. هيا إبراهيم الجوهر
هل سبق أن سألك أحد أبنائك وألح عليك بالسؤال عن فائدة الذباب ولماذا خلقه الله؟ بإمكانك تجاهل السؤال أو أن يكون هذا السؤال باعثا لك للبحث عن معلومات غير المعلومات البسيطة التي تحتفظ بها عن الذباب ذلك المخلوق الصغير الحقير الذي أودع الله به الكثير من الأسرار والمعجزات فتركيبة جسمه المذهلة والمعقدة جدا والتي تحدى الله بها ما يعبده الناس من دونه قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
حاول العلماء صناعة روبوت لطائرة بحجم الذباب وكانت أنجح محاولة لأستاذ الهندسة الإلكترونية (رونالد فيرينج) والتي لم يستطع فيها مضاهاة ولو واحد على عشرة من تقنيات الطيران لدى الذباب، الذي يستطيع الطيران عموديا ودائريا وإلى الخلف كما عجز العلماء عن تفسير كيفية طيران الذباب وبقائه محلقا على الرغم من ضآلة وزن جناحيه نسبة إلى وزن جسمه ولزوجة الهواء والجاذبية الأرضية وكذلك حركة جناحيه الدائبة يضرب بهما بمعدل 300 ضربة في الثانية مما يجعل طيرانه معجزة خالفت القوانين الرياضية والميكانيكية، التي تعتمد على ثبات تدفق الهواء حول أجنحة الطائرة مع مرورالزمن، واكتشف العلماء جزءا من سر طيران الذباب عندما وجدوا أن هناك شعيرات حساسة في نهايات الأوردة السطحية على أجنحة الذباب تحدد له اتجاه الهواء والضغط.
ونعود إلى سؤالنا الذي ابتدأنا به وهو سؤال قديم جدا سأله المنصور عندما شغله ذباب في مجلسه ولم يستطع طرده أو الخلاص منه فقال انظروا من بالباب من العلماء فقالوا له (مقاتل بن سليمان) فاستدعاه وسأله لأي حكمة خلق الله الذباب؟ فقال له مقاتل ليذل به الجبابرة.
وتكمن قوة الذباب وقدرته على الاستفزاز وحيله في الهرب في أقل من ثانية في طريقة تفكيره ومهارته في الطيران وبصره فللذباب ست أعين مكونة من أكثر من أربعة آلاف عدسة سداسية تعمل كل واحدة منها على حدة فتقسم الجسم الذي تراه إلى أجزاء صغيرة تمكنه من رصد أي حركة يقوم بها خصمه وتفادي الضربات وكلنا يذكر حادثة الرئيس أوباما مع الذباب التي صورتها عدسات المصورين قبل عدة أشهر والتي انتصر فيها الرئيس، كما تسببت هذه الحشرة الحقيرة في قتل أعتى الجبابرة وأحد أربعة حكام حكموا العالم وهو (النمرود) حيث دخلت الذبابة في أنفه واستقرت ولم يستطع إخراجها بأي طريقة وكان يأمر معاونيه بضربه على رأسه بالنعال حتى هلك.
اكتشف العلماء حديثا أن الذباب يقوم بهضم غذائه خارجيا بإفراز اللعاب المحتوي على العصارة الهاضمة وتحويله إلى مركباته البسيطة (هضم كيميائي) أي عكس باقي المخلوقات ثم يمتص هذه المواد إلى الدورة الدموية ومن ذلك كانت استحالة استرجاع ما سلبه الذباب منا!
وبينما يعتبر اليوم الوطني للبشر يوما سعيدا وذكرى جميلة، كان اليوم الوطني للذباب في أمريكا قبل الحرب العالمية الأولى يوم إبادة جماعية حيث تقرع الأجراس كل يوم الساعة الواحدة ويخرج الجميع للقضاء على الذباب لمدة خمس دقائق في حملة شرسة لإبادته.
وهكذا يبقى الذباب العدو الصديق على مر العصور وقديما قالوا (حيِّ سنة الذباب ولا تحيي سنة الغراب) دليلا على النعمة المصاحبة لانتشار الذباب.