الشباب هم عماد الأمة وأملها النابض , ومستقبلها الزاهر المشرق , وهم عصب الحياة وطاقاتها الفتية , ولقد اهتم الإسلام بالشباب اهتماما كبيراً، وحث على تربية الشباب تربية سليمة , وحذر من الأخطاء التي من الممكن أن يقع فيها الشباب , بسبب الغفلة وقلة الوعي , والبعد عن الثقافة الدينية الصحيحة , وبسبب كثرة الفتن والشهوات والشبهات .
ومن المحاذير والأخطاء التي يقع فيها كثير من الشباب:
1- إياك والمجاهرة بالمعصية:
المسلم يخطي ويقع في بعض المعاصي ؛ لأنه ليس معصوماً من الخطأ , ولكن المسلم الحق هو الذي يؤوب ويتوب ويعود إلى ربه سبحانه , فنفسه نفس لوامة تلوم صاحبه عند الخطأ , قال تعالى : {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (2) سورة القيامة.
لكن من الخطأ والخطر أن يألف بعض الناس المعاصي ويتعود عليها , بل ويصل الحد به إلى المجاهرة والتفاخر بها , ولقد حذرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين و إن من الجهار أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح و قد ستره الله تعالى فيقول : عملت البارحة كذا و كذا و قد بات يستره ربه و يصبح يكشف ستر الله عنه " (رواه البخاري (6069) ومسلم (2990)).
وهذا المسلك يولد نتائج وخيمة منها:
تهوين المعصية لدى الشخص، ولدى من حدثه عنها، ومنها أنها قد تجريء الطرفين فيما بعد على الوقوع فيها، ومنها أنها تفتح الباب لحديث أوسع في مثل هذه الرذائل وتزيل حاجز الحياء.
فليستتر الشاب والفتاة، فهذا مما يعينه على التوبة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:" اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن أَلَمَّ بشيء منها فَلْيَسْتَتِرْ بسِتْرِ الله ولْيَتُبْ إلى الله فإنه من يُبْدِ لنا صفحتَه نُقِمْ عليه كتابَ الله " أخرجه الحاكم (4/425 ، رقم 8158) . والبيهقى (8/330 ، رقم 17379) عن ابن عمر. قال المناوى (1/155) : قال الحاكم : صحيح على شرطهما, صحيح الجامع 149.
فبعض الشباب يجلس مع أصدقاءه ويحدثهم عن جولاته ومغامراته , وعن علاقاته التي في معظمها محرمة ولا يرضى الله عنه , بل أحيانا يعرض عليهم صوراً لهذه المغامرات , ولا يدرك أنه لربما تأتيه المنية وهو مقيم على تلك المعاصي , وهو يفاخر بها , وقد لا يسعفه الوقت في التوبة والرجوع إلى الله تعالى .
فتذكر أيها الشاب ويا أيتها الفتاة العواقب السيئة من فعل هذه المعاصي والفواحش وما ينزل بأصحابها من الأمراض المستعصية، ومن الفضيحة وغير ذلك، وليكن لك عبرة بمن ابتلوا بالفضيحة أو الأمراض، ومعلوم أن الشهوة الخاطئة، والنزوة العابرة سيعقبها حسرة وندامة، وخزي وعار، وذلة وشنار، وأن لذتها ستصير عذابًا فتذهب اللذات وتبقى التبعات والحسرات , ولرب شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا.
قال الشاعر :
تَفْنَى اللَّذَائِذُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا*** مِنَ الحَرَامِ وَيَبْقَى الإِثْمُ والعَارُ
تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا *** لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِن بَعْدِهَا النَّارُ
2- أيها الشباب احذروا الفراغ:
الوقت هو الحياة , والأوقات إما عمار أو دمار , والعاقل هو من يتعامل مع وقت فراغه كما يتعامل مع عدو ألد يتربص به في كل حين .
قال تعالى : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (115) سورة المؤمنون.
وعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك. أخرجه الحاكم (4/341 ، رقم 7846) وقال : صحيح على شرط الشيخين . والبيهقى في شعب الإيمان (7/263 ، رقم 10248)وقال أيضا : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ) " البخاري(.
فمن أخطر المشاكل التي تواجه الشباب مشكلة الفراغ قال الشاعر العربي :
إن الشـبـاب و الـفـراغ والجدة * * * مفسدة للـمـرء آي مفســـدة !
فكثير من الشباب لا يدرك قيمة الوقت ولا أهميته , ولا يعرف أن سوف يحاسب يوم القيامة وسوف يسأل عن كل دقيقة من عمره . عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ , وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ. أخرجه الترمذي (2416) والألباني :حسن ، الصحيحة ( 946 ).
قال الحسن البصري – رحمه الله – : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم ! .
و كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : إني لأكره أن أرى الرجل فارغا ، لا في عمل الدنيا ، ولا في عمل الآخرة .
قال الشاعر :
خذ من شبابك قبل الموت والهرم ** وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعـــلم بأنك مجــزئ ومــــرتهن *** وراقـــب الله واحـذر زلة القـدم
وقال أحد السلف: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما.
والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
نعم أيها الشاب وقتك هو عمرك فلا تضيع عمرك فيما لا يفيد والوقت لا يُقدّر بثمن .
قال أحد الحكماء: من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه ، وظلم نفسه!.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يَزِد فيه عملي .( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) سورة الفجر 24 .
3 - أيها الشباب احذروا أصدقاء السوء :
اعلم أيها الاخ الحبيب ويا أيتها الاخت الحبيبة أن مصاحبة الصالحين دليلٌ علي صلاحك , ومجالسة الأبرار دليل على برك , وأن الصاحب ساحب , وأنه ينسب إلى صاحبه , قال تعالى : {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (67) سورة الزخرف , وعن قتادة عن أبي إسحاق أن عليًا قال في هذه الآية: خليلان مؤمنان وخليلان كافران, فمات أحد المؤمنين فقال: يا رب إن فلانًا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر, ويخبرني أني ملاقيك, يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني, فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما, فيقول: ليثن أحدكما على صاحبه, فيقول: نعم الأخ, ونعم الخليل, ونعم الصاحب, قال: ويموت أحد الكافرين, فيقول: يا رب إن فلانًا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك, ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير, ويخبرني أني غير ملاقيك, فيقول بئس الأخ, وبئس الخليل, وبئس الصاحب(أخرجه الطبري: 25 / 94, وعبد الرزاق في التفسير: 2 / 199-200, وزاد السيوطي في الدر: 7 / 389 نسبته لعبد بن حميد, وحميد بن زنجوبه, وابن أبي حاتم وابن مردويه, والبيهقي في شعب الإيمان.).
ولقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ., وفي رواية : الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ.أخرجه أحمد 2/303(8015) و"أبو داود" 4833 و"التِّرمِذي" 2378 .
كما ضرب لنا صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في وصف الصديق الصالح والصديق السوء فقال ."عَنْ أَبِي مُوسـَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ." ( متفق عليه ).
قال النووي – رحمه الله - تعليقاً علي هذا الحديث :في هذا الحديث : فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب ،والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فُجره وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – كما في فتح الباري (4/324 ) .
قال مالك :الناس أشكال كأشكال الطير الحمام مع الحمام والغراب مع الغراب والبط مع البط ، وكل إنسان مع شكله.
قال الشاعر :
عن المرء لا تسأل و سَلَ عن قرينه * * فكل قـريـن بالُمقـارن يـقـتـدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيَـارَهم * * ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى
*وقال آخر :
أنت في الناس تقـاس * * بالذي اخترت خليلا
فاصحب الأخيـار تعلو* * وتنل ذكراً جميـلا
فاختر الصديق الصالح الذي يذكرك إذا نسيت ويقومك إذا اعوججت , ويسد خللك , ويحمى زللك , ولا يأخذك للمهالك .
إن النجاة تبدأ باجتناب الرفقة السيئة ومجافاة طريق الرذيلة , فلا تكن إمعة وتمشي وراء أصدقاء السوء وتقلدهم التقليد الأعمى , وسل نفسك لماذا أكون تابعاً ولا أكون متبوعاً , لماذا أتأثر بفساد الآخرين ولا أجعلهم يتأثرون بصلاحي .