ابراهيم عيسى إدارة عامة
تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: سلسله رياض النعيم مقال جديد الجمعة نوفمبر 19, 2010 5:56 pm | |
| المشايخ الكرام والاخوة الافاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لازلت ألح عليكم بطلب النصح والارشاد والتعليق على هذه المقالات ،استحلفكم بالله الا تبخلوا علي بها أكرمكم الله وجعل ذلك فى ميزان حسناتكم. وهذه المقالة الجديدة بين أيديكم(فرحم الله اخا اهدى إلى عيوبى)
3) الفرق بين الاسمين الشريفين (الرحمن الرحيم ) من حيث الدلالة اللغوية والصرفية في الاستخدام القرآني والنبوي .
*) في الدلالة اللغوية والصرفية :- يقول د/احمد مختار عمر في كتابه القيم ( أسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة )( 1): الفرق بين الرحمن والرحيم ويمكن تلخيص ما قيل في الفرق فيما يأتي : أ ) لا فرق بينهما وهما مترادفان .( 2) ب) الفرق بينهما في معني الصيغة ، فوزن فعلان من أبنية المبالغة ،أما رحيم فهو فعيل بمعنى فاعل . ج) الرحمن وصف لله وحده ، في حين أن الرحيم يمكن أن يوصف به الآخرون كذلك . د ) الفرق بينها في المعنى المعجمي ، فالرحمن : المزيح للعلل ، والرحيم :المثيب على العامل فلا يضيع لعامل عملا ، ولا يهدر لساع سعيا ، أو الرحمن: الذي تعم رحمته المؤمن والكافر والصالح والطالح ،وأما الرحيم فخاصبالمؤمنين . هـ) أن من الممكن أن يحل لفظ الرحمن محل لفظ الله عز وجل كما ورد في القران كثيراً ، وذلك بخلاف الرحيم . ( 3). و ) الرحمن لم تأت مصاحبة للمفعول مطلقاً ، وهي لم تأت في صحبة أي صفةإلهية سوى الرحيم ، في حين أن الرحيم جاءت مرتبطة بصفات أخرى (4 ). ز ) الرحمن أبلغ من الرحيم ، ولذا اشتهر الدعاء يا رحمن الدنيا ، ورحيمالآخرة ، ومعلوم أن رحمته تعالى في الدنيا شاملة للمؤمن والكافر ، والصالحوالطالح ، بخلاف رحمته في الآخرة فإنها مختصة بالمؤمنين(5 ) .
[align=center]الخصائص اللغوية في للاسمين الكريمين(6 [/align])
*الرحمن جل وعلا : لم يأخذ اسم من أسماء الله عز وجل من الجدل والاختلاف مثلما اخذ هذا الاسم وشمل الاختلاف جوانب عدة منها :
1- أصله العربي أو العبري ولكل أنصاره . (7 ).
2- قول بعضهم بعَلَميته ، قربه من اسم العلم ، وبغض آخر باشتقاقه ، ويستدلأصحاب الرأي الأول بأنه خاص بالله عز وجل ،فهو قريب من اسم الله الجاريمجرى العلم.(8 ) .
3- معنى اللفظ وفيه أقوال (9) : ا ) ذو الرحمة التي لا غاية بعدها ، والذي و سعت رحمته كل شيء . ب) العطوف على العباد بالإيجاد أولاً ، وبالهداية إلي الإيمان و أسباب السعادة ثانياً ، والإسعاد في الآخرة ثالثاً . ج) المنعم بما لا يتصور صدور جنسه من العباد .
[align=center]خصائص الاستخدام القرآني لاسم الرحمن جل وعلا[/align]
ورد الاسم الكريم في القران الكريم سبعاً وخمسين مرة في أشكال أربعة هي : 1- الرحمن (بالألف اللام ) دون اقتران بوصف آخر 48 مرة. 2- الرحمن الرحيم 6 مرة.( 10) 3- ربكم الرحمن / وربنا الرحمن 2 مرة . 4- الرحمن المستعان مرة واحدة .
أ- أول ما يلاحظ على الاستخدام القرآني لهذا الاسم أنه بدأ في إطلاقه علىالذات الإلهية منذ وقت مبكر من الدعوة الإسلامية ونزول القران ، فقد وردفي البسملة و سورة الفاتحة وهى من السور المكية في أصح الآراء ، بل قيلإنها من أول ما نزل من القران بدليل أن فرض الصلاة كان بمكة ، ولم تكنهناك صلاة بغير الفاتحة (11 ). وورد إلى جانب هذا نحواً من خمسين مرة فيالسور المكية الأخرى بأعداد متفاوتة كما يلي :ـــ اسم السورة التكرار مريم 16 مرة الزخرف 7 مرات الفرقان 5 مرات يس~ 4 مرات طه 4 مرات الأنبياء 4 مرات الملك 4 مرات الفاتحة مرتان النبأ مرتان ق~ و الشعراء والنمل والإسراء و فصلت(12 ) مرة واحدة
ويلاحظ إلى جانب ذلك ما يلي : ــ ب )أن الاسم لم يأتي في القران إلا بالألف واللام فلم يأتي نكرة و مضافاً،مما حدا بالمفسرين واللغويين إلى القول بعَلَميته ، أو قربه من اسم العلم.
ج )أن الاسم لم يأت في القران وصفاً لغير الله تعالى لاختصاصه به ، ولهذايقول القران ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَاتَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )( 13) فعادل الاسم الذي لايشركه فيه غيره.
د ) أن الاسم لم يأت تابعا لاسم آخر من أسماء الله إلا في حالات محدودةشملت لفظ الجلالة الله وضميره (كما في آيتي الفاتحة( 14) / قُلْ هُوَالرَّحْمَنُ (15 ) )، الرب ( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَابَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ)( 16) وفيما عدا ذلك جاء قائماً بذاته حالاً محللفظ الجلالة .
هـ ) من الممكن ملاحظة التدرج في استخدام الاسم الكريم ( الرحمن ) فيالقران ، إذا علمنا أن سورة ق~ ( 17) قد اشتملت على الاسم مرة واحدة ،وتبعتها سورة يس~ ( 18) التي اشتملت على الاسم 4 مرات ، تبعتها سورةالفرقان ( 19) التي اشتملت على الاسم 5 مرات ، وقد بلغت الذروة في سورةمريم (20 )وهى تعتبر في محل الوسط تماماً بين السور المكية ،وقد بلغت مراتالورود للاسم فيها 16 مرة ، وهذا التدرج طبيعي قد جاء نظراً لغرابة الاسمعلى أسماع العرب ( 21)، وتساؤلهم عن معناه حين أخذ يطرق أسماعهم ، وحينكتب علي رضى الله عنه في صلح الحديبية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم ، قال سُهيل بن عمرو ، أما بسم الله الرحمنالرحيم فما بسم الله الرحمن الرحيم ، ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم .
و ) قد يتساءل متسائل إذا كان لفظ الرحمن قد ورد في سورة مريم 16 مرة ولميرد في سورة الرحمن إلا مرة واحدة ، فلماذا اختصت الرحمن بهذا الاسم ؟ والإجابة عن هذا السؤال تكمن في أن سورة الرحمن هي السورة الوحيدة بين سورالقران التي وردت فيا هذه الصفة آية مستقلة ورأس آية بنيت عليه معظم فواصلالسورة (22 )وليس الأمر أمر انتهاء بالنون فحسب بل بالنون المسبوقة بصفتينملائمتين لمضمون السورة مختصتين بالذات الإلهية و هما الرحمن في بدايتها ،وذو الجلال والإكرام في نهايتها .
ز ) أن اسم الرحمن لم يأت في القران الكريم متبوعاً بوصف آخر سوى الرحيم (23) ولذلك مغزى بياني ودلالي يفسره ما اشتهر في الدعاء وهو (يا رحمنالدنيا ورحيم الآخرة )( 24)، وما قيل من عمومية لفظ لرحمن وشموله والكافر، وخصوصية لفظ الرحيم واقتصاره على المؤمنين ، وبهذا يكون اجتماع اللفظينقد جمع الرحمة بنوعيها وشمل حالتيها في الدنيا والآخرة ويكون معنى كلمنهما تأكيداً لمعنى الآخر(25 ). ح ) فوائد أن الاسم الكريم ينسب إليه خصائص الاسم الأجل الله عز وجل منها : 1) الألوهية 2) الربوبية 3) العبودية 4) الاستواء على العرش 5) تنزيل القرآن 6) الطاعات 7) القيامة والوعيد 8) الشفاعة 9) الجنة
1) الألوهية :
و التي هي أهم خصائص الاسم الكريم الله مرة واحدة بل اصل الاشتقاق فقد قالعز وجل ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِيوَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) ( 26) ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَمِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَافَاعْبُدُونِ) (27 ) ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُوَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ )( 28) ،فقد أتت منسوبة إلى اسمه الرحمن : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاإِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ). ( 29)
2 ) الربوبية : وهى أيضاً أحد خصائص الإله الحق فان الذي لاربوبية له فلا ألوهية له ، لذا جعل الله عز وجل دلائل الربوبية المشهودةفي أرجاء الكون لاقامة حقائق الألوهية قال عز وجل : ( ذَلِكُمُ اللَّهُرَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُوَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ( 30) ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُالَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ )(31 )ـــ وكذلك في التنزيل : ( وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِيوَأَطِيعُوا أَمْرِي)( 32) ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَوَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِالرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) ( 33) ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَسَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍفَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) ( 34)
3 ) العبودية :
ذلك الرباط الواصل بين كل مخلوق مربوب فهو عبد شاء أم أبى ، فأما أن يكونعبداً لله عز وجل ، عبودية اختيار ورضا ويكون وقتها من أولياء الرحمن ، وإما أن يكون عبداً لما يشاء هواه ، فيكون عبد قهر وقسر لربو بيته ويكونحينها من أولياء الشيطان. قال عز وجل ( إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) (35 )ـــ( أَنْأَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) ( 36) (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً) (37) وقال عز وجل في اسمه الرحمن : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) ( 38) (وَقَالُوا اتَّخَذَالرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) ( 39)(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناًوَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً). ( 40)
4 ) الاستواء على العرش
العرش أعظم المخلوقات والله عز وجل ذكر استواءه على عرشه بصفتي الألوهية والرحمانيه وصدق إذ يقول ُ (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)( 41) كماأن العرش قد أحاط بالمخلوقات فان كتب كتاباً عند على عرشه أن رحمته سبقتغضبه ، وقد قال عز وجل : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَىالْعَرْشِ)(42 ) ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍتَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )( 43) ( اللَّهُ الَّذِيخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّوَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) ( 44) ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّاسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاشَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) ( 45) وقال في اسمه الرحمن عز وجل : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (46) ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِيسِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْبِهِ خَبِيراً). ( 47)
5 ) تنزيل القرآن( 48)
قال عز وجل ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ )(49)( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاًمَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَهُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَالَهُ مِنْ هَادٍ) ( 50) ـــ الآيات (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَاعَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ( 51) ( تِلْكَآيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُظُلْماً لِلْعَالَمِينَ) ( 52) ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِيبُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَلَطِيفاً خَبِيراً). ( 53) نسبة التنزيل والذكر والآيات لاسمه الرحمن عز وجل قال عز وجل : (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ( 54) (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِالرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) ( 55) (الرَّحْمَنُ ـ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (الرحمن2:1) ( أُولَئِكَ الَّذِينَأَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَوَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَوَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىعَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً). (56 ) 6 ) الطاعات
ابتدئا بالإيمان الذي هو أعظم الطاعات مطلقاً ، مرورا بالأقوال و الأعمالالظاهرية العلمية، إلى الأعمال القلبية كالتوكل والخشية وغيرها . قال عز وجل في عموم الإيمان والطاعات ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْبِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِفَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً) (57 ) ـــ وقال عز وجل( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِتَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ( 58). قال عز وجل في الاستعاذة ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْبِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (59 ) ـــ وقالعزوجل حكاية عنمريم ( قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَتَقِيّاً) ( 60). وقال عز وجل في السجود ( فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) ( 61) ــ وقالعز وجل ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَاالرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً). ( 62) وقال عز وجل في الخشية (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِمُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِالْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) ( 63) ــ وقال عز وجل (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَبِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) ( 64) ( مَنْخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ). (65 ) وقال عز وجل في التوكل ( وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِفَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)( 66) ( فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْعَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)( 67) ـــ وقال عزوجل ( كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَاأُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْيَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) ( 68) ( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُآمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ) .( 69) وأما الدعاء فهو رأس العبادة ( 70) إذ فيه الثناء على الله عز وجل ، والإخبات وذلالانكسار وإظهار الافتقار بين يديه لذا أنذر عز وجل بأشنع العقوبات لتاركهقال عز وجل ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّالَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَدَاخِرِين )َ (71 )، ونبه النبي صلى الله عليه وسلم على أهميته فقال(الدعاء هو العبادة )( 72) ، و لأنه من أجل العبادات قرنها الله عز وجلبالألوهية و الرحمانية قال عز وجل ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُواالرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلاتَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَسَبِيلاً). (73 )
7 ) القيامة والوعيد ذكر القيامة والوعيد من أسباب إخبات القلوب وانكسارها بين يدي رب العالمينلذا اقتران بلفظ الهيبة والجلال الله عز وجل ، ولكن العجيب هو اقترانهاباسمه عز وجل الرحمن ( 74) قال عز وجل ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَلَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْأَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً) (75 ) ( يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌلِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ( 76) ـــ وقال عز وجل( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَىالْكَافِرِينَ عَسِيراً) ( 77) ( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَابَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً ـ يَوْمَ يَقُومُالرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَلَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً) .( 78)
8 ) الشفاعة
قال عز وجل ( قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ( 79) ( وَكَمْمِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّامِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) ( 80) ـــــقال عز وجل ( لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَالرَّحْمَنِ عَهْداً) (81 ) (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّامَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً). ( 82)
9 ) الجنة
قال عز وجل ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْوَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِاللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِيالتَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَاللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ( 83) ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَااللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّاتَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْتُوعَدُونَ) ( 84) ـــ وقال عز وجل ( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَالرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً ـلا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَابُكْرَةً وَعَشِيّا ـ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَامَنْ كَانَ تَقِيّاً) ( 85) ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَىالرَّحْمَنِ وَفْداً) (86 ) ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) ( 87)
خصائص الاستخدام القرآني لاسم الرحيم جل وعلا
ورد الاسم الكريم في القران الكريم بصور متعددة ، وقد جاء توزيعها في القران على النحو التالي : الرحمن الرحيم ( بالتعريف ) 6 مرات < بخلاف الفاتحةكما سبق> غفور رحيم ( بالتنكير ) 64 مرة الغفور الرحيم ( بالتعريف ) 7 مرات تواب رحيم ( بالتنكير ) 3 مرات التواب الرحيم ( بالتعريف ) 6 مرات العزيز الرحيم ( بالتعريف ) 13 مرة رؤف رحيم ( بالتنكير ) 8 مرات البر الرحيم ( بالتعريف ) مرة واحدة رب رحيم ( بالتنكير ) مرة واحدة الرحيم الغفور (بالتعريف ) مرة واحدة رحيم ودود ( بالتنكير ) مرة واحدة كان ...رحيما ( بالتنكير ) ثلاث مرات
ا ) ويلاحظ أن التصاحب جاء تارة مع ( رحمن رحيم / غفور رحيم / تواب رحيم /رؤف رحيم / رحيم ودود / بر رحيم ) وتارة مع مغايرة ( العزيز الرحيم ) ،فمقارنة الرحمة للعزة تعنى أن رحمة الله لا تتعارض مع شدته وقوته بل هي منلوازمهما ، وقديما قيل : العفو عند المقدرة .
ب ) وفى معظم الحالات جاء الوصف بالرحيم مسبوقا بوصف آخر سواء أعرب صفةبعد صفة ، أو خبرا بعد خبر ، قل مجيئه سابقا ( الرحيم الغفور / رحيم ودود) ( مرتين فقط ) وإذا رجعنا إلى النص القرآني وجدنا كلا منهما جاء راس آية، ووجدنا الفاصلة مناسبة لذلك. ( 88)
ج ) ويلاحظ كذلك أن معظم الآيات التي جمعت بين العزيز والرحيم جاءت فيسورة الشعراء ( 9من 13 ) وقد ختمت بها قصص الرسل السابقين للإشارة إلى أنالله عزيز على أعدائه رحيم بأوليائه ، وقد جاءت تختم قصة موسى عليه السلاموفرعون ، وفي الآية 104 لتختم قصة إبراهيم عليه السلام ، وفى الآية 122لتختم قصة نوح عليه السلام ، وفى الاية140 لتختم قصة هود عليه السلام ،وفي الاية 159 لتختم قصة صالح عليه السلام ، وفي الآية 175 لتختم قصة لوطعليه السلام ، وفي الآية 191 لتختم قصة شعيب عليه السلام ، ثم جاءت فيالآية 217 لتختم دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى تبليغ رسالته .
د ) ويلاحظ انه على الرغم من تقارب صفتين مثل غفور وتواب في المعني فإنسياق كل منهما قد اختلف في الاستخدام القرآني غالبا ، فالآيات التي جمعتبين وصفي التواب والرحيم قد سبقت جميعها بلفظ التوبة : ( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ( 89) ( ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَبَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(90)( وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)( 91) (فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)( 92) (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْعِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُالرَّحِيمُ) ( 93) ( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىإِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْأَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُالرَّحِيمُ) ( 94) وكذلك الآيات التي جمعت بين الغفور والرحيم ، فقد سبقتغالبا بلفظ المغفرة والاستغفار : ( قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُالرَّحِيمُ) ( 95) ( قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِيفَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ( 96) ( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْرَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (97 ) ( وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَبِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّاللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)( 98)
هـ ) ويلاحظ أن الآيات التي جاءت بالتعريف ( الغفور الرحيم / التوابالرحيم العزيز الرحيم ) ، قد قصد بها التخصيص أو القصر ، تخصيص الصفة للهتعالي وقصرها عليه ،و لذا جاءت مقترنة غالبا بضمير الفصل الذي يفيدالتقوية وتأكيد القصر ، وأحيانا يسبق الضمير بلام الابتداء لإعطاء المعنيمزيدا من التقوية : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الشعراء 9 وفى غيرهاكثير) ( إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:37) ( وَأَنَّاللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة: من الآية104) ( أَلا إِنَّاللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الشورى: من الآية5)
و ) وحين اجتمعت في القران الكريم الرحمة والمغفرة جاء الاستخدام القرانىبتقديم المغفرة (71مرة) ، ولكن جاءت آية واحدة مخالفة لهذا الترتيب قدمتفيها الرحمة على المغفرة ، وهى قوله تعالى ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِيالْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَايَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (سـبأ:2) فما السبب؟ سياق الآيات يحتم ذلك ، فالفواصل الأولى كلها كان يتقدمها ما يشعر بالذنبوالخطأ أو التقصير لذا كانت المغفرة أولا ، ولكن الآية لم يتقدمها شئ منهذا ، وإنما كل الذي ذكر هو حمد الله الذي له ما في السموات ولأرض ، ويعلمما في باطن الأرض ،وما يخرج منها ، وداخلها وخارجها ،وما ينزل من السماءوما يصعد إليها ، ففي هذا من مصالح الناس الكثير ، وهو لا يعدو أن يكونرحمة من الله تبارك وتعالى ، لذلك قدمت الرحمة على المغفرة .
ز ) لفت اختلاف ختام آيتين رغم اتفاق مقدمتهما أنظار العلماء ، وهاتان الآيتان هما: * ( وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَاللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(إبراهيم:34) * ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّاللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:18) وقد اعتبر العلماء هذا من بدائعالمناسبات ، لاحتوائه على أكثر من نكته لطيفة ومغزى خفي : أ) فقد خص سورة إبراهيم بوصف المُنعَم عليه لأن هذه السورة وردت فيمساق وصف الإنسان ، وخص سورة النحل بوصف المُنعِم لأن هذه السورة وردت فيمساق صفات الله و إثبات ألوهيته . ب) كما أن ضم ختام الآيتين لبعضهما يظهر المفارقة بين سلوك العبد ،وسلوك الرب تجاه النعم الكثيرة ، فالأول آخذها والثاني معطيها ، وحصلللأول مع أخذه وصفان : الظلم والكفر ، وحصل للثاني مع إعطائه : المغفرةوالرحمة.( 99)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ ( 1) أسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة ص57:55 ( 2) كقول من قال : نديم بمعنى ندمان ( 2) سيأتي ذلك بالتفصيل بعد سطور ( 4) اسمه جل وعلا الرحمن لا يأتي متعديا ًقال ابن القيم رحمه الله: ،وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله : وكان بالمؤمنين رحيماً [ الأحزاب : 43 ] ،إنه بهم رؤوف رحيم [ التوبة : 117 ] . ولم يجئ قط رحمن بهم فعلم أن رحمنهو الموصوف بالرحمة ، ورحيم هو الراحم برحمته ( 5) قلت : قد صح الحديث رحمن الدنيا والآخرة و رحيمهما تعطيهما من تشاءوتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها من رحمة من سواك) ( 6) مستفاد من (أسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة ص 139:138) بتصريف . ( 7) راجع كلام الشافعي في الرسالة كما سبقت الإشارة،قال ابن عاشور في(التحرير): )الرحمن الرحيم[3]( وصفان مشتقان من رحم، وفي تفسير القرطبي عنابن الأنباري عن المبرد أن الرحمان اسم عبراني نقل إلى العربية قال وأصلهبالخاء المعجمة أي فأبدلت خاؤه حاء مهملة عند أكثر العرب كشأن التغيير فيالتعريب ولم يأت المبرد بحجة على ما زعمه،ولم لا يكون الرحمن عربيا كماكان عبرانيا فإن العربية والعبرانية أختان وربما كانت العربية الأصليةأقدم من العبرانية ولعل الذي جرأه على ادعاء أن الرحمان اسم عبراني ماحكاه القرآن عن المشركين في قوله (قالوا وما الرحمن) ويقتضي أن العرب لميكونوا يعلمون هذا الاسم لله تعالى كما سيأتي. وبعض عرب اليمن يقولون رخمرخمة بالمعجمة.إ.هـ بتصريف ( 8) يقول ابن القيم رحمه الله: فائدة استبعد قوم أن يكون الرحمن نعتاً الله من قولنا : بسم الله الرحمن الرحيموقالوا الرحمن علم والأعلام لا ينعت بها . ثم قالوا : هو بدل من اسم اللهقالوا : ويدل على هذا أن الرحمن علم مختص بالله لا يشاركه فيه غيره ، فليسهي كالصفات التي هي العليم والقدير والسميع والبصير ، ولهذا تجري على غيرهتعالى . قالوا : ويدل عليه أيضاً وروده في القرآن غير تابع لما قبله كقوله: الرحمن على العرش استوى [ طه : 5 ] ، الرحمن * علم القرآن [ الرحمن : 2] ، أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن [ الملك : 20 ] ، وهذاشأن الأسماء المحضة ، لأن الصفات لا يقتصر على ذكرها دون الموصوف . قالالسهيلي : والبدل عندي فيه ممتنع ، وكذلك عطف البيان لأن الاسم الأول لايفتقر إلى تبيين ، فإنه أعرف المعارف كلها وأبينها . ولهذا قالوا : وماالرحمن ولم يقولوا : وما الله ولكنه ، وإن جرى مجرى الإعلام فهو وصف يرادبه الثناء ، وكذلك الرحيم إلا أن الرحمن من أبنية المبالغة كغضبان ونحوه ،وإنما دخله معنى المبالغة من حيث كان في آخره ألف ونون كالتثنية . فإنالتثنية في الحقيقة تضعيف . وكذلك هذه الصفة فكأن غضبان وسكران كامللضعفين من الغضب والسكر فكان اللفظ مضارعاً للفظ التثنية لأن التثنيةضعفان في الحقيقة ، ألا ترى أنهم أيضاً قد شبهوا التثنية بهذا البناء إذاكانت لشيئين متلازمين . فقالوا : الحكمان والعلمان وأعربوا النون كأنه اسملشيء واحد . فقالوا : اشترك باب فعلان وباب التثنية . ومنه قول فاطمة : ياحسنان يا حسينان برفع النون لابنيها ولمضارعة التثنية امتنع جمعه فلا يقالغضابين ، وامنع تأنيثه فلا يقال غضبانة ، وامتنع تنوينه كما لا ينون نونالمثنى فجرت عليه كثير من أحكام التثنية لمضارعته إياها لفظاً ومعنى .وفائدة الجمع بين الصفتين الرحمن والرحيم الإنباء عن رحمة عاجلة وآجلةوخاصة وعامة تم كلامه . قلت : أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت فإنها دالةعلى صفات كماله فلا تنافي فيها بين العلمية والوصفية . فالرحمن اسمه تعالىووصفه لا تنافي اسميته وصفيته فمن حيث هو صفة جرى تابعاً على اسم الله ،ومن حيث هو اسم ورد في القرآن غير تابع ، بل ورود الاسم العلم . ولما كانهذا الاسم مختصاً به تعالى حسن مجيئه مفرداً غير تابع كمجيء اسم الله كذلك، وهذا لا ينافي دلالته على صفة الرحمن كاسم الله فإنه دال على صفةالألوهية ولم يجيء قط تابعاً لغيره ، بل متبوعاً . وهذا بخلاف العليموالقدير والسميع والبصير ونحوها ، ولهذا لا تجيء هذه مفردة بل تابعة .فتأمل هذه النكتة البديعة يظهر لك بها أن الرحمن اسم وصفه لا ينافي أحدهماالآخر . وجاء استعمال القرآن بالأمرين جميعاً (بدائع الفوائد ج1 ص 23 -24) ( 9) كما سيأتي معنا بعون وتوفيقه في الفقرة التالية ( 10) مع ملاحظة اشتمال البسملة على هذا التجمع 112مرة ( 11) أقصى ما يلزم بهذا أن تكون سورة الفاتحة قد نزلت قبل أو مع فرضالصلاة ، فإذا صح ما ذكر من أن الصلاة فرضت بعد موت السيدة خديجة ،وأنخديجة توفيت بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسبع سنوات ، وقبل الهجرةبخمس سنوات أو أربع أو ثلات تكون سورة الفاتحة من السور التي تقع موقعاًوسطاً ضمن السور المكية (انظر القرطبي ص210/ج10) ( 12) وجاءت مرة واحدة أيضاً في ( الرحمن والبقرة والرعد والحشر) وهي سور مدنية ( 13) الإسراء: من الآية110 قال مقيده عفا الله عنه : سيأتي مزيد بيان في توضيح خصائص الاسم الكريم ( 14) ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ-الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- الرَّحْمَنِ الرَّحِيم) (الفاتحة3:1) ( 15) الملك: من الآية29 ( 16) النبأ: من الآية37 قال مقيده عفا الله عنه : ربما يكون من خصوصيةهذا الاسم نسبة الربوبية إليه وكذا الألوهية وغيرها من الصفات الإلهية كماسنوضح بعد قليل بعون الله وتوفيقه . (17 ) وهي رقم 33 بترتيب النزول للسيوطي (18 ) وهي رقم 40 بترتيب النزول للسيوطي (19 ) وهي رقم41 بترتيب النزول للسيوطي (20 ) وهي رقم 43 بترتيب النزول للسيوطي (21 ) قال مقيده عفا الله عنه : سبق الرد على مثل هذا في كلام العلماءرحمهم الله أنه جحود لحقائق هم لا يريدون الإقرار بها لا للغرابة ولا عدمالعلم ولكن كما قال العليم الخبير ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَالَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّالظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام:33) ) ( بَلْ هُوَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَايَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (العنكبوت:49) ( انظر التحقيقاللغوي ) ، ولكن التدرج شأنه شأن أي علم من العلوم لابد فيه من التدرج علىالمبتدئ فما بالنا بالعلم بالله عز وجل الذي هو أشرف العلوم إذ هو علمبأسمائه وصفاته العُلا فحتى لا يشذ فهم ولا يقع تحت وهم أو خيال لابد أنينيره بالعلم الربانية ولكن بقدره فقد قال عز وجل( فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌبِقَدَرِهَا)(الرعد: من الآية17) ، إذ الزيادة على المستطاع مضر في غيروقته ، ومراعاة لتربية النفس البشرية التي ما زالت ترضع من ثدي الشركوالجهالة وانظر إلى قوم موسى عليه السلام ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِيإِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍلَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌقَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ( الأعراف:138) ،إذ التعرف عليه جلوعلا من خلال هذا الاسم الكريم يكسب القلب فرحاً وانشراحاً وإقبالاً عليهجل وعلا وانظر رحمنا الله و إياك محاورة الخليل إبراهيم عليه السلام لأبيهفي سورة مريم ( يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَكَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً ــ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَعَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) (مريم45:44)، وانظر رحمنا الله وإياك إلي نزول الوحي على رسول الله صلى الله ليه وسلم ألم يبدأ بالرؤيا الصالحة قرابة الأشهر الستالأولى من بعثته فكان لا يري الرؤيا إلا أتت كفلق الصبح وكما يقول أهلالعلم إن هذا كان تهيئة للقاء الأكبر لتلقى الوحي من جبريل عليه السلام ،وجاء عن ابن عباس في تفسير الرباني قال هو الذي يربي بصغار العلم قبلكباره ، فالتدرج سنة ربانية سنها لتربية الخلق وتدبير شئونهم وأحوالهموالله عز وجل أعلم . ( 22) في سورة الرحمن ثمان وسبعون آية خص النون منها تسع وستون ( 23) وأما قوله عزوجل ( قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَاالرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (الأنبياء:112) فيحتملالوصف التالي له أن يكون خبراً بعد خبر ،أو صفة ،أو خبرا لربنا. (24 ) وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم معاذ رضى الله عنه (رحمن الدنيا والآخرة و رحيمها ) وسيأتي معنا بإذن الله عزوجل . ( 25) انظر أقوال أهل العلم في معنى الاسمين . ( 26) طـه:14 ( 27) الأنبياء:25 ( 28) محمد: من الآية19 ( 29) البقرة:163 ( 30) الأنعام:102 ( 31) الأعراف:54، ويونس: 3 ( 32) طـه: من الآية90 ( 33) الفرقان:59 ( 34) الملك:3 ( 35) الصافات:40، 160،128،74 ( 36) الدخان:18 ( 37) الإنسان:6 ( 38) مريم:93 ( 39) الأنبياء:26 ( 40) الفرقان:63 ( 41) الأعراف: من الآية156 ( 42) الأعراف: من الآية54 ( 43) الرعد: من الآية2 ( 44) السجدة:4 ( 45) السجدة:4 ( 46) طـه:5 ( 47) الفرقان:59 ( 48) خص التنزيل بالألوهية(الله عزوجل ) والربوبية(الرب عزوجل ) والرحمانية(الرحمن الرحيم ) ( 49) البقرة: من الآية176 ( 50) الزمر:23 ( 51) البقرة:252 ( 52) آل عمران:108 ( 53) الأحزاب:34 ( 54) فصلت:2 ( 55) الزخرف:36 ( 56) مريم:58 ( 57) النساء:136 ( 58) الملك:29 ( 59) النحل:98 ( 60) مريم:18 ( 61) النجم:62 ( 62) الفرقان:60 ( 63) فاطر:28 ( 64) يّـس:11 ( 65) قّ:33 ( 66) آل عمران: من الآية122 ( 67) آل عمران: من الآية159 ( 68) الرعد:30 ( 69) الملك: من الآية29 ( 70) الدعاء أخص العبودية وأعظمها لان فيه عدة معان : 1)الوجود فإن منليس بموجود لا يُدعى 2) الغنى فإن الفقير لا يدعى 3) السمع فإن الأصم لايُدعى 4) الكرم فإن البخيل لا يُدعى 5) الرحمة فإن القاسي لا يُدعى 6)القدرة فإن العاجز لا يُدعى وكلها من صفات الكمال الثابتة لله عزوجل . ( 71) غافر:60 ( 72) صحيح رواه الإمام أحمد وغيره ( 73) الإسراء:110 ( 74) لذا كثر كلام أهل العلم في ذلك أن من معاني الرحمن الملك العظيمالعادل ، وقال بعضهم : أن ذكر الرحمن في هذه المواضع يمزج بين الترغيب فيمواطن الترهيب فيكون ذلك ادعى لقبول الدعوة من باب التلطف مع المدعوين ،وهذا يتضح في آيات سورة مريم ودعوة الخليل علي السلام لأبيه ( يَا أَبَتِإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَلِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً) (مريم:45) ( 75) النساء:87 ( 76) الانفطار:19 ( 77) الفرقان:26 ( 78) النبأ38:37 ( 79) الزمر:44 ( 80) النجم:26 ( 81) مريم:87 ( 82) طـه:109 ( 83) التوبة:111 ( 84) فصلت:30 ( 85) مريم63:61 ( 86) مريم:85 ( 87) مريم:96 ( 88) فالرحيم الغفور قال عزوجل (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِيالسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِوَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير ـ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَايَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَاوَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (سـبأ2:1) / رحيم ودود قال عزوجل على لسانشعيب عليه السلام (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْيُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْقَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ــ وَاسْتَغْفِرُوارَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)(هود90:89 ) ( 89) البقرة:37 ( 90) البقرة: من الآية54 ( 91) البقرة: من الآية128 ( 92) البقرة: من الآية160 ( 93) التوبة:104 ( 94) التوبة:118 ( 95) يوسف:98 ( 96) القصص:16 ( 97) الزمر:53 ( 98) الشورى: من الآية5 ( 99) مستفاد من أسماء الله الحسنى دراسة في البنية والدلالة ص143:141 د/ أحمد مختار عمر | |
|
ابراهيم عيسى إدارة عامة
تاريخ التسجيل : 18/03/2010
| موضوع: رد: سلسله رياض النعيم مقال جديد الجمعة نوفمبر 19, 2010 5:57 pm | |
| 4)أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى في معنى الاسمين الكريمين(الرحمن الرحيم )
اختلفت عبارات أهل العلم ـ رحمهم الله عز وجل ـ سلفاً وخلفا ً في معنيالاسمين الكريمين ولكنها لم تخرج عن كون الاسمين اشتقا من الرحمة على وجهالمبالغة ـ كما سبق بيانه ـ ولكن أي الاسمين أبلغ والتوسع في معنى الاسمين، فمن قائل بالترادف ، ومن قائل بالاختلاف والتباين فهيا بنا نشم شذارياحين رياضهم ، و نقتبس من أنوارهم ، لعلنا نهتدي بهداهم .
و أول قبس من أنوار كلام ترجمان القران عبد الله بن عباس رضى الله عنهالذي صار قوله في التفسير عمدة لمن جاء بعده ببركة دعاء رسول الله صلىالله عليه وسلم له ( اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل ) : (الرحمن هو الرقيق والرحيم العاطف على الخلق بالرزق ، وهما اسمان رقيقان ، أحدهما ارق من الآخر)(1 ). قول الإمام الطبري (2 ): القول فـي تأويـل قوله تعالـى: الرّحْمنِ الرّحِيـمِ. قال أبو جعفر فإن قال قائل: فإذا كان الرحمَن والرحيـم اسمين مشتقـين من الرحمة, فما وجه تكرير ذلك وأحدهما مؤّد عن معنى الآخر؟ قـيـل له: لـيس الأمر فـي ذلك علـى ما ظننت, بل لكل كلـمة منهما معنى لاتؤَدي الأخرى منهما عنها. فإن قال: وما الـمعنى الذي انفردت به كل واحدةمنهما, فصارت إحداهما غير مؤدية الـمعنى عن الأخرى؟ ... ... .. ثم ذكركلام أهل اللغة ثم قال رحمه الله تعالى: وأما من جهة الأثر والـخبر, ففـيه بـين أهل التأويـل اختلاف. وبسنده إلي العرزمي يقول: «الرحمن الرحيـم» قال: الرحمن بجميع الـخـلق. «الرحيـم» قال: بـالـمؤمنـين. وبسنده إلي ابن مسعود و أبـي سعيد يعنـي الـخدري قال: قال رسول الله صلىالله عليه وسلم: «إنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ قالَ: الرّحْمَنُ:رَحْمَنُ الآخرة والدّنْـيَا, والرّحِيـمُ: رَحِيـمُ الآخرة»( 3). فهذان الـخبران قد أنبآ عن فرق ما بـين تسمية الله جل ثناؤه بـاسمه الذيهو «رحمن», وتسميته بـاسمه الذي هو «رحيـم».واختلاف معنى الكلـمتـين, وإن اختلفـا فـي معنى ذلك الفرق, فدل أحدهماعلـى أن ذلك فـي الدنـيا, ودل الاَخر علـى أنه فـي الآخرة. فإن قال: فأيّ هذين التأويـلـين أولـى عندك بـالصحة؟ قـيـل: لـجميعهماعندنا فـي الصحة مخرج, فلا وجه لقول قائل: أيهما أولـى بـالصحة. وذلك أنالـمعنى الذي فـي تسمية الله بـالرحمن, دون الذي فـي تسميته بـالرحيـم هوأنه بـالتسمية بـالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميع خـلقه, وأنه بـالتسميةبـالرحيـم موصوف بخصوص الرحمة بعض خـلقه, إما فـي كل الأحوال, وإما فـيبعض الأحوال. فلا شكّ إذا كان ذلك كذلك, أن ذلك الـخصوص الذي فـي وصفهبـالرحيـم لا يستـحيـل عن معناه, فـي الدنـيا كان ذلك أو فـي الآخرة, أوفـيهما جميعا. فإذا كان صحيحا ما قلنا من ذلك وكان الله جل ثناؤه قد خصعبـاده الـمؤمنـين فـي عاجل الدنـيا بـما لطف بهم فـي توفـيقه إياهملطاعته, والإيـمان به وبرسله, واتبـاع أمره واجتناب معاصيه مـما خذل عنهمن أشرك به فكفر, وخالف ما أمره به وركب معاصيه, وكان مع ذلك قد جعل جلثناؤه ما أعد فـي أجل الآخرة فـي جناته من النعيـم الـمقـيـم والفوزالـمبـين لـمن آمن به وصدق رسله وعمل بطاعته خالصا دون من أشرك وكفر بهكان بـيّنا أن الله قد خص الـمؤمنـين من رحمته فـي الدنـيا والآخرة, مع ماقد عمهم به والكفـار فـي الدنـيا, من الإفضال والإحسان إلـى جميعهم, فـيالبسط فـي الرزق, وتسخير السحاب بـالغيث, وإخراج النبـات من الأرض, وصحةالأجسام والعقول, وسائر النعم التـي لا تـحصى, التـي يشترك فـيهاالـمؤمنون والكافرون. فربنا جل ثناؤه رحمنُ جميع خـلقه فـي الدنـياوالآخرة, ورحيـم الـمؤمنـين خاصة فـي الدنـيا والآخرة. فأما الذي عمّ جميعهم به فـي الدنـيا من رحمته, فكان رحمانا لهم به, فماذكرنا مع نظائره التـي لا سبـيـل إلـى إحصائها لأحد من خـلقه, كما قال جلثناؤه: (وإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُـحْصُوها. وأما فـي الآخرة,فـالذي عم جميعهم به فـيها من رحمته. فكان لهم رحمانا. تسويته بـين جميعهمجل ذكره فـي عدله وقضائه, فلا يظلـم أحدا منهم مِثْقَالَ ذَرّةٍ, وَإنْتَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرا عَظِيـما,وتُوفّـى كل نفس ما كسبت. فذلك معنى عمومه فـي الآخرة جميعهم برحمته الذيكان به رحمانا فـي الآخرة. وأما ما خص به الـمؤمنـين فـي عاجل الدنـيا من رحمته الذي كان به رحيـمالهم فـيها, كما قال جل ذكره: وكانَ بـالـمُؤْمِنِـينَ رَحِيـما فما وصفنامن اللطف لهم فـي دينهم, فخصهم به دون من خذله من أهل الكفر به. وأما ما خصهم به فـي الآخرة, فكان به رحيـما لهم دون الكافرين. فما وصفناآنفـا مـما أعدّ لهم دون غيرهم من النعيـم والكرامة التـي تقصر عنهاالأمانـي. وأما القول الآخر فـي تأويـله, فهو ما: وبسنده إلي عبد الله بن عبـاس, قال: الرحمن الفعلان من الرحمة, وهو منكلام العرب. قال: الرحمن الرحيـم: الرقـيق الرفـيق بـمن أحبّ أن يرحمه,والبعيد الشديد علـى من أحبّ أن يعنف علـيه. وكذلك أسماؤه كلها. وهذا التأويـل من ابن عبـاس, يدل علـى أن الذي به ربنا رحمن هو الذي بهرحيـم, وإن كان لقوله «الرحمن» من الـمعنى ما لـيس لقوله«الرحيـم» لأنه جعل معنى الرحمن بـمعنى الرقـيق علـى من رقّعلـيه, ومعنى الرحيـم بـمعنى الرفـيق بـمن رفق به. والقول الذي رويناه فـي تأويـل ذلك عن النبـي صلى الله عليه وسلم وذكرناهعن العرزمي, أشبه بتأويـله من هذا القول الذي روينا عن ابن عبـاس وإن كانهذا القول موافقا معناه معنى ذلك, فـي أن للرحمن من الـمعنى ما لـيسللرحيـم, وأن للرحيـم تأويلاً غير تأويـل الرحمن. والقول الثالث فـي تأويـل ذلك, ما: وبسنده إلي عطاء الـخراسانـي, يقول: كان الرحمن, فلـما اختزل(4 ) الرحمن من اسمه كان الرحمن الرحيـم. والذي أراد إن شاء الله عطاء بقوله هذا: أن الرحمن كان من أسماء اللهالتـي لا يتسمى بها أحد من خـلقه, فلـما تسمى به الكذّاب مسيـلـمة وهواختزاله إياه, يعنـي اقتطاعه من أسمائه لنفسه أخبر الله جلّ ثناؤه أن اسمهالرحمن الرحيـم, لـيفصل بذلك لعبـاده اسمه من اسم من قد تسمى بأسمائه, إذكان لا يُسمّى أحد الرحمن الرحيـم فـيجمع له هذان الاسمان غيره جل ذكرهوإنـما تسمى بعض خـلقه إما رحيـما, أو يتسمى رحمن, فأما «رحمَنرحيـم», فلـم يجتـمعا قط لأحد سواه, ولا يجمعان لأحد غيره. فكأنمعنى قول عطاء هذا: أن الله جل ثناؤه إنـما فصل بتكرير الرحيـم علـىالرحمن بـين اسمه واسم غيره من خـلقه, اختلف معناهما أو اتفقا. والذي قال عطاء من ذلك غير فـاسد الـمعنى, بل جائز أن يكون جل ثناؤه خصنفسه بـالتسمية بهما معا مـجتـمعين إبـانة لها من خـلقه, لـيعرف عبـادهبذكرهما مـجموعين أنه الـمقصود بذكرهما دون من سواه من خـلقه, مع ما فـيتأويـل كل واحد منهما من الـمعنى الذي لـيس فـي الاَخر منهما. وقد زعم أيضا بعض من ضعفت معرفته بتأويـل أهل التأويـل, وقلت روايتهلأقوال السلف من أهل التفسير, أن «الرحمن» مـجازه «ذوالرحمة», و«الرحيـم» مـجازه «الراحم». ثمقال: قد يقدرون اللفظين من لفظ والـمعنى واحد, وذلك لاتساع الكلام عندهم.قال: وقد فعلوا مثل ذلك, فقالوا: ندمان ونديـم. ثم استشهد بقول بُرْج بنمسهر الطائي: ونَدْمانٍ يَزِيدُ الكأسَ طِيبَـا سَقَـيْتُ وقَدْ تَغَوّرَتِ النّـجُومُ واستشهد بأبـيات نظائر له فـي النديـم والندمان. ففرق بـين معنى الرحمنوالرحيـم فـي التأويـل, لقوله: الرحمن ذو الرحمة, والرحيـم: الراحم. وإنكان قد ترك بـيان تأويـل معنيهما علـى صحته. ثم مثل ذلك بـاللفظين يأتـيانبـمعنى واحد, فعاد إلـى ما قد جعله بـمعنـيـين, فجعله مثال ما هو بـمعنىواحد مع اختلاف الألفـاظ. ولا شك أن ذا الرحمة هو الذي ثبت أن له الرحمةوصح أنها له صفة, وأن الراحم هو الـموصوف بأنه سيرحم, أو قد رحم فـانقضىذلك منه, أو هو فـيه. ولا دلالة له فـيه حينئذ أن الرحمة له صفة, كالدلالةعلـى أنها له صفة إذا وصفه بأنه ذو الرحمة. فأين معنى الرحمن الرحيـم علـىتأويـله من معنى الكلـمتـين يأتـيان مقدرتـين من لفظ واحد بـاختلافالألفـاظ واتفـاق الـمعانـي؟ ولكن القول إذا كان غير أصل معتـمد علـيه كان واضح عُوَارُه.
قول الإمام القرطبي( 5): ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة:3) واختلفوا هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟ فـ "الرحمن" خاص الاسم عام الفعل. و"الرحيم" عام الاسم خاص الفعل. هذا قول الجمهور. قال أبو علي الفارسي: "الرحمن" اسم عام في جميع أنواع الرحمة، يختصر بهالله. "والرحيم" إنما هو في وجهة المؤمنين؛ كما قال تعالى: "وكانبالمؤمنين رحيما" [الأحزاب:43]. وقال العرزمي: "الرحمن" بجميع خلقه في الأمطار ونعم الحواس والنعم العامة، "والرحيم" بالمؤمنين في الهداية لهم، واللطف بهم. وقال ابن المبارك: "الرحمن" إذا سئل أعطي، و"الرحيم" إذا لم يسأل غضب.وروى ابن ماجة في سننه والترمذي( 6) في جامعه عن أبي صالح عن أبي هريرةقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه" لفظالترمذي. وقال ابن ماجة: "من لم يدع الله سبحانه غضب عليه". وقد أخذ بعضالشعراء هذا المعنى فقال: الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة. قال الخطابي: وهذا مشكل؛ لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات اللهتعالى. وقال الحسين بن الفضل البجلي: هذا وهم من الراوي، لأن الرقة ليستمن صفات الله تعالى في شيء، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر،والرفق من صفات الله عز وجل؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيقيحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف). أكثر العلماء على أن "الرحمن" مختص بالله عز وجل، لا يجوز أن يسمى بهغيره، ألا تراه قال: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن" [الإسراء:110] فعادلالاسم الذي لا يشركه فيه غيره. وقال: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلناأجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" [الزخرف:45] فأخبر أن "الرحمن" هوالمستحق للعبادة جل وعز. وقد تجاسر مسيلمة الكذاب - لعنه الله - فتسمىبرحمان اليمامة، ولم يتسم به حتى قرع مسامعه نعت الكذاب فألزمه الله تعالىنعت الكذاب لذلك، وأن كان كل كافر كاذباً، فقد صار هذا الوصف لمسيلمةعلماً يعرف به، ألزمه الله إياه. وقد قيل في اسمه الرحمن: إنه اسم اللهالأعظم؛ ذكره ابن العربي. "الرحيم" صفة مطلقة للمخلوقين، ولما في "الرحمن" من العموم قدم في كلامناعلى "الرحيم" مع موافقة التنزيل؛ وقيل: إن معنى "الرحيم" أي بالرحيم وصلتمإلى الله وإلى الرحمن، فـ "الرحيم" نعت محمد صلى الله عليه وسلم؛ أيوبمحمد صلى الله عليه وسلم وصلتم إلي، أي باتباعه وبما جاء به وصلتم إلىثوابي وكرامتي والنظر إلى وجهي؛ والله أعلم.
قول البغوى( 7):
:"الرحمن الرحيم " قال ابن عباس رضي الله عنهما: هما اسمان رقيقانأحدهما أرق من الآخر. واختلفوا فيهما منهم من قال: هما بمعنى واحد مثلندمان ونديم ومعناهما ذو الرحمة، وذكر أحدهما بعد الآخر ( تطميعاً ) لقلوبالراغبين. وقال المبرد : هو إنعام بعد إنعام، وتفضل بعد تفضل، ومنهم منفرق بينهما فقال: الرحمن بمعنى العموم والرحيم بمعنى الخصوص. فالرحمنبمعنى الرزاق في الدنيا وهو على العموم لكافة الخلق. والرحيم بمعنىالمعافى في الآخرة والعفو في الآخرة للمؤمنين على الخصوص ولذلك قيل فيالدعاء: يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، فالرحمن من تصل رحمته إلى الخلق علىالعموم، والرحيم من تصل رحمته إليهم على الخصوص،ن ولذلك يدعى غير اللهرحيماً ولا يدعى غير الله رحمن. فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ، والرحيمعام اللفظ خاص المعنى، والرحمة إرادة الله تعالى الخير لأهله. وقيل تركعقوبة من يستحقها وإسداء الخير إلى من لا يستحق، فهي على الأول صفة ذات،وعلى الثاني صفة (فعل).
قول ابن الجوزى(8 ) : فأما«الرحمن»: فذهب الجمهور إلى أنه مشتق من الرحمة، مبني على المبالغة، ومعناه: ذو الرحمة التي لا نظير له فيها. وبناء فعلان في كلامهم للمبالغة، فإنهم يقولون للشديد الامتلاء: ملآن، وللشديد الشبع: شبعان. قال الخطابي: في«الرحمن»: ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم، وعمت المؤمن والكافر. و«الرحيم» خاص للمؤمنين. قال عز وجل: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } الاحزاب: 43 والرحيم بمعنى الراحم.
قول ابن كثير(9):
{الرحمن الرحيم} اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة, ورحمن أشدمبالغة من رحيم وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا,.......... ثم ذكر رحمه الله تعالى كلام ابن جرير المتقدم ثم قال: ( وقدزعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن لأنه أكدّ به والمؤكد لا يكونإلا أقوى من المؤكد والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من بابالنعت ولا يلزم فيه ما ذكروه وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسمبه أحد غيره ووصفه أولاً بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره كما قالتعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به ولم يتابعه على ذلك إلا من كانمعه في الضلالة وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره قال: { لقد جاءكم رسولمن أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} كما وصفغيره بذلك من أسمائه كما قال تعالى {إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاحنبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً} والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى بهغيره ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم الله والرحمن والخالق والرازق ونحوذلك فلهذا بدأ باسم الله ووصفه بالرحمن لأنه أخص وأعرف من الرحيم, لأنالتسمية أولاً إنما تكون بأشرف الأسماء فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص). ثماختصر رحمه الله بين كلام الطبري والقرطبي رحمهما الله الآنف الذكر.(10)
قول البيضاوي ( 11): الرحمن الرحيم اسمان بنيا للمبالغة من رحمكالغضبان من غضب والعليم من علم والرحمة في اللغة رقة القلب وانعطاف يقتضيالتفضل والإحسان ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها وأسماء الله تعالى إنماتؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادي التي تكون انفعالات والرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قطعوقطع وكبار وكبّار وذلك إنما يؤخذ تارة باعتبار الكمية وأخرى باعتبارالكيفية فعلى الأول قيل يا رحمن الدنيا لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيمالآخرة لأنه يخص المؤمن وعلى الثاني قيل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمالدنيا لأن النعم الأخروية كلها جسام وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرةوإنما قدم والقياس يقتضي الترقي من الأدنى إلى الأعلى لتقدم رحمة الدنياولأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره لأن معناه المنعم الحقيقيالبالغ في الرحمة غايتها وذلك لا يصدق على غيره لأن من عداه فهو مستعيضبلطفه وإنعامه يريد به جزيل ثواب أو جميل ثناء أو مزيج رقة الجنسية أو حبالمال عن القلب ثم إنه كالواسطة في ذلك لأن ذات النعم ووجودها والقدرة علىإيصالها والداعية الباعثة عليه والتمكن من الانتفاع بها والقوى التي بهايحصل الانتفاع إلى غير ذلك من خلقه لا يقدر عليها أحد غيره أو لأن الرحمنلما دل على جلائل النعم وأوصلها ذكر الرحيم ليتناول ما خرج منها فيكونكالتتمة والرديف له أو للمحافظة على رؤوس الآي والأظهر أنه غير مصروف وإنحظر اختصاصه بالله تعالى أن يكون له مؤنث على فعلى أو فعلانة إلحاقا لهبما هو الغالب في بابه وإنما خص التسمية بهذه الأسماء ليعلم العارف أنالمستحق لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولىالنعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها فيتوجه بشراشره إلى جناب القدسويتمسك بحبل التوفيق ويشغل سره بذكره والاستعداد به عن غيره .
نقول البيهقي و ابن حجر : الرحمن من له الرحمة الرحيم الراحم فعيل بمعنى فاعل على المبالغة وقيلالرحمن المريد لرزق كل حي في الدنيا والرحيم المريد لإكرام المؤمنينبالجنة في العقبى فيرجع معناها إلى صفة الإرادة التي هي صفة قائمة بذاته (12)، وقال ابن التين الرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة وقيل هما اسماناشتقاق وقيل يرجعان إلي معنى الإرادة فرحمته إرادته تنعيم من يرحمه وقيلراجعان إلى تركه عقاب من وقال الحليمي معنى الرحمن انه مزيح العلل لأنهلما أمر بعبادته بين حدودها وشروطها فبشر وانذر وكلف ما تحمله بنيتهمفصارت العلل عنهم مزاحة والحجج منهم منقطعة قال ومعنى الرحيم انه المثيبعلى العمل فلا يضيع لعامل أحسن عملا بل يثيب العامل بفضل رحمته أضعاف عمله( 13) قول العلامة القرآني محمد الآمين الشنقيطي(14 ) : {لرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ } هما وصفان للَّه تعالى، واسمان من أسمائه الحسنى ، مشتقان من الرحمة علىوجه المبالغة ، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم ، لأن الرحمن هو ذو الرحمةالشاملة لجميع الخلائق في الدنيا ، وللمؤمنين في الآخرة ، و الرحيم ذوالرحمة للمؤمنين يوم القيامة . وعلى هذا أكثر العلماء . وفي كلام ابن جريرما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا . وفي تفسير بعض السلف ما يدل عليه ،كما قاله ابن كثير ، ويدل له الأثر المروي عن عيسى كما ذكره ابن كثيروغيره أنه قال عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام : الرَّحْمنِ رحمن الدنياوالآخرة والرَّحِيم رحيم الآخرة . وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا حيثقال : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَـنُ} ، وقال :{الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، فذكر الاستواء باسمه الرحمنليعم جميع خلقه برحمته . قاله ابن كثير . ومثله قوله تعالى : {أَوَلَمْيَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــافاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَايُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَـنُ} ؛ أي: ومن رحمانيته : لطفه بالطير ،وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء . ومن أظهر الأدلة في ذلك قولهتعالى : {الرَّحْمَـنُ * عَلَّمَ الْقُرْءانَ} إلى قوله : {فَبِأَىّ ءالاءرَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ، وقال : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}فخصهم باسمه الرحيم . فإن قيل : كيف يمكن الجمع بين ما قررتم ، وبين ماجاء في الدعاء المأثور من قوله صلى الله عليه وسلم : « رحمن الدنياوالآخرة ورحيمهما » .
قول العلامة السعدي( 15) : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعةالعظيمة التي وسعت كل شيء, وعمت كل حي, وكتبها للمتقين المتبعين لأنبيائهورسله. فهؤلاء لهم الرحمة المطلقة, ومن عداهم فلهم نصيب منها. واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها, الإيمان بأسماء الله وصفاته, وأحكام الصفات. فيؤمنون مثلا, بأنه رحمن رحيم, ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقةبالمرحوم. فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته, وهكذا في سائر الأسماء. يقالفي العليم: إنه عليم ذو علم, يعلم [به] كل شيء, قدير, ذو قدرة يقدر على كلشيء
قول نووي جاوى( 16) : { الرَّحْمَنِ} أي العاطف على البار والفاجر بالرزق ودفع الآفات عنهم.{الرَّحِيمِ} أي الذي يستر عليهم الذنوب في الدنيا ويرحمهم في الآخرةفيدخلهم الجنة.
قول ابن عاشور( 17): الرحمن الرحيم[3] وصفان مشتقان من رحم، وبعد كون كل من صفتي الرحمانالرحيم دالة على المبالغة في اتصافه تعالى بالرحمة فقد قال الجمهور إنالرحمان أبلغ من الرحيم بناء على أن زيادة المبنى تؤذن بزيادة المعنى وإلىذلك مال جمهور المحققين ، وقد رأيت للمفسرين في توجيه الارتقاء من الرحمانإلى الرحيم أجوبة كثيرة مرجعها إلى اعتبار الرحمان أخص من الرحيم فتعقيبالأول بالثاني تعميم بعد خاص ولذلك كان وصف الرحمان مختصا به تعالى وكانأول إطلاقه مما خصه به القرآن على التحقيق بحيث لم يكن التوصيف به معروفاعند العرب كما سيأتي. ومدلول الرحيم كون الرحمة كثيرة التعلق إذ هو منأمثلة المبالغة ولذلك كان يطلق على غير الله تعالى كما في قوله تعالى فيحق رسوله (بالمؤمنين رءوف رحيم) فليس ذكر إحدى الصفتين بمغن عن الأخرى.وتقديم الرحمان على الرحيم لأن الصيغة الدالة على الاتصاف الذاتي أولىبالتقديم في التوصيف من الصفة الدالة على كثرة متعلقاتها. قول العلامة العثيمين( 18):
و{ الرحمن } أي ذو الرحمة الواسعة؛ ولهذا جاء على وزن "فَعْلان" الذي يدل على السعة.. و{ الرحيم } أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده؛ ولهذا جاءت على وزن "فعيل" الدال على وقوع الفعل فهنا رحمة هي صفته . هذه دل عليها { الرحمن }؛ ورحمة هي فعله . أي إيصال الرحمة إلى المرحوم . دلّ عليها { الرحيم }.. و{ الرحمن الرحيم }: اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، وعلى الأثر: أي الحكم الذي تقتضيه هذه الصفة.. والرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقية دلّ عليها السمع، والعقل؛ أماالسمع فهو ما جاء في الكتاب، والسنّة من إثبات الرحمة لله . وهو كثيرجداً؛ وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمةالله.. إ .هـ
أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى في الفرق بين الاسمين الشريفين (الرحمن الرحيم )
أن الألفاظ القرآنية ـ كما سبق أن ذكرنا ـ ذات دلالات معنوية خاصة بها ،وإن اقتربت في المباني ، و اشتركت في أصل اشتقاقها ، فإن المعاني تختلفبالزيادة تارة ، أو بدخول أفراد من المعاني الأخرى تحت معناها تارة أخرى،وكما قال أهل اللغة : إن الزيادة في المبني تؤدى إلي الزيادة في المعني ،وكما قال أهل العلم : أن اللفظ القرآني يأتي للتأسيس لا للتأكيد .
إذاً : انطلاقاً مما سبق فإن كلا الاسمين الكريمين ( الرحمن الرحيم ) لهمعناه الخاص ، ومدلوله الذي ينفرد به عن الآخر ، وهذا ما أشار إليه أهلالعلم رحمهم الله تعالى في مصنفاتهم .
واتضح ـ بفضل الله عزوجل من استقراء كلامهم أن الفرق بين الاسمين الكريمين (الرحمن الرحيم ) على وجهين : أولهما: في الدلالة الوصفية لكلا الاسمين الكريمين : وأقصد بالدلالة الوصفية كون الاسم يدل على صفة ذاتية أو صفة فعلية. والثاني: في المتعلق الخاص لكلا الاسمين الكريمين : وأقصد بالمتعلق ظهور أثر الاسم في الخلق والأمر.
و ها هي رياضهم الندية بين يديك لعلنا نستروح بين ظلالها ونُروى من غُدرها( 19) .
قول ابن العربي : قال ابن العربي : وهو يشرح أثر ابن عباس رضى الله عنه فمعناه عندي : أحدهما :أن الرحمن عام في الدنيا والآخرة والمنافع والثواب ، وأن الرحيميختص بالثواب والعفو ، فصار الرحمن خاصاً في اللفظ لاختصاصهبالبارئ،وعاماً في المعني، وصار الرحيم عاماً في الفظ لجواز تسمية غيرالله به ، وخاصاً في المعني للمؤمنين في العفو والثواب. والثاني :أن تقدير رحمن كعطشان إذا كان في تلك الساعة علي تلك الحالة وإنلم يكن دائماً ، ووزن رحيم كقولك :كريم وهو نعت دائم فكان الدائم أرق منالمؤقت ،ومن هذا قول الحسن ’: فإنه جعل الرحيم أرق خاص بالعفو عنالذنوب ويكثر الثواب الذي المرء أحوج له وأنفع ( 20) .
قول الأقليشي : الرحمن أبلغ من الرحيم في اللسان فتكون الإشارة بالرحمن إلي الاسم المشتقإلي الرحمة الذاتية ، وبالرحيم المشتق من الصفات الفعلية ، ويكون فيالتكرار فائدة جلية وهذا أجلى ما يقال فيها ( 21) .
قول الحليمي : معنى الرحمن انه مزيح العلل لأنه لما أمر بعبادته بين حدودها وشروطها فبشروانذر وكلف ما تحمله بنيتهم فصارت العلل عنهم مزاحة والحجج منهم منقطعةقال ومعنى الرحيم انه المثيب على العمل فلا يضيع لعامل أحسن عملا بل يثيبالعامل بفضل رحمته أضعاف عمله (22 ).
قول ابن جماعة : مسألة ( الرحمن الرحيم ) ذكر المفسرون في إيراد الاسمين مع اتحاد المعنى فيها معاني كثيرة مذكورةفي كتب التفسير لم نُطل بها هنا ، وأحسن ما يقال مما لم اقف عليه في تفسير: أن ( فعلان ) صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمه ، والامتلاء منه ولم يلزممنه الدوام لذلك كغضبان وسكران وندمان ، وصيغة ( فعيل ) لدوام الصفة ككريموظريف . فكأنه قيل العظيم الرحمة الدائمة ، ولذلك لما تفرد الرب سبحانه العظيم بعظم رحمته لم يُسم بالرحمن بالألف واللام غيره ( 23) .
وقد نقل القرطبي قائلاً: و روى عن أبي عبيدة أنه قال: الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم هو الراحم . قال ابن الحصار : يشير إلي أن الرحمن صفة الخالق سبحانه (أي أنها صفة ذات)، والرحيم تدل على أفعاله التي بها يرحم عباده ، ولله دره في هذا المقال.............. ثم قال رحمه الله تعالى( القائل القرطبي ) : فالرحمن يدل على صفته العامة المختصة به عزوجل ، ويستحيل أن توجد لغيره إذلا يوجد مخلوق تعم رحمته جميع المخلوقات من أوليائه وأعدائه ، والرحيم وصفيدل على الفعل الذي تقع المشاركة فيه ولذلك وصف نفسه بأنه خير الراحمينوارحم الراحمين .
وقال بعض أهل العلم ( 24): ( أن الرحمن هو المنعم بجلائل النعم ،و الرحيم هو المنعم بدقائقها ). قال مقيده عفا الله تعالى عنه وعن والديه : وهذا معني جميل ، الرحمنالمنعم بجلائل النعم أي النعم الظاهرة الباهرة و كنت قد قرأت هذا المعني وجعلت أتأمل من أين أتي حتى أكرمني ربي به ، ووجدت هذا المعني ظاهراً جلياًأظهر من الشمس في كبد السماء ، وذلك في سورة الرحمن ( بِسْمِ اللهِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { الرَّحْمَنُ - عَلَّمَ الْقُرْآنَ - خَلَقَالإِنْسَانَ - عَلَّمَهُ الْبَيَانَ - الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ- وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ - وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَالْمِيزَانَ - أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ - وَأَقِيمُوا الْوَزْنَبِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ - وَالأَرْضَ وَضَعَهَالِلْأَنَامِ - فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ -وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ - فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَاتُكَذِّبَانِ } الرحمن 13:1 ) وكما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( لقد قرأتها - يعني سورةالرحمن - على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت علىقوله ( فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا: و لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلكالحمد )( 25). والمذكور في السورة الكريمة كله من النعم العظيمة الباهرة ، و لفظة رحمةمن الألفاظ التي وردت في القرآن بأكثر من معنى أغلبها يقع علي النعم . والرحيم المتفضل بلطائف المنن ، وهذا أيضاً قول حسن لأن المتأمل في ورداسم الرحيم في أغلب آي القرآن الكريم يجدها تذيلاً إما على آيات توبة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ( 26) وقوله عزوجل ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُواوَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَاالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ( 27) أو مغفرة ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُأَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)( 28) وقوله عزوجل (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراًرَحِيماً) (النساء:106) أو تخفيف في بعض الأحوال (إِنَّمَا حَرَّمَعَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّبِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلاإِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 29) وقوله عزوجل(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍفَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 30) أو إثابة على طاعة ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَفَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْوَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 31) وقوله عزوجل ( دَرَجَاتٍ مِنْهُوَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) ( 32) أو آداب وسلوك كقوله عزوجل ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوابِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْيَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَااسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْوَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 33) وقولهعزوجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَالظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْبَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِمَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌرَحِيمٌ) ( 34)وقوله عزوجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَانَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةًذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 35) أو عفو كقوله عزوجل ( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 36) أو لبيان ما يتصف الله عزوجل به من صفات كقوله عزوجل ( وَإِلَهُكُمْإِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) (37)وقولهعزوجل ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّاللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ( 38) وقوله عزوجل ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُبِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلارَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَالْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (39 ) أظن أن المعني أتضح لديك أخي أن الرحيم المنعم بلطائف المنن وهى المواهبالربانية والعطايا الرحمانية من توبة وإنابة وخشية واستغفر ومنح إلهيةكلها تأديب وتهذيب لجموع المؤمنين فهو ألطاف رعاية و عناية تُعنى بالأرواحوالقلوب لذا هي لطيفة لطفاً مناسباً للطف هذه الأشياء من اللطيف الخبيرالرؤوف الرحيم . قول ابن القيم : وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطف أخص باسمالرحمن وكرر إيذانا بثبوت الوصف وحصول أثره وتعلقه بمتعلقاته فالرحمن الذيالرحمة وصفه والرحيم الراحم لعباده ولهذا يقول تعالى ( وكان بالمؤمنينرحيما ) (40 ) ( إنه بهم رءوف رحيم ) (41 ) ولم يجيء رحمان بعباده ولارحمان بالمؤمنين مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذاالوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به ألا ترى أنهم يقولون غضبان للممتلئغضبا وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن ملئ بذلك فبناء فعلان للسعة والشمولولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرا كقوله تعالى ( الرحمن علىالعرش استوى )( 42) ( ثم استوى على العرش الرحمن )( 43) فاستوى على عرشهباسم الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلقواسعة لهم كما قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شيء )(44 ) فاستوى على أوسعالمخلوقات بأوسع الصفات فلذلك وسعت رحمته كل شيء وفي الصحيح من حديث أبيهريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش إن رحمتي تغلبغضبي) وفي لفظ( فهو عنده على العرش ) فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمةووضعه عنده على العرش وطابق بين ذلك وبين قوله ( الرحمن على العرش استوى)وقوله ( ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا ) ينفتح لك باب عظيم منمعرفة الرب تبارك وتعالى . إ.هـ( 45) وأما الجمع بين الرحمن الرحيم ، وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة بهسبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف ، والثاني للفعل. فالأول دال على أن الرحمة صفته ، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله :( وكان بالمؤمنين رحيماً )( 46) ، ( إنهبهم رؤوف رحيم ) ( 47) . ولم يجئ قط رحمن بهم فعلم أن رحمن هو الموصوفبالرحمة ، ورحيم هو الراحم برحمته وهذه نكتة لا تكاد تجدها في كتاب ، وإنتنفست عندها مرآة قلبك لم ينجل لك صورتها .( 48)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ ( 1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :والحديث المذكور عن ابن عباس ،لا يثبتلأنه من رواية الكلبي عن ابن صالح عنه ، والكلبي متروك الحديث ،وكذلكمقاتل (فتح الباري ج13 ص410 ) ( 2) التفسير ج1 ص11:6بتصريف قد تجدنى قد أطلت في النقل منه لان عليه تعويل المفسرين بعدها فلا تجد عليّ. ( 3) قال مقيده عفا الله عنه وعن والديه: بل صح الحديث على خلافه وقد تقدم ، وضعف هذا ابن كثير رحمه الله ( 4) خص نفسه به ومنعه عن غيره. ( 5) الجامع ج1 ص107:103 ( 6) ورواه الامام احمد والبخاري في الادب المفرد و صححه الالبانى في صحيح الجامع وهو في صحيح السنن ( 7) ج1 ص2 ( 8) زاد المسير ص5 ( 9) تفسير القران العظيم ج1 ص27 ( 10) كذلك فعل الشوكانى رحمه الله تعالى ( 11) ج1ص38،39 ( 12) الاعتقاد البيهقي ج1ص54 ( 13) ابن حجر الفتح ج13 ص 410، وقول الحليمي عند البيهقي في الاسماء والصفات ج1 ص 95. ( 14) أضواء البيان ج1 ص2-3 ( 15) تيسير الكريم ص3 ( 16) مراح لبيد ص2 ( 17) التحرير بتصريف ج1 ص 99:97 ( 18) تفسير الفاتحة وجزء عم ج1 ص30 ( 19) سبق كلام الإمام الطبري والقرطبي والخطابي والزجاج رحمهم الله تعالى ( 20) نقله عنه القرطبي في الأسنى ج1 ص73 ( 21) نقله عنه القرطبي في الأسنى ج1 ص74 ( 22)البيهقي في الاسماء والصفات ج1 ص 95و ابن حجر الفتح ج13 ص 410. ( 23) كشف المعاني في متشابه المثاني ص51،52 ( 24) نقله د. الشرباصي في كتابه (له الأسماء الحسنى) ( 25) صحيح سنن الترمذي ، صحيح الجامع 5138 من رواية جابر رضى الله عنه والصحيحة برقم 2150 ( 26) البقرة:37 ( 27) البقرة:160 ( 28) البقرة:199 ( 29) البقرة:173 ( 30) البقرة:226 ( 31) آل عمران:31 ( 32) النساء:96 ( 33) النور:62 ( 34) الحجرات:12 ( 35) المجادلة:12 ( 36) الأنفال:69 ( 37) البقرة:163 ( 38) المائدة:98 ( 39) يونس:107 ( 40) الأحزاب : 43 ( 41) التوبة : 117 ( 42) طه 5 ( 43) الفرقان 59 ( 44) الأعراف 156 ( 45) مدارج السالكين ج1ص39:38 ( 46) الأحزاب : 43 ( 47) التوبة : 117 ( 48) بدائع الفوائد ص24
| |
|