخل الدول في شؤون مصر وامتهانها كرامة البلاد واستقلالها .
الفرصة الافغانية :
و هنا كانت الفرصة الذهبية للافغاني لمهاجمة القصر الملكي ، والدعوة الى الثورة على القصر وحلفائه الانجليز، و من ثم التمهيد للثورة العرابية التي أدت بالبلاد للوقوع في يد المحتل الاجنبي
و ابتدأ الافغاني هذا الاسلوب منذ عام 1876م ، بينما استخدم الافغاني من أجل ذلك تلاميذه من نواب مجلس الشورى ، وعلى رأسهم عبد السلام بك المويلحي ( باشا ) ، الذي يعد من كبار تلامذته .
كما استخدم الافغاني لذلك الصحف السياسية التي كان يشرف عليها تلامذته مثل سليم نقاش واديب اسحاق النصرانيين و عبدالله النديم صاحب جريدة "التبكيت و التنكيت"، بل حتى الصحف الهزلية مثل يعقوب صنوع اليهودي ،و الذي اشتهر باسمه الهزلي "ابو نظارة " .
يقول سليم بك العنجوري أحد أدباء سورية و تلميذا الافغاني حين زار مصر ووصف مكانة السيد بقوله : " في خلال سنة 1878 زاد مركزه خطراً وسما مقامه ، لأنه تدخل في السياسات وتولى رئاسة جمعية ( الماسون ) العربية وصار له أصدقاء وأولياء من أصحاب المناصب العالية ، مثل محمود سامي البارودي الذي نفي اخيراً مع عرابي إلي جزيرة سيلان ، وعبد السلام بك المويلحي النائب المصري في دار الندوة ، وأخيه إبراهيم ( المويلحي ) كاتب الضابطة ، وكثر سواد الذين يخدمون افكاره ، ويعلون بين الناس مناره ، من أرباب الأقلام ، مثل الشيخ محمد عبده ، وإبراهيم اللقاني ، وعلى بك مظهر ، والشاعر الزرقاني ، وأبي الوفاء القوني في مصر ، وسليم النقاش ، وأديب اسحق ، وعبد الله النديم في الإسكندرية".
الافغاني و توفيق باشا (1879-1892م):
ـ عمل جمال الدين الأفغاني من خلال علاقاته الماسونية باستمالة ولي العهد توفيق ، إذ كان توفيق ماسونياً من النخبة ، إذ ترأس ـ فيما بعد ـ المحفل الماسوني ، و قام الإنجليزـ بدورهم ـ بالاتصال بالسلطان العثماني الذي أصدر فرمانا بعزل اسماعيل باشا في يونيو 1879 وتولية ابنه " توفيق " حكم مصر .
ـ فلما وُلِّي توفيق باشا ـ بعد ذلك ـ ظهرت المحافل الماسونية الفرنسية والانجليزية والمصرية في جميع أنحاء مصر وانتقل النشاط الماسوني إلى القاهرة ، بعد أن كانت المحافل الماسونية منحصرةً في الاسكندرية ، و التي كانت مركز الماسونية في مصر حتى عام 1879.
ـ و حين تولى الخديوي توفيق ـ تلميذ الافغاني ـ الحكم أحس بخطورة الأفغاني وما يبثه من أفكارـ أو هكذا قيل ـ ، فأصدر أمره بنفيه من البلاد ، " أو هكذا كانت الحبكة الحوارية " لطريقة إخراج الافغاني من مصر ، ليستمر في نشاطاته الماسونية ، من نسج للمؤامرات واسقاطٍ للأنظمة ، خارج الديار المصرية .
لقد تولى "توفيق باشا" بناءً على وساطة بريطانية ، في عهد التدخل البريطاني ، فهو بذلك تحت طائلة الانجليز.
و لنا أن نتساءل لماذا يقوم الانجليز باخراج رجلهم الاول و لاعبهم المفضل في المنطقة ؟؟؟
إلا إذا كان ذلك خوفاً عليه من غوائل و نتائج الحركة العرابية ، في حين قد لاحت لهم في الأفق مهمات أُخَر .
و من زاوية أخرى : كانت المهمة الأصعب من الناحية التخطيطية و التجهيزية للمؤامرة قد انتهت ، و لم تبقَ إلاَّ النواحي التنفيذية و العسكرية و كان الجيش الانجليزي في الميدان ، وسفنه تمخر قناةالسويس جيئةً و ذهاباً .
لِيُقبََِض ـ حينذاك ـ على الأفغاني في ليلة الأحد سادس رمضان سنة 1296 - 24 أغسطس سنة 1879 ، وهو ذاهب إلي بيته هو وخادمه الأمين ( أبو تراب ) ، ليُحمَلَ في الصباح في عربة مقفلة إلي محطة السكة الحديدية ، ومنها نقل تحت المراقبة الشديدة إلي السويس ، وانزل منها إلي باخرة اقلته إلى الهند ، وسارت به إلي بومباي ، و إثر ذلك قامت الحكومة بنشر بلاغ رسمي من إدارة المطبوعات بتاريخ 8 رمضان سنة 1296 ( 26 أغسطس سنة 1879 م ) ذكرت فيه نفي السيد بعد أن نسبت إليه السعي في الأرض بالفساد ، و أنه " رئيس جمعية سرية من الشبان ذوي الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا " ، وحذرت الناس من الاتصال بهذه الجمعية .
و بذلك تم نفيه خارج مصر ؛ و لكن بعد أن تمكن تلامذته من البلاد من جميع الأصعدة ، وعلى كافة المستويات ، بل كان بعض تلامذته أعضاء في مجلس الوزراء ، مثل تلميذه محمود سامي البارودي ناظرالأوقاف حينذاك و رئيس الحكومة فيما بعد .
آلية الخطة المشتركة :
كانت الخطة الانجليزية الفرنسية الافغانية تقضي بافتعال ثورة وطنية فاشلة ضد حكم اسماعيل الفاسد ، ليتم بعد ذلك احتلال بريطانيا لمصر بحجة حماية مصالحها و مواطنيها ،وهو ماكان بالضبط من خلال ثورة عرابي الذي أوقعته السياسة الاوربية في حبائلها عن طريق وكيلها المعتمد الدائم السيد جمال الدين الافغاني ، و الذي غادر الى الهند ، و ترك مخطط "بيع مصر" في أيدٍ "غير أمينة " ليشرف على تنفيذه كل من الانجليز ، و تلميذه الخديوي توفيق ، و باقي تلامذته من الماسون "الوطنين" و على رأسهم الماسوني العريق الشيخ محمد عبده الذي كان يشرف على تلميذه "المخدوع" أحمد عرابي .
الثورة العرابية :
- كانت القشة التي قصمت ظهر البعير و الشرارة و التي استوجبت الثورة العرابية هي مظالم عثمان رفقي ناظر الجهادية ( وزير الحربية ) في عهد توفيق ضد الجنود والضباط المصريين مما دفع بالضباط المصريين بقيادة عرابي للمطالبة برفع الظلم عنهم و إقالة رفقي ، فأرسلوا رسالة إلى رياض باشا ناظر النظار ( رئيس الوزراء ) يطالبونه فيها بعزل عثمان رفقي ( وزير الحربية ) التركى المتغطرس ويطالبونه فيها بمساواة المصريين بأقرانهم من الأتراك ووقع على الرسالة الزعيم احمد عرابى وعبد العال حلمى وعلى فهمى فتمَّ لهم ذلك بعد مصاولات .
ـ وفي يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881 م حاصر احمد عرابى مع ضباطه وجنوده قصر عابدين ليطالب الخديوى توفيق بحقوق الأمة المصرية ومساواة المصريين بالأجانب وهو ما جعل الخديوى يرد عليه بقوله :
"كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي واجدادى وما انتم إلا عبيد احساننا " في مسرحية ماسونية مكشوفة.
ـ يقول الشيخ سليمان الخراشي حفظه الله في رسالته القيِّمة : "كيف احتل الانجليز مصر "
( كان الإنجليز و الفرنسيون يرقبون الأحداث بغبطة وسرور! وكانوا يوعزون من خلف الستار إلى عرابي أن : امض في طريق "الإصلاح"، ولا تخش أحدًا! ومن ذلك ما ذكر محمد عبده في مذكراته عن الثورة العرابية –وهو أحد أقطابها- من أن قنصل فرنسا ( أرسل إلى أحمد عرابي وإخوانه يقول لهم: إنه يسره ما يراه من صلابتهم وعزيمتهم، واشتدادهم في المطالبة بالعدل، فعليهم أن يثبتوا في مطالبهم ولا يُضعفهم ما يُهَددون به) ! (الأعمال الكاملة لمحمد عبده، 1/528، 531) .
و( أرسل إلى عرابي كتابًا يمدحه فيه على ثباته، ويشجعه على عدم المبالاة بالحكومة ). (مصر المجاهدة في العصر الحديث، عبد الرحمن الرافعي، ص 34) .
أما إنجلترا فكانت تفعل الأمر نفسه بل أشد، من خلال جاسوسها المدعو: " بلنت" الذي كان يجوس بلاد مصر يؤلب الناس على الحكم، ويراسل عرابي ويستحثه على مواصلة الضغط على الحكومة لعلها تستجيب لمطالب "الإصلاح"! ، وهدفه الحقيقي فصل مصر عن الدولة العثمانية تمهيدًا لاحتلالها .
يقول الدكتور محمد محمد حسين –رحمه الله- عن "بلنت" هذا: (كان لا يفتر عن التنقل بين مضارب الأعراب في مصر.. يدعو المصريين إلى الثورة، ويتكلم بعد وقوعها باسم عرابي، ويقدم له صورًا مضللة عن صفته الرسمية، وقدرته السياسية، وقوة الجيوش الإنجليزية..). (الإسلام والحضارة الغربية، ص 66).
ويقول الأستاذ مصطفى غزال عنه : ( كان من أشد الناس تفانياً في مصالح الإنجليز، رغم أنه يتظاهر بصداقته للشرق المتمثل بالشعوب التابعة لتركيا، وبعدائه للحكومات البريطانية، بل كان أحيانًا يتظاهر بالدفاع عن قضايا الشعوب الشرقية، ويقف بجانبهم، كما وقف بجانب عرابي، ودافع عنه بعد أسره، كان هذا نوعًا من الدهاء والحنكة الإنجليزية).( دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام، ص 123).
أحس الخديو توفيق بالخطر فلجأ إلى الإسكندرية طالباً من الإنجليز المتربصين بسفنهم في البحر حماية عرشه ! مع ضغطه هو والإنجليز على السلطان العثماني لإصدار منشور في عصيان عرابي ؛ لكي ينفض الناس عنه .
- افتعل الإنجليز مذبحة للنصارى في الإسكندرية ليتخذوها ذريعة لاحتلالها عام (1882م) بدعوى حماية رعاياهم !
قبل أن تتم المصالحة بين عرابي والدولة العثمانية .
- تعاون المنافقون الخونة من أبناء مصر مع الإنجليز ، ومكنوا لهم من احتلال البلاد بعرض من الدنيا قليل !
- لم يستجب عرابي للناصحين الذين حثوه على سد قناة السويس لكي لا يتسلل منها الإنجليز إلى عمق الأراضي المصرية ؛ منخدعاً –كما سيأتي- بتطمينات المهندس الفرنسي صاحب امتياز القناة .
- قضي على الثورة العرابية بعد أن أوقعت البلاد بيد الاحتلال الإنجليزي ، الذي استمر أكثر من 70 عاماً !! (1882 – 1956م). رغم ادعاءاتهم وتصريحاتهم المتكررة بأنهم سيخرجون حالما يعود الهدوء والأمن للبلاد !! انتهى عن رسالة "كيف احتل الانجليز مصر " للشيخ سليمان الخراشي .
ـ و كان من المفاجآت خلال حصار القاهرة وقوف البكباشي محمد عبيد صامدا برجاله الثلاثة آلاف مقاتل من المصريين ببنادقهم ا